الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اهتزاز الخارطة الأيديولوجية العالمية

محمد سيد رصاص

2008 / 11 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


كان القرن العشرون فقيراً من حيث مائدته الفلسفية،حيث عاش على ماأنتجه القرنان الثامن عشر والتاسع عشر،وكانت الإتجاهات الفكرية – السياسيةباليمين واليسار،وحتى الفلسفية،أغصاناً للشجرات الثلاث الكبرى:كانط،هيجل،ماركس.
من هنا،كانت المرافقات الفلسفية للتحولات الإجتماعية-السياسية الكبرى،في القرن العشرين،أضعف من مثيلاتها في القرنين السابقين1789-1815=هيجل،1848=ماركس،لدرجة وجدنا فيها أن متابعاً فلسفياً ك(فرانسيس فوكويوما)لواحد من المفسرين غير الرئيسيين لهيجل مثل ألكسندر كوجيفبالقياس إلى آخرين باليسار مثل هربرت ماركوز وجان هيبوليت وفرانسوا شاتليه أوفيلسوف الفاشية الإيطالية جيوفاني جنتيليكان هو الذي تولى أساساً التنظير الفلسفي لتحولات1989عبر مقولة(نهاية التاريخ)المؤَولة ليبرالياً وهي الموجودة في كتاب هيجل"محاضرات في فلسفة التاريخ".
كان هذا في الصحف ووسائل الإعلام ماكان ملائماً لليبرالية الجديدة المنتصرة ولم يكن مهماً بعد ذلك تراجع فوكوياما عن كتابه ذاك،فيماكان العمل الفلسفي الحقيقي قد تم على يد ليوشتراوس(1899-1973)الذي حاول تجاوز تلك الشجرات الثلاث،عبر عمل أصيل ومتميز بالقياس للكثير من النتاجات الفلسفية الأخرى بالقرن العشرين،طرح من خلاله أستاذ فلسفة السياسة بجامعة شيكاغو محاولة فلسفية لقلب اتجاه الحداثة الغربية،البادئة مع توما الإكوينيت1274ثم ديكارت1650وعصر الأنوار الفرنسي وصولاً لكانط وهيجل وماركس،باتجاه تأسيس رجعة إلى فلسفة أفلاطون في تصور الكون والإنسان والسياسة بعد أن دُشِنت منذ الإكويني فلسفة للعمل والطبيعة مستمدة من أرسطو قطعت مع مُثُل أفلاطون والتصورات المانوية والأفلاطونية المُحدثة التي قدمها القديس أوغسطينت430السائدة طوال القرون الوسطى،ليكون اتجاه الحداثة الغربية العام نحو جعل الإنسان محوراً للكون ولجعل الأخير والطبيعة ميدانين امتداديين لفعالية الإنسان.هنا،كانت فلسفة شتراوس،التي أسست لاحقاً لإتجاه (المحافظين الجدد)عبر وثيقتهم التأسيسية المسماة"إعلان مبادىء"3حزيران1997التي وقع عليها أناس مثل تشيني ورامسفيلد وفولفوفيتزوأيضاً فوكوياما،مبنية على جمع فيلسوف المحافظة القديم إدموند بيرك الناقد لأفكار عصر الأنوار والثورة الفرنسية مع مؤسس الليبرالية جون ستيوات ميلت1873،بالترافق مع تخطٍ لفلسفات مكيافللي وهوبزالسياسية إلى فلسفة أفلاطون السياسية،ومع عودة إلى الروحانيات الدينية التي كانت في العصر الوسيط.
لذلك،رأينا ذلك التحالف العريض بقيادة(المحافظين الجدد)في واشنطن الذي جمع بينهم،في العقد الأول من القرن الواحد العشرين مع وصول بوش الإبن للبيت الأبيض،وبين (اليمين المسيحي الجديد)،مضافاً إلى من انضم إليهم،في أميركا وغيرها من مناطق العالم،من اليسار الماركسي،بطبعاته الستالينية أوالتي كانت عند(اليسار الجديد)،بعد أن أصبحت(الديموقراطية )في منظومة"الثورة اليمينية"تشابه مكانة(الإشتراكية)عقب ثورة1917،مع تشابه كبير في النزعة التبشيرية وفي النزوع لتغييرية جذرية تتخطى الحدود القومية و"الشرعية والمنظمات الدولية"نحو قلب وتغيير العالم.
هنا،استطاع (المحافظون الجدد)قلب الخارطة الأيديولوجية للعالم في مرحلة مابعد عام1989،فيما كانت تسود،حتى في معسكر اليمين،ليبرالية متحررةرأينا ملامحها في عهدي فرانكلين روزفلت وجون كينيديبينما كان الوسط ،أويسار الوسط ،قوياً مع الإتجاه الإشتراكي الديموقراطي وخاصة في أوروبة مابعد الحرب العالمية الثانية حتى نهاية السبعينيات،عندما بدأت توجهات (الليبرالية الجديدة)،مع طبعتها الإقتصادية المقدمة من قبل ميلتون فريدمان المعادي لتوجهات كينز،تسيطر على إدارات ريغان وتاتشر،ولكن من دون غطاء فلسفي سوى العداء الشرس للشيوعية السوفياتية ،التي استطاع ريغان هزيمتها.
قاد هذا الوضع إلى انزياح كثير من الليبراليين التقليديين عن الكينزية،وهو ماحصل مثيل له في معسكر الإشتراكية الديموقراطية مع أسماء بلير وشرودر وجوسبان،فيماأدى استيقاظ الهويات الدينية،الذي رأينا ظهور بدء مدِها في العالم غير الغربي منذ الربع الأخير للقرن العشرين،إلى وضع مقابل عند اليمين المسيحي بالغرب الأميركي،بالترافق مع تنظيرات صموئيل هنتنغتون حول (صراع الحضارات وتصادمها)،التي تعود لنظرية اشبنغلر حول الحضارات كدوائر مغلقة،التي لائمت(المسيحيين الجدد)أيديولوجياً فيمالائمت(المحافظين الجدد)سياسياً من دون أن يكون الأمر كذلك أيديولوجياً باعتبار أنهم يرون،مثل الليبراليين والماركسيين،أن العالم دائرة واحدة يمكن تحويلها إلى حضارة واحدة،ثقافياً وسياسياً،عبر(التقنية)و(الإقتصاد)،إما سلمياً أوبوسائل أخرى.
بالمجمل،كان الجو،خلال عقدين فاصلين عن خريف1989،متميزاً بصعود اليمين،فلسفياً وفكرياً وثقافياً وسياسياً وأيضاً في النظرة للإقتصاد،في كل أنحاء العالم،مع تراجع حاد لليسار الماركسي،ولكل أنواع اليسار الأخرى،من اشتراكية ديموقراطية،أويسار قومي،كما جرى للنزعات العروبية،أولنزعات يسارية قومية،مثل تلك التي كانت موجودة في(حزب المؤتمر الهندي)بعهدي نهرو وأنديرا غاندي ليأتي خلفائهما منذ عام 1991 بعد اغتيال راجيف غاندي ويركبوا موجة اللبرلة،بينما كانت الأصوليات الدينية الصاعدة عند الهندوس والمسلمين تحوي نظرات مشابهة لليبرالية في الإقتصاد،سواء كانت متعاونة مع الغرب الأميركي كما جرى في عهد(حزب بهاراتيا جاناتا)الهندوسي الذي حكم نيودلهي بالنصف الأول من العقد الأول من القرن الجديد أومصادمة له مثل تلك التي عند الإسلاميينماعدا أردوغان،الذي يعتبره الكماليون واليساريون الأتراك مغالياً في تعاونه مع الأميركان وفي ليبراليته،وهم-أي الأصوليون-يحوون نظرات تشابه اليمين المسيحي الجديد في نظرته للعالم أيضاً ك"دوائر ثقافية-حضارية مغلقة ومتصادمة".
الآن،مع وصول عهد بوش الإبن لخاتمته وهو الذي جمع بين ليو شتراوس وميلتون فريدمان كموجهين أيديولوجيين في الفكر والسياسة والإقتصاد،من الواضح أن(الليبرالية الجديدة)،بوصفها أيديولوجية الإدارة الأميركية الحالية،قد ارتطمت بالحائط في مجالي(السياسة)و(الإقتصاد)،عبر محطات(الشرق الأوسط)و(جورجيا)و(وول ستريت)،ماسيترجم حتماً في مجال (الأيديولوجيا)عبر هزات انعكاسية وارتدادية،بعد أن استطاعت واشنطن،عبر انتصاراتها السياسية-العسكرية-الإقتصادية منذ عهد ريغان على السوفييت وصولاً إلى المدِ الذي عاشه(القطب الواحد للعالم)بين عامي1990و2006في عملية"إعادة صياغة العالم"،أن تزعزع وتقلب الخارطة الأيديولوجية للعالم،التي كان يسودها طوال ثلاثة أرباع القرن الماضي أناس مثل كارل ماركس ولينين وإدوارد برنشتين وجون مينارد كينز.
كيف ستتشكل الملامح القادمة لخارطة العالم الأيديولوجية،على المديين القصير والمتوسط؟.............









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دروس الدور الأول للانتخابات التشريعية : ماكرون خسر الرهان


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات اقتحام قوات الاحتلال في مخيم ن




.. اضطراب التأخر عن المواعيد.. مرض يعاني منه من يتأخرون دوما


.. أخبار الصباح | هل -التعايش- بين الرئيس والحكومة سابقة في فرن




.. إعلام إسرائيلي: إعلان نهاية الحرب بصورتها الحالية خلال 10 أي