الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اقتصاد الفقاقيع

رمضان متولي

2008 / 11 / 10
الادارة و الاقتصاد


الأزمة العالمية الأخيرة أزمة ممتدة بغض النظر عن السياسات التي سوف يتخذها الرئيس الأمريكي الجديد، خاصة أنها ليست وليدة أزمة الرهن العقاري التي ضربت السوق الأمريكية في أغسطس 2007 وفق التفسير السائد في وسائل الإعلام، بل ترجع جذورها إلى تاريخ سابق عندما أعلنت الأزمة عن نفسها على شاشات وول ستريت في أبريل 2000 بعد انفجار فقاعة التكنولوجيا. بل إن بعض الاقتصاديين يرجعها إلى الأزمة الشاملة التي ضربت دول جنوب شرق آسيا في 1997-1998. هذه الأزمة الممتدة سوف تحتاج إلى سنوات قادمة كي يخرج النظام الرأسمالي العالمي منها. ولن يكون ذلك إلا عن طريق تخفيض شديد في قيمة رأس المال – والذي يجري عادة عن طريق الاندماجات واستحواذ الشركات الكبيرة على الشركات الصغيرة بأسعار متدنية، ثم محاولة زيادة إنتاجية العمل من خلال تكثيف استغلال العمال، بمعنى تخفيض تكلفة الأجور عن طريق طرد العمال من المصانع والشركات وتخفيض الأجور الحقيقية التي يحصل عليها الباقون بوسيلة أو بأخرى – أي عملية جراحية عنيفة تجرى تحت مسمى "الإصلاح وإعادة الهيكلة" – هل يتردد هذا المصطلح كثيرا في مصر؟!

عملية إعادة الهيكلة سوف تجري على محاور عدة تتعامل مع نظام شامل من "الفقاقيع"… فمن فقاعة التكنولوجيا في نهاية التسعينيات من القرن الماضي ولدت فقاعة الديون في السنوات الأولى من العقد الحالي، لتسلم الاقتصاد العالمي إلى فقاعة أسعار المنازل في منتصف العقد حتى تنتهي إلى مزيد من تعقيد فقاعة الديون حاليا، ليدخل النظام المالي العالمي كله في مأزق من هوى إلى دوامة من الفقاقيع بلا مرفأ. ويبدو أن نظريات وسياسات الليبرالية الجديدة تخصصت بشكل أساسي في صناعة الفقاقيع بدلا من تنمية الاقتصاد والارتقاء بحياة البشر. والدليل على ذلك أن جميع الدراسات الاقتصادية تشير إلى تراجع كبير في قيمة الأجور الحقيقية للعمال في الولايات المتحدة حاليا مقارنة بقيمتها في بداية السبعينيات من القرن الماضي رغم معدلات النمو الهائلة التي حققها الاقتصاد الأمريكي في عقد التسعينيات ورغم، وربما بسبب، الزيادة الهائلة في أرباح الشركات!

ومع ذلك تركز عملية الإصلاح وإعادة الهيكلة التي يقومون بها حاليا على نفس السياسات التي خلقت الفقاقيع – فالتعامل مع أزمة الائتمان يتم من خلال ضخ المزيد من الأموال في نظام مصرفي آيل للسقوط، وتحاصره الشكوك في نفسه، وتتقلص أمامه باستمرار فرص تقديم القروض لمنشآت إنتاجية أو خدمية. وإلى جانب ذلك تقوم البنوك المركزية بتخفيض أسعار الفائدة يوما بعد يوم من أجل تخفيض تكلفة الأموال المقدمة لأصحاب الشركات وتشجيع المستهلكين على الشراء من خلال الاقتراض مرة أخرى، وتخفيض القيمة الحقيقية للديون الحكومية من خلال تخفيض قيمة العملة الذي يترتب عادة على تراجع أسعار الفائدة. وهو نفس السيناريو الذي أدى إلى فقاعة الديون.

ومن ناحية أخرى، أسقط الليبراليون أحد أعمدة نظرياتهم التي كانت تزعم أن سلامة الأداء الاقتصادي ومعالجة أزمات الاقتصاد الرأسمالي ينبغي أن تترك لقوى السوق التي تقوم تلقائيا بتصحيح نفسها، وأن تدخل الدولة في الاقتصاد يتسبب في تعطيل قوى السوق وتفاقم الأزمة. فهاهم الليبراليون الجدد يقومون بتأميم جزئي للمنشآت المصرفية في الولايات المتحدة وفي أوروبا بعد انهيار بنك ليمان براذرز في الأولى، وانهيار بنك نورثرن روك في الثانية والذي قامت بريطانيا بتأميمه، علاوة على تخصيص الإدارة الأمريكية 700 مليار دولار لشراء سندات الرهن العقاري الرديئة من البنوك بالأموال العامة في دولة تعاني من مديونية هائلة وتعاني عجزا في الموازنة وفي الحساب الجاري. لكن دعم الرأسمالية وإنقاذ أرباح الأثرياء مهما كانت التكلفة يحظى بأولوية مطلقة.

لا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن هؤلاء الليبراليين الذين احتقروا آراء "كينز" واعتبروها بالية وسببا لكوارث اقتصاد السوق بدأوا يروجون ويعدون الخطط لإطلاق الدولة لمشروعات كبيرة في مجال البنية الأساسية – رغم العجز الكبير في الموازنة – من أجل توفير فرص العمل التي يعجز القطاع الخاص عن توفيرها نتيجة للأزمة التي صنعها هذا القطاع الخاص نفسه، ومن أجل ضخ مزيد من الأموال في أيدي المستهلكين لخلق أسواق للشركات، إلى جانب التوسع الشديد في الإنفاق العسكري فيما يعرف بالكينزية العسكرية.

الخلاصة أن الأزمة الحالية ليست أزمة عارضة، وليست أزمة دورية يعقبها تصحيح وتعود الأمور إلى ما كانت عليه، وإنما هي أزمة هيكلية وضعت النظام الرأسمالي العالمي في مأزق على مستوى النظرية والتطبيق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي ملامح الاقتصاد الإيراني في عهد رئيسي.. وما ابرز التطور


.. كيف سيتم إدارة الملف الاقتصادي في إيران بعد وفاة رئيسي؟




.. ا?سعار الذهب اليوم الاثنين 20 مايو في الصاغة


.. لماذا سرعت كوريا الشمالية في إنتاج السلاح النووي؟




.. عمال المحارة الترند عملوا فيديو جديد .. المنافسة اشتدت فى تل