الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تدخلية الدولة في الإقتصاد: كينز وخصومه

محمد سيد رصاص

2008 / 11 / 7
الادارة و الاقتصاد


وُلد كبيرا اقتصادييي القرن العشرون،أي جون مينارد كينز وجوزف شومبيتر،في عام1883الذي شهد وفاة كارل ماركس،والحقيقة أن التغيرات التي حصلت في النظام الرأسمالي،بين عامي1880و1918،قد أعطت مشهداً اقتصادياً كان مختلفاً عن ذلك الذي عالجه الإقتصاديون الكلاسيكيون منذ ولادة علم الإقتصاد السياسي مع آدم سميث عبر كتابه"ثروة الأمم"الصادر عام1776،حيث كان أولئك الإقتصاديون،ومنهم دافيد ريكاردو وجون ستيوارت ميل ولحد"ما"ماركس،يرون أن عالم الإقتصاد الحقيقي هو السلعة ،وشروط انتاجها،ثم تبادلها،والدورة الإقتصادية التي تخلقها،لتأتي تطورات تلك السنوات لتعطي دوراً متزايداً للرأسمال المالي،بأشكاله المتعددة من مصرفية أورأس المال الذي يأتي به مبادروا المشاريع،مازعزع النظرة التقليدية التي كانت تربط الرأسمالية بشخصي الصناعي والتاجر،وقد أتى هذا بالترافق مع زيادة التنافس بين الرأسماليات العالمية- وربما بسببه حسب ماترى(نظريات الإمبريالية)من هوبسون عام1902وصولاً إلى لينين بعام1916التي ربطت بين رأس المال المالي وظاهرة الإمبريالية وبحثه عن أسواق خارجية- ليؤدي هذا التنافس إلى بداية النزعة التدخلية للدولة في الإقتصاد ماتمثل في الإجراءات الحمائية ضد السلع الأجنبية،البادئة في ألمانيا1879ثم فرنسا1881وصولاً إلى أميركا1890،ماكان ايذاناً بإقتراب الحرب العالمية الأولى،التي زادت من تدخلية الدولة في الإقتصاد ومن وضع النى التحتية والأساسية لخدمة متطلبات هيئات الأركان العسكرية،إلى درجة كان اتجاه لينين إلى تدخلية الدولة بالإقتصاد مع ثورة أوكتوبر1917مسبوقاً في برلين وباريس ولندن وواشنطن،ولوأن ماحدث بالعواصم الأخيرة كان لايتعدى وضع اليد على المرافق الإقتصادية لضرورات المجهود الحربي.
أمام هذا ،رأى شومبيتر،ومنذ صيف وخريف1918 قبيل قليل من نهاية الحرب،أن الحركة التقليدية للسلع في إطار(العرض والطلب)لم تعد هي الرافعة للإقتصاد،بل النقد والأرصدة المالية،داعياً،منذ كتابه"أزمة الدولة الضريبية "الصادر آنذاك في فيينا،إلى تجاوز الحالة التي تتحول فيها الدولة إلى قوة متضخمة عبر الضرائب والواردات لتستطيع من خلالها اكتساب سلطة الإشراف على توزيع النتاج الوطني،بكل ماينتج عن هذا من قوة سياسية للدولة فوق المجتمع والأفراد .كانت المفارقة أن تجديدات شومبيتر الإقتصادية –التي صبَت لاحقاً في مسار اليمين- كانت مبنية على رؤية ماركسيعتبره شومبيتر أنه يكتسب أهميته من طرحه الأسئلة الصحيحة فيمايرى العكس في إجاباتهالقائلة بأن تجديدات رأس المال تؤدي تاريخياً لتجديد الهيكلية البنيوية للرأسمالية وبالنهاية إلى تدميرها وتجاوزها كبنية اقتصادية-اجتماعية عبر تناقض تطور قوى الإنتاج مع ثبات علاقات الإنتاج،فيمارأى شومبيتر أن التدمير هو سمة بنيوية في الرأسمالية تؤدي بها،عبر مايصفه ب"التدمير الخلاَق"،إلى استبدال الأساليب القديمة لإدارة أمور الإقتصاد بالجديدة،وأن حركة الرأسمالية بالسوق تدمر أجيالها الأولى لتغير البنية الإقتصادية من داخلها وضمنها عبر دورة حركية،ليخلص شومبيتر إلى أن رجل المشاريع أوالأعمالentrepreneurأوbusinessmanقد بدأ يقوم بذلك في اقتصاد الربع الأول من القرن العشرين من خلال مايحمله للسوق من نقد وأرصدة،فيماقام بذلك بالرأسمالية الأولى كل من الصناعي والتاجر.
بالتعاكس مع شومبيتر،رأى كينز،ومنذ عام1926،أن هناك اقتصادان:واحد(فعلي)،يشمل السلع والخدمات،وآخر(رمزي)ممثلاً في النقد والأرصدة،معتبراً الأول هو الإقتصاد الحقيقي ،الذي يجب أن يمنع الثاني من الطغيان عليه،ومبيناً أن المسألة الرئيسية في الإقتصاد هي طبيعة العلاقة بين هذا(الكل)وذاك الذي يعتبره(الجزء)أوحتى ليس أكثر من اقتصاد افتراضي.
عملياً،فإن وصفات كينز=تدخلية الدولة في الإقتصاد من خلال ضبط حركة النقد والأرصدة، وتعيين حجم المعروض النقدي،والضرائب العالية،والتخطيط وإعادة الهيكلةقد طبقت بقوة من خلال سياسة(نيوديل)التي اتبعها الرئيس روزفلت منذ عام 1933 لمعالجة أزمة1929-1932،والتي اعتبرت في الوسطين السياسي والإقتصادي أنها ناتجة عن تغول قوة المال والأرصدة في السوق على حساب "الإقتصاد الفعلي"،ليموت شومبيتر،في عام1950،معزولاً مع انتصار الكينزية الذي توسع من الشاطىء الغربي للأطلسي إلى أوروبة الغربية وبالذات مع نهاية الحرب العالمية الثانية وماتطلبت ظروف انتهائها من إعادة بناء وهيكلة مع دولة خدمات وضمان اجتماعي وصحي وتأميماتكمافي بريطانية1948،ماكان ربما مكافئة على المشاركة الفعالة للطبقة العاملة في المجهود الحربي لدول الحلفاء.
هنا،وبعد ثلاثة عقود على نهاية الحرب بعام1945،بدأت تظهر ملامح الأزمة في النموذج الكينزي مع مظاهر الركود الإقتصادي والتضخم النقدي بالسبعينيات على إثر ارتفاع أسعار النفط وازدياد المصروفات العسكرية مع اشتداد الحرب الباردة.ترافق هذا مع ظهور بداية مدٍ يميني جديد تمثل في(الليبرالية الجديدة)،التي قالت طبعتها الإقتصادية عبر ميلتون فريدمان،أستاذ الإقتصاد بجامعة شيكاغوفي الستينيات،بضرورة تجاوز الكينزية نحو إعادة سيطرة(النقد)على حركة السوق ومجمل العملية الإقتصادية،مع دعوة لتقليص راديكالي في الضرائب وفي خدمات الدولة وتدخليتها بالعملية الإقتصادية،وهو ماوصل عند فريدمان للدعوة لإلغاء نظام الإحتياط الفيدرالي.في هذا الإطار،كانت وصفات فريدمان- التي تعود بجذورها إلى شومبيتر- مؤدية إلى ثورة ضد الكينزية قامت بها(الليبرالية الجديدة)في المجال الإقتصادي من خلال إدارة ريغان،التي توجت ذلك بانتصارها بالحرب الباردة على السوفييت،ليحصل عملياً،بالعقدين اللاحقين،اتجاه نحو تكنيس الكينزية من الإقتصادات الغربية على ضفتي الأطلسي،وإلى موجة عالمية كرَست قوة غير مسبوقة للمال والأرصدة والبنوك الإستثمارية في الإقتصادات العالمية،وأولها الأميركي.
السؤال الرئيسي الآن:هل نشهد،مع أزمة2008المالية الأميركية التي بدأت من قطاع البنوك الإستثمارية،بداية انتصار متجدد لكينز،يمكن اشتمام رائحته من خلال (خطة بولسن)لإنقاذ القطاع المالي الأميركي المتعثر،التي اعتبرها أعضاء الكونغرس اليمينيون أثناء القتال الشرس الذي خاضوه هناك ضدها أنها"انحراف أيديولوجي" عن الليبرالية الجديدة؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقديرات تظهر بأن مدى صواريخ حزب الله يهدد بتعطل إنتاج نحو 90


.. كيف تطورت مؤشرات الاقتصاد المصري بعد ثورة 30 يونيو؟




.. هل إسرائيل جاهزة اقتصاديا لحرب من جميع الجهات؟


.. أبو ظبي.. تعاون أميركي إماراتي للتوعية من مخاطر النيازك والك




.. نشرة الرابعة | السعودية تعلن ارتفاع إنتاج الغاز.. وداعية كوي