الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضعف التمثيل الدبلوماسي العربي في عراق ما بعد الاحتلال ... الاسباب والنتائج

قيس العبيدي

2008 / 11 / 8
السياسة والعلاقات الدولية


1.المقدمة
تعتبر الدبلوماسية نظاما للتواصل السياسي الخارجي بين الدول وهو نوع من الممارسة والسلوك يستهدف تنظيم المصالح المشتركة بينها في جميع المجالات وتعرف الدبلوماسية بأنها فن وممارسة إجراء المفاوضات بين الدول وبتعبير أدق هي فن تنفيذ سياسة الدولة الخارجية ولقد أصبحت الدبلوماسية تحتل المرتبة المتقدمة في حقل السياسة الخارجية وتعني الدبلوماسية عملية التمثيل والتفاوض التي تجري بين الدول في إطار العلاقات الدولية والدبلوماسية التي تدعمها وسائل السياسية الخارجية الأخرى كالقوة العسكرية والاقتصادية والتي باتت تسمى ب (الدبلوماسية الفعالة) ومما لاشك فيه إن من أولى المهام التي تقع على عاتق الدبلوماسي الذي يمثل حكومته هي تحسين العلاقات مع الدول التي اعتمد لديها وذلك بتأسيس علاقات عامة يوظفها لغرض تنفيذ السياسة العامة لدولته وبعد 9 نيسان/ابريل 2003 وقيام الولايات المتحدة الأمريكية بغزو العراق واحتلاله تحت ذرائع أثبتت الجوانب المادية والمعنوية بطلانها وبعد احتلال العراق أغلقت جميع السفارات العربية المعتمدة في العراق وتم تعطيل العمل الدبلوماسي العربي وهنالك جملة من الأسباب التي أعلنتها الحكومات العربية بين فترة وأخرى بدءا من حكومة مجلس الحكم الانتقالي ولغاية حكومة المالكي لتبرير رفضها عودة التمثيل الدبلوماسي والسفراء إلى العراق رغم المحاولات العديدة التي بذلتها الحكومات العراقية المتعاقبة من خلال وزارة الخارجية لتفنيد الذرائع التي تطلق على لسان الناطقين الرسميين باسم الحكومات العربية لتصل ثمرة الجهود إلى حقيقة قد تكون معلنة من قبل بعض الحكومات وقد تكون سرية ألا وهي عدم الاعتراف الواقعي بالحكومة العراقية العاملة تحت وصايا الاحتلال الأمريكي وفي الربع الأخير من عام 2008 لوحظ تفعيل محدود للدبلوماسية العربية في العراق ومن خلال مكتب الجامعة العربية وممثليها والزيارات المكوكية التي قام بها المسؤولون العراقيون وبضغوط أمريكية لبعض الحكومات العربية أعيدت سفارات مصر والأردن وسوريا والإمارات العربية المتحدة والكويت وبتمثيل خجول من الناحية الدبلوماسية.

2.العلاقات العراقية ـ العربية بعد الاحتلال
يبدو للمتتبع للمشهد العراقي بعد الاحتلال هي عزلته دبلوماسيا مع الدول العربية الشقيقة متمثلا ذلك بضعف التمثيل الدبلوماسي العربي في العراق رغم المحاولات العديدة التي قام بها وزير خارجية العراق (هوشيار زيباري) لتطوير علاقة العراق الخارجية واستعادة العراق مكانته ودوره في تلك المحافل وقد حاولت الخارجية العراقية توضيح الكثير من إشكاليات وتعقيدات الوضع الداخلي السياسي في العراق للرأي العام العربي والدولي لان العديد من الدول العربية لم تكن متفهمة لموضوعة الحرب على العراق وما تلاها من احتلال وتواجد القوات المتعددة الجنسيات في العراق وما يواجهه من إشكاليات وتحديات للعملية السياسية القائمة بالعراق.
لقد بادر العراق لإرسال بعثاته الدبلوماسية إلى معظم الدول العربية وباقي دول العالم فهنالك (53) بعثة دبلوماسية تعمل خارج العراق وهذا العدد موزع بين سفراء ورؤساء بعثات وفي بعض الدول هناك بعثات مفتوحة بعدد محدود من الدبلوماسيين الإداريين كما توجد للعراق قنصلية في جده, كما يلاحظ المراقب لعلاقات العراق الخارجية مع الدول العربية سواء على مستوى الوفود خلال المؤتمرات الدولية بان الوفد العراقي يعاني من انكماش وحاجز نفسي أمام الوفود العربية كما إن البعثات الدبلوماسية العربية تتجنب الاحتكاك مع الوفد العراقي وفي تصريح لوزير خارجية العراق لجريدة الحياة يجسد فيه المعاناة النفسية للدبلوماسية العراقية مع الوفود العربية حيث قال (ادعوا الدول العربية الخروج من حالة الانتظار في تعاطيها مع العراق) كما أشار في حديثه أيضا قبل انعقاد مؤتمر القمة العربية في الجزائر بقوله (سيطمئن الأشقاء العرب إلى إن العراق لا يرغب في تصدير الديمقراطية إلى الآخرين) وهنالك تصريح للرئيس العراقي الأسبق غازي عجيل الياور الذي ترأس الوفد العراقي في قمة الجزائر (بأننا سنحمل تطمينات إلى القمة العربية في الجزائر بأنه لن تكون في العراق أي حملة منظمة ضد العالم العربي وشعوبه) ويرى الباحث من خلال تصريحات المسؤولين العراقيين بأنه هنالك عزلة عربية متفق عليها بشكل غير مبرمج بأن الدول العربية تنظر إلى العراق (الجديد) وما رافقه من تداعيات بأنه يشكل نقطة غير مضيئة في تاريخ العراق السياسي منذ تأسيس الدولة العراقية وان الزعماء الذين يحضرون مؤتمرات القمة العربية هم زعماء وقتيين في رأس السلطة العراقية وان تجربة مجلس الحكم الانتقالي أعطت مؤشر لدى الدول العربية بان الرئاسة العراقية أصبحت تداوليه ولم يشكل الرئيس العراقي رمزا خالدا لبلده بل هم من صنع الولايات المتحدة الأمريكية ولو نسلط الضوء قليلا إلى الوراء وعند تعيين غازي عجيل الياور كرئيس للعراق بأنه في مؤتمر الجزائر جرت العادة إن يرافق أمين عام جامعة الدول العربية زعيم الدولة المضيفة وخلال زيارة الرئيس الجزائري بوتفليقة لغازي عجيل الياور كرئيس للعراق ويرأس وفد بلاده لمؤتمر القمة لم يرافقه أمين عام جامعة الدول العربية باعتبار جماعة الدول العربية هي الجهة المشرفة على تنظيم مؤتمرات القمة العربية وترغب بإنجاحها كما جرت العادة عند زيارة رئيس الدولة المضيفة لبقية الوفود المشاركة بالمؤتمر ومن هذا الموقف الرسمي يتبين واضحا أن الدول العربية كانت تنظر إلى الوفد العراقي كأنه حركة سياسية وليس كوفد رسمي لدولة ذات سيادة ولذا فأن الوفد العراقي لم يحظى بهذا الامتياز من قبل أمين عام جامعة الدول العربية والملاحظ بأن الجهاز الدبلوماسي العربي لم يستغل الاستغلال الأمثل بل ان الحكومات العربية متهمة بتجاهله والذي يضم طاقات وكفاءات دبلوماسية مخضرمة وكما إن الوقت حان لتفعيل وتجديد وتحريك الدبلوماسية العربية والارتقاء بدورها والاستفادة من طاقاتها لمواكبة متطلبات العصر الذي يزداد تعقيدا ومن غير الحكمة أن تتأخر الدول العربية عن إعادة افتتاح بعثاتها الدبلوماسية في العاصمة (بغداد).

3.العراق بدون دبلوماسية عربية
لقد بقي العراق بعد الاحتلال بمعزل عن حاضنته العربية ولم تبادر الدول العربية لإعادة إرسال بعثاتها الدبلوماسية إلى العاصمة (بغداد) لأسباب عديدة حتى شعر العراقيون بأن بلدهم أصبح عضوا غريبا في الوطن العربي حتى جاء الإيعاز من وزيرة الخارجية الاميريكية (كونداليزارايس) والذي أخذت تلح على الدول العربية للاستجابة له رغم التصريحات المتكررة والعديدة لتنامي الدور الإيراني في العراق والذي بقيت سفارته عاملة في العراق قبل الاحتلال وبعده ورغم المشهد المأساوي العراقي ووصوله لحافة الحرب الأهلية لم تتحرك الدول العربية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والتأثير على الساحة العراقية مادامت تتعامل معه عن بعد أو عن طريق المراسلة في حين تمارس فيه السفارة الإيرانية وبكامل طاقم بعثتها الدبلوماسية دورا مؤثرا على جميع القوى الفاعلة في ساحة النشاط السياسي العراقية رغم كل التصريحات التي تناشد الحد من الدور الإقليمي الإيراني في العراق لذا يرى الباحث بان التواجد العربي الدبلوماسي بالعراق مطلوب ويعد ضروريا والجميع يدرك إن من حق الحكومات العربية إن تتخوف وتحرص على حياة أفراد بعثاتها الدبلوماسية إن هي أرسلتها إلى العراق لكن بنفس الوقت يجب إن ندرك ايجابيات التواجد العربي على الساحة العراقية في مثل الظروف الاستثنائية التي يمر بها العراق وان تداعيات الظرف الأمني ستنعكس على بعض الشخصيات الدبلوماسية العربية من أن تتعذر من تسنم منصب سفير بلادها في العراق لتوطيد أواصر العلاقات الثنائية بين بلدانهم والعراق وقد تعطي العذر أحيانا للدول العربية بسبب الأحداث التي رافقت البعثة الدبلوماسية المصرية والأردنية وبعثة الأمم المتحدة لكن وبعد مرور ستة سنوات على الاحتلال وإدراك القوى السياسية المشتركة بالعملية السياسية والتدخل الأمريكي في رسم السياسة الخارجية العراقية والتحسن الأمني الملحوظ في العاصمة (بغداد) والوعود الاستثمارية والاقتصادية لمن يسرع بإعادة بعثته الدبلوماسية للعراق وتطمينات الساسة العراقيين وتوسيع أبنية المنطقة الخضراء والاملاءات الأمريكية بادرت بعض الدول العربية إلى فتح سفاراتها في بغداد كمصر والإمارات والأردن والكويت وسوريا والبقية تأتي لان العراق يستحق من محيطه العربي المساعدة والعون لتجاوز محنته.
كما أكدت مصر إن مسألة التمثيل الدبلوماسي العربي في العراق امرأ لا يخضع لضغوط أو املاءات أي طرف من الأطراف أو دولة من الدول وشددت على انه قرار سيادي يخص كل دولة, كما إن المصلحة العربية تحتم أن يكون هناك شكل من أشكال الوجود الدبلوماسي العربي في العراق لتحقيق التواصل بين الجانبين وهذا يتطلب من العراق توفير الأجواء الأمنية الملائمة لإنجاح عمل البعثات الدبلوماسية العربية كما يتطلب إدراك الدول العربية إن وجود تمثيل دبلوماسي له في العاصمة (بغداد) لا يصب في خدمة المصالح العربية فقط وإنما يسهم في استمرار العراق كجزء فاعل من المنظومة العربية وان يكون جزءا من الرؤية العربية لكيفية مساعدة العراق لتخطي أزمته الحالية في ظل الاحتلال.

4.الحكومة العراقية ومهمة تفعيل الدور الدبلوماسي
إن واحدة من القضايا المهمة من المرحلة الراهنة في العراق هي إعادة رسم السياسة الخارجية للدولة العراقية وبناء المؤسسات الدبلوماسية بالشكل الذي يفعل دورها عربيا وإقليميا ودوليا, إن السياسة الخارجية والدبلوماسية العراقية كانت ذات أهمية استثنائية على الدوام وتأتي تلك الأهمية وفي المقدمة منها الموقع الجغرافي المتميز الذي يحتله العراق والتأثير الكبير الذي يمكن إن يلعبه العراق على المستويين الإقليمي والدولي إضافة إلى قدراته الاقتصادية وخزينة الاستراتيجي من النفط الذي يجعله موقع اهتمام جميع دول العالم ومن هنا يرى الباحث إن مسؤولية بالغة تقع على عاتق الحكومة العراقية الحالية لمعالجة الملف الدبلوماسي العراقي ويتطلب ذلك اعتماد المعايير الوطنية والنزاهة والكفاءة في اختيار الكادر للمؤسسات الدبلوماسية التي يراد لها أن تكون المرآة العاكسة لعراق الحضارات وان تتدخل الحكومة جديا لمنع بعض الممارسات التي تجري في السفارات العراقية بالبلدان الأوربية البعيدة عن الطقوس البروتوكولية لحماية العراقيين بالخارج وتقدم المساعدة لهم وان لا يستجدي سفرائنا علاقات دبلوماسية يرفضها الطرف الأخر وإذا ما أريد للدبلوماسية العراقية إن تحقق أهدافها فعليها أن تعمل لتطوير العنصر الأساسي للدبلوماسية ألا وهو فن المفاوضات عن طريق إتباع استراتيجيات ناجحة تستخدم في المفاوضات وإذا أريد للدبلوماسية العراقية نجاحات في إستراتيجيتها التفاوضية عليها أن تنظر إلى أي مفاوضات كمشروع تعاوني وعلى ضوء ما تقدم يرى الباحث لأجل إن تتعافى الدبلوماسية العراقية وتعمل لأجل خدمة العراق يتطلب ما يلي:
أ‌-اختيار الدبلوماسيين المشهود لهم بالخبرة والكفاءة وان لا يكون اختيارهم على أساس المحاصصة الطائفية.
ب‌-تفعيل الدور الرقابي لسفاراتنا بالخارج وإجراء تقييم نصف سنوي لنتاج كل سفارة وما قدمته للعراق والعراقيين في الشتات المتواجدين في بلدانهم.
ت‌-عدم تحويل السفارات إلى منابر إعلامية لخدمة الحزب والطائفة التي ينتمي إليها السفير وأركان سفارته.
ث‌-ترشيق وزارة الخارجية من العناصر الدخيلة على العمل الدبلوماسي واعتماد الكفاءة والجانب الأكاديمي والخبرة المتراكمة أساسا للعمل في مفاصل الوزارة.
ج‌-عقد مؤتمرات سنوية لتقييم عمل وزارة الخارجية والبعثات الدبلوماسية لتحديد مستوى الأداء المهني والمنجزات التي جرى تحقيقها لخدمة العراق.
ح‌-عدم تسييس وزارة الخارجية وان يكون استيزارها وطنيا وليس على أساس الطائفة والجهة المستأثرة بالسلطة.

5.الاستنتاجات
أ‌-عزوف معظم الدول العربية لتوطيد علاقاتها الدبلوماسية بالعراق وإعادة تمثيلها الدبلوماسي بسبب عدم اكتمال السيادة الوطنية للعراق باعتباره دولة محتلة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
ب‌-إطلاق التهم من قبل الحكومة العراقية تجاه بعض دول الجوار بإيواء المسلحين ودفعهم للقيام بأعمال مسلحة داخل الأراضي العراقية وغض النظر عن الدور الإقليمي المتنامي لإيران جعل موقف الدول العربية منكمشا تجاه العراق.
ت‌-عدم تفعيل دور الدبلوماسية العراقية وعدم اختيار سفراء كفوئين ذو خبرة وتجربة بالعمل الدبلوماسي لتمثيل العراق في الدول العربية.
ث‌-عدم وجود رغبة جادة لدى الدول العربية من تعميق علاقاتها الدبلوماسية مع العراق لعدم وضوح الرؤية السياسية للحكومة العراقية واتهامها بالطائفية والمذهبية والعرقية.
ج‌-ضعف دور وزارة الخارجية العراقية من خلال المؤتمرات العربية سواء على مستوى القمة أو اللقاءات الثنائية لتطمين الدول العربية بمستقبل العراق السياسي.
ح‌-تردي الوضع الأمني كان عاملا أساسيا لضعف التمثيل الدبلوماسي العربي في العراق وحرص الدول العربية على بعثاتها الدبلوماسية من أعمال التفجير والاغتيال.
خ‌-غموض السياسة الخارجية العراقية وشعور اغلب الدول العربية بما فيه جامعة الدول العربية بان هنالك تدخل إيراني واضح بالتأثير في رسم السياسة الخارجية للعراق مما يقلق الدول العربية من تنامي الدور الإقليمي الإيراني في المنطقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا لتفريق المحتجين| الأخبار


.. مؤشرات على اقتراب قيام الجيش الإسرائيلي بعملية برية في رفح




.. واشنطن تتهم الجيش الروسي باستخدام -سلاح كيميائي- ضد القوات ا


.. واشنطن.. روسيا استخدمت -سلاحا كيميائيا- ضد القوات الأوكرانية




.. بعد نحو 7 أشهر من الحرب.. ماذا يحدث في غزة؟| #الظهيرة