الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الولد الدّاكن .. عن تفاؤلنا المضرّ .. !!

سَعْد اليَاسِري

2008 / 11 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


مدخل :

رغم أنّي لا أميل إلى الديمقراطية بثوبها الغربي .. ولي مبرّراتي في ذلك ؛ لكن فلنقدّم التهاني والتبريكات للديمقراطية بوصفها مجموعة من المبادئ تستحق أن يتوقّف عندها المرء متأمّلاً و متفكّرًا و مردّدًا : سبحان الذي سخّر [لهم] هذا . لأنّ قراءةً واعيةً لما يجري في الولايات المتّحدة الأميركية هذه الأيّام ؛ ستؤدّي إلى أن نعترف بإنجاز الديمقراطية – كفكرة فلسفية قابلة للتطبيق بشكل عام .. و بالقيم الأميركية – التي تأسّست بموجبها الدولة على أساس علماني في عام 1784 – بشكل خاص . و أيضًا ؛ أن نعترف بأنّ الديمقراطية وحدها تقدر أن تأتي بابن مهاجر كينيٍّ ليكون سيّد البيت الأبيض في واشنطن . أو ابن مهاجر هنغاريٍّ ليكون سيّد الأليزيه في باريس .. فيما نحن في جمهوريات الموز العربية ما زلنا نسجّل باعتزاز أنساب الخيول و الأباعر .

إنّ أوباما المحبوب الخطيب المفوّه الآسر اللفظ لا يتعكّز على ماضيه أو إنجازات سلالته و أسلافه , بل نجحَ لأنّه عزف على وتر تستغربه حملات الانتخابات – أميركيًّا – ألا وهو وتر الرجل الملوّن العصامي الذي يتحدّى المصاعب و ينتصر عليها كي يكون قرّة عين قومه ومجايليه ، و كي يكون – بعد زمن المخلّص في صورة أقرب إلى صورة الولد الداكن المُنتشل من الماء موسى قبل 3500 سنة .. فكأنّما أوباما سيَخرجُ ببني جلدته من البيض والملوّنين على حدٍّ سواء عابرًا بهم إلى مملكة الطُمأنينة بعد أن طغى بوش وتكبّر .. !!


ومن هنا دعوني أقل بأنّ التفاؤل خصلة يجب أن يتمتّع بها الأميركيّون و ليس نحن .. فـ أوباما سينقذ أميركا من أزماتها الأخلاقيّة والعسكريّة و الماليّة .. و لن ينقذنا ممّا وجدنا عليه آباءنا . لذا أنا أرى بأنّ سياسته حيال قضايانا ستكون استمرارًا لمنهاج سلفه الديمقراطي كلينتون .. ويمكن إيجاز تصوّري لها في ثلاثة محاور :

أوّلاً . العراق :

أنا كعراقيّ أريد انسحابًا أميركيًّا وانهاءً للاحتلال ، وتلك هي أقصى طموحاتي من الولد الداكن . وهو من جهته يعلم بأنّ أحد أهم أسباب انتصاره الساحق كان موضوع الانسحاب الأميركي المبرمج من العراق .. وهنا سيُمتحن الرجل في مصداقيته .. و أنا أشك بوفائه .. !! لا لشيءٍ إلاّ لأنّ السياسة الأميركية لا يقودها رجل .. و لا يتّخذ القرارات فرد .. و لو شاء المتنفّذون من تحالف لوبيات المال و لوبيات الصّفوة أن يمنعوا تمرير قرار الانسحاب فسيكون ذلك هينًا عليهم . ويجب ألاّ ننسى بأنّ أحزابًا ومؤسّسات داخل الدولة العراقية تريد استمرار بقاء تلك القوات .. بل الأكراد – البارزاني مثالاً – عرضوا إقامة قواعد ثابتة لتلك القوات في حدود محافظات العراق الشماليّة . و تلك بلاهة وطنيّة وسياسيّة لم يجرؤ دُعاة فيدراليّة الجنوب من الشّيعة آل الحكيم مثالاً أن يهبطوا إليها .. رغم أنّ لهم أجندة لا تخلو من الدسائس والعمالة . أما السُّنّة الهاشمي مثالاً فهي تنظر إلى المشهد و كأنّها الممثّل الشّرعي للعراق و كل ما سواها حفنة مرتزقة وعملاء فيما هي في الواقع ليست بأحسن حالاً من أشقائها ممّن باعوا الوطن . وعليه نجد بأنّ كلّ طرف من الثلاثة مصاب بوهم القدرة الذي استفحل في ذهنه ، وكأنّه يستوحي قول الشّاعر :

فما بقيا عليّ تركتماني

ولكن خفتما صرد النبال

وجميعنا قد صردت عبرنا النبال خلال سنوات هذا الطقس الدموي .. و لا أحد ينظر إلى القدرة الحقيقيّة ، إلى رغبة جارفة في ضمير كل عراقيّ بكافّة الانتماءات بأنْ يكون الوطن واحدًا والقائد واحدًا والجيش واحدًا . لا أحد ينظر إلى تلك الرغبة ممّن يقومون على أمر البلاد من حكومة أو احتلال .. لا أحد .. و هذا أسوأ ما في الأمر .

ثانيًا . الشرق الأوسط :

فيما يخصّ موضوعات الشّرق الأوسط الأزلية فقد حسم أوباما الرأي في شأن أفغانستان بوضوح لا يقبل اللبس ومفاده أنّ الحرب مستمرّة ضد الإرهاب و القاعدة . و بخصوص قضية فلسطين قال بأنّ أمن إسرائيل مقدس ، وأنّ إسرائيل هي دولة يهودية صافية المحتد !! ، و القدس كاملة غير مقسّمة هي عاصمة إسرائيل الأبدية ، و أنّ للفلسطينيين الحقّ في دولة قابلة للنمو والاستمرار دون الإسهاب في مواضيع اللاّجئين والقدس والمستوطنات . وتلك الأقوال – أيّها السّادة لا تختلف عن سابقه في شيء بل هي كليشة أتقنها كلّ الرؤساء الأميركان بعد أوسلو 1993 . و أنا أشك فعلاً أن نرى دولة فلسطينية في فترة رئاسة أوباما الأولى - حيث أشعر بأنّه سيعاد انتخابه لفترة ثانية - لأنّه حتّى لو توفّرت كل المبرّرات لإيجادها فسيبقى نفوذ حركتي حماس و الجهاد السّلبي مانعًا أيّة فرصة حقيقيّة لقيام تلك الدولة . والأمر ذاته في الشأن اللبناني ؛ فإنّ وجود سلاح حزب الله يعني عدم استقرار البلاد حتى يهلكَ أحد الحيين .. للأسف .

أمّا في المشكل الإيراني فأنا أميل إلى الاعتقاد بأنّ ضربة وقائيّة أميركية هي على وشك الحدوث .. ستعود بإيران إلى قدرتها العسكرية الحقيقيّة ؛ تلك التي خرجت بها بعد حرب الثماني سنوات مع العراق في عام 1980 1988 . لأنّ إيران الآن ليست قويّة و لكنها تلعب بخبث طائفيّ فقط .. و الكلام عن قوّتها أمر يضحك منه المحلّلون العسكريون الواقعيّون ، و التلويح بقدراتها الخارقة هو موضوع استهلاكيّ إعلاميّ يمنح الغطاء لضربها في أيّة لحظة . أمّا قضايا الصحراء المغربية و السودان و التطبيع مع ليبيا فستستمر سياسة بوش في هذا الصدد فيما أظن . و سنلحظ انحيازًا أميركيًّا لمسألة التوريث في مِصر إن حدثت بالفعل .. لأنّ البديل هو الظلام الديني و المذهبي والعِرقي . وعلى الشعوب العربية أن تقنع بما لديها من فايروسات ديكتاتورية – كما أرى – لأنّها غير مؤهّلة لبدائل حضارية .. و النموذج العراقي يكفينا مؤونة الشرح والإطالة .

ثالثًا . الخليج :

أثق تمامًا بأنّ دول الخليج العربية لن تستريح من دفع الفواتير . وآخرها المطالبة بالمساهمة – يعني الدفع – في تقويم أخطاء النظام الاقتصادي العالمي . وعلى المرء هنا ألاّ يستغرب من أصدقائنا الغربيين ، فدولنا النفطية الثرية لها مَهمة واحدة من وجهة نظرهم .. و هي الدفع و الاستهلاك . و أوباما يعلم ذلك جيّدًا .. و سيتعامل مع تلك الدول كما هي العادة منذ أن وضعت أميركا بسطالها في مؤخّرة المنطقة بعد المغامرة الصدّامية الكارثية في آب عام 1990 .

خاتمة :

والآن بعد أن قلتُ ما سيكون عليه حال أوباما مع منطقتنا وهو ليس ضربًا بالحصى أو تنجيمًا ؛ إنّما ناتج عن قراءة ومتابعة طويلة للسياسات الأميركية .. أقول بعد كل هذا أودّ أن أشير إلى أنّ حماسة الموقف جعلتنا – كشعوب مهزومة و عاطفيّة نخلط بين ابتهاجنا بفوز أميركي داكن اللون في سباق الرئاسة .. و بين ما ستجنيه شعوبنا المشلولة سياسيًّا من هذا الفوز .

هامش أخير :

العاطفة ذاتها هي ما جعلت من سعادة زميلتي – في مدرسة اللغة الأميركيّة الملوّنة ابنة شيكاغو – إلينوي أن تقول عبارةً شاعريّةً وجهتها إليّ و لبقية الحاضرين : اليومَ ؛ انتهت العبودية في أميركا .. اليومَ فقط !! . فيما سعادتنا أنا و غيري من الواقعيّين تكمن في انتهاء عهد أضرّ بالعالم و بداية عهد نعلّق عليه آمالنا كشرائط النذور الملوّنة على مدخل معبد بوذيّ ناءٍ .. لا لشيءٍ سوى أنّ الخيار كانَ شحيحًا : إمّا بوش لفترة ثالثة أو المقامرة على الولد الداكن أوباما .



ودّ .



WWW.ALYASIRY.COM









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصير مفاوضات القاهرة بين حسابات نتنياهو والسنوار | #غرفة_الأ


.. التواجد الإيراني في إفريقيا.. توسع وتأثير متزايد وسط استمرار




.. هاليفي: سنستبدل القوات ونسمح لجنود الاحتياط بالاستراحة ليعود


.. قراءة عسكرية.. عمليات نوعية تستهدف تمركزات ومواقع إسرائيلية




.. خارج الصندوق | اتفاق أمني مرتقب بين الرياض وواشنطن.. وهل تقب