الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صحوة اليسار

خالد صبيح

2008 / 11 / 13
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


يوحي فوز باراك اوباما بانتخابات الرئاسة الأمريكية بحالة تحول سياسي واقتصادي، وبالضرورة فكري واجتماعي، كانت ترهص بهما الساحة السياسية والاقتصادية العالمية. وبروح تستلهم المجاز يمكن اعتبار شعار التغيير الذي رفعه في حملته الانتخابية، عدا كونه حاجة حقيقية يتوق المجتمع الأمريكي لتحقيقها، إيذانا تاريخيا رمزيا لهذا التحول. لكن لا يمكننا بنفس الوقت تحميل هذه اللحظة التاريخية وما حملته من معان أكثر مما تحتمله طبيعتها لاسيما على المستوى الأمريكي. ففوز رجل نصف أصوله افريقية في الرئاسة الأمريكية، رغم دلالاته النبيلة، لا يمكن اعتباره مدخلا لتحول بنبوي في هيكل المجتمع الأمريكي ومؤسساته السياسية والاجتماعية، لان آلية التغيير في البنية الأمريكية، وبسبب ما تحمله من تجذرات محافظة (بيورتانية دينية وترسبات عنصرية رسخت جذوعها في المورثات الأمريكية المتناسلة فطريا)، تكون في الغالب بطيئة ومتلكئة ويمكن تشبيهها بالنحت المضني في صخور صلدة.

قبل أن يرفع اوباما شعار التغيير كانت إرهاصات هذا التغيير تتحرك بفاعلية خفية في خلفية المشهد العالمي. فقد انتفضت روسيا لتستعيد جزء من عافيتها ومطامحها التقليدية كدولة عظمى على يد رجل الدولة والمخابرات فلاديمير بوتين، بعدما أضرت بها الممارسات الأمريكية المتغطرسة وغير المتحفظة بتضييق الخناق عليها وملاحقتها في عقر دارها( أزمة الدرع الصاروخي وتوسيع الناتو ليصل إلى حدودها القريبة وأخيرا تحريك أتباعها الصغار في ألازمة الجيورجية التي تحولت إلى القشة التي كادت أن تقصم ظهر البعير).

ومع انتعاش الدور الروسي وعودة شبح الأقطاب بامتداد يد روسيا إلى مناطق تنازع النفوذ في الشرق الأوسط والتي تلقفتها بعض الأنظمة ( كالنظامين الليبي والسوري) لتكسرا عزلتهما وتعاودا اللعب على التوازنات الدولية الذي اعتادت أن تعتاش على هامشه الأنظمة الدكتاتورية الفاشلة. قبل هذا التحرك كانت الصين قد قطعت أشواطا مهمة مستغلة انغمار القطب الأمريكي المنتشي بانتصاراته بمشاكله الناتجة عن مغامراته العسكرية لتقوي دورها الاقتصادي وتعزز بنية نظامها لتجعل منه نظاما منافسا للمراكز الدولية الكبيرة.

وبالتوازي مع هذا وفي نفس دائرة الإرهاصات هذه وقعت ألازمة المالية والاقتصادية الدولية والتي تتحمل أمريكا واقتصادها المسؤولية الأكبر في وقوعها، والتي ستتلقى بذات الوقت نتائجها الوخيمة باستعصاءات اقتصادية وسياسية سوف تقوض تطلعاتها للعب دور القوى المهيمنة، والذي بدت بعض ملامحه بغروب شمس أفكار هشة بنت عليها الإمبراطورية منطقها وعقلها وخطابها، كنهاية التاريخ وحرية السوق التي بنى اللبراليون الجدد مشاريعهما وخططهما على تاويلاتها وتسويغاتها. فـ (التاريخ عاد وزمن الأحلام قد ولى) حسب عنوان احد الكتب الصادرة حديثا في الولايات المتحدة الامركية.

هذه المؤشرات وغيرها أخذت تعلن وبرنين تبشيري مسموع عن ضرورة وإمكانية نهوض جديد لقوى اليسار في العالم بعد حالة الانكفاء التي عاشها هذا اليسار على خلفية غوغائية خطاب اللبرالية الجديدة والتيارات المحايثة التي افرزها على هامشه. كانبعاث بعض الحيوية للفكر اليميني والفاشي في بلدان أوربا، وتصاعد نبرة الأصولية الإسلامية في البلدان العربية والإسلامية. وكذلك نتيجة لخلل أو ارتباك في بنيته( اليسار) جعلته عاجزا طيلة فترة صعود اللبرالية الجديدة وضوضائها عن تقديم خطاب يناسب طبيعة المرحلة، ويكون أداة تحليلية لمواجهة الواقع الجديد، ومدخلا لإنعاش واستعادة دوره كقوى حاملة تاريخيا لمشاريع التحول الاجتماعي وفق القيم الإنسانية الرفيعة كالعدل والعقلانية وحقوق الإنسان.

لكن الصحوة المرتقبة لليسار ليست أمرا بديهيا ولا تحصيل حاصل كما قد يتبادر إلى الذهن. فهذه الصحوة والعودة للواجهة لأداء دور فعال في حياة الشعوب مشروطة باستعادة نقدية شاملة لكل الطروحات الفكرية والسياسية التي تبناها اليسار عبر تاريخه وشكلت عماد خطابه.
فلا يمكن لليسار أن يعود ليلعب دوره المفترض وهو محمل بإرث ثقيل من التنظير والممارسة الخاطئين. وينبغي والحال هذه أن يتسلح برؤية عصرية تتجاوز المفاهيم التقليدية والشعاراتية الفارغة ليكون الأكثر حماسة وجدية في محاولة الإجابة على الأسئلة التي يطرحها الفكر ومسيرة التاريخ في زمن العثرات.

ولا يبدو أن اليسار الأوربي لما يتمتع به من حيوية وقدرة على التجديد عاجزا عن أداء هذا الشرط للعودة لكن المعضلة ستكون في الجهة الأخرى من العالم حيث التبعية والتخبط والعشوائية في كل شيء. ومن المحتم أن تنبعث عندنا مع هذه الإطلالة الجديدة لليسار على المستوى العالمي بعض المعضلات التي منها أن قوى اليسار لدينا ملتبسة الهوية لحد الشبهة وضياع الملامح، للحد الذي اتيح فيه لقوى قومية ذات طابع شوفيني عنصري في تركيبها وتوجهاتها (كالبعثيين على سبيل المثال) أن تتلبس بثوب اليسار وتتمركس بطريقتها الكاريكاتورية الخاصة. فيسارنا بالتباسات الشعار القومي قد تشوه مرات عديدة فوق تشوهه الأول كيسار ماركسي لا يستطيع الفطام والانفلات من اسر التبعية الأيدلوجية والتنظيمية، عندما تجلى هذا التشوه في غياب خطاب خاص مبني على رؤية تستلهم الواقع وليس أوهامه.

و لا ندري كيف سيكون الخطاب الجديد وكيف سيكون حكم التاريخ على الكثير من اليساريين، أفرادا وجماعات سياسية، من الذين لهشاشتهم الفكرية قد خلعوا مبكرا وبطريقة غير عقلانية ثوب اليسار وتبرقعوا بثوب اللبرالية الواسع عليهم فتحولوا إلى كائنات هلامية التركيب فاقدة لأي شكل.

مهما يكن فان صحوة اليسار قادمة وأشباح ماركس ستعود لتطوف في طرقات العالم من جديد.

لكن هذه الصحوة المرتقبة، اصطلاحا ومعنى، يقصد بها الغافلون أو من أخذتهم سنة من النوم وهؤلاء لازالوا، رغم الغياب والغيبوبة احياءا، والحي يستطيع الفعل لكن هذه الصحوة الموعودة لا تصلح أبدا للذين تجاوزوا كثيرا حالة الغفوة ليقاربوا حالة الموت.

ولا عزاء للموتى!.













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف المحتجين يخرجون في مدينة مالمو السويدية ضد مشاركة إسرائ


.. اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية والمتظاهرين المطالبين بإسقاط




.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين يطالبون بإقالة الحكومة في تل أب


.. الشرطة الإسرائيلية تفرق احتجاجات في تل أبيب ضد الحكومة ونتني




.. آلاف المتظاهرين يخرجون في شوارع تل أبيب