الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحوار الفلسطيني وجدل بيزنطة

محمد أيوب

2008 / 11 / 13
القضية الفلسطينية


من حق الشعب الفلسطيني أن يتساءل عن أسباب الخلاف بين فتح وحماس والموانع التي تمنع الفريقين من الاتفاق والوصول إلى حل يحفظ ماء الوجه ويحافظ على مصلحة الشعب الفلسطيني، كما أن من حق أبسط مواطن فلسطيني أن يسأل: هل الوطن كعكة يمكن قسمتها على فريقين أو أكثر؟ وهل أصبح هم الفصيلين الكبيرين هو اقتسام الوزارات والسفارات والنوادي وغيرها من المؤسسات؟ وهل من أجل ذلك شاركت حماس في الانتخابات التي طالما رفضتها بل وعارضتها بشدة، مع أنني كنت مقتنعا بأن المشاركة في انتخابات 1996م كانت ستقلب المعادلة لو حصلت المعارضة الفلسطينية فيها على الأغلبية المطلقة (51%)، وأن إسرائيل كانت ستعيد النظر وقتها في اتفاق أوسلو، فلماذا امتنعت المعارضة عن المشاركة في ذلك لتبادر إلى المشاركة في عام 2006م ، وهل هناك من يرسم لنا الطريق الذي نسير فيه؟ نرفض اليوم ما قبلناه بالأمس، ونقبل اليوم ما نرفضه غدا، وكأننا مشدودون بخيوط مخفية لإرادة خفية تحركنا مثل عرائس الأراجوز دون أن يلاحظ النظارة تلك الخيوط؟
والسؤال الأهم : هل أعيتنا الحجج والوسائل لحل خلافاتنا المصطنعة فلم نجد أمامنا إلا طريق الدم والموت؟ وهل يستطيع قطاع غزة الاستمرار في الحياة دون وشائج القربى التي تربطه بمصر وبأخوة لنا في الضفة الغربية؟ وهل نملك من مقومات الحياة اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا ما يغنينا عن كل صلة بأهلنا وأمتنا العربية؟ وهل باتت الأنفاق الوسيلة الأجدى لكسر الحصار؟ وهل السفن التي تأتي من قبرص في تظاهرة يضحك الغرب بها على ذقوننا موهما إيانا بأنه ضد الحصار دون أن يفعل شيئا حقيقيا من أجل إحقاق الحق الفلسطيني أو حتى من أجل رفع الحصار إن كان هذا الغرب يؤمن بالديمقراطية حقا؟ وهل يمكن لهذه المراكب أن تحل مشكلة العاطلين عن العمل ومشكلة التجار الذين بارت تجارتهم ، والمزارعين الذين لا يستطيعون بيع محصولاتهم الزراعيية أو حتى زراعة أراضيهم المحاذية للشريط الحدودي؟ وهل الأسباب التي قدمتها حماس في آخر لحظة لتبرير رفضها المشاركة في الحوار بعد أن تفاءل الجميع في غزة بقرب الخروج من عنق زجاجة الانقسام القاتل؟
إن تجربة حماس تذكرني بتجربة كورت فالدهايم الأمين العام السابق للأمم المتحدة في النمسا حين خاض الانتخابات وفاز فيها فوزا ساحقا لتقوم الدنيا ولا تقعد بحجة أنه تعاون مع النازيين ضد اليهود، وقد هدد الغرب بفرض عقوبات ضد النمسا بسبب فوز فالدهايم، فما كان من فالدهايم إلا أن قدم استقالته مقدما مصلحة بلده وشعبه على مصلحته ومصلحة حزبه، علما بأن أحدا لم يحرك ساكنا حين اختير فالدهايم أمينا عاما للأمم المتحدة لأن الأمم المتحدة كانت وستظل خاضعة للهيمنة الأمريكية، فهل يمكننا استخلاص العبر من تجارب الآخرين ودراستها بجدية لنحفاظ على مصلحة الشعب والقضية؟ ماذا لو رفضت حماس تشكيل الحكومة العاشرة وطلبت من رئيس السلطة أن يكلف شخصا مستقلا بتشكيل الحكومة ليجلس ممثلوها في المجلس التشريعي يراقبون ويحاسبون، وليكون من حقهم المطالبة بالاطلاع على سير المفاوضات التي ستعرض على المجلس أو على الشعب في استفتاء عام لقبولها و رفضها، هل كان من الممكن أن تتعرض غزة للحصار بحجة أن حماس حركة إرهابية وأن العالم لن يتعامل مع حكومة تشكلها حماس، لو فكر قادة حماس بروية وخبث سياسيين لسحبوا البساط من تحت أقدام المعترضين على نتائج الانتخابات الديمقراطية ولأثبتت حماس أنها غير طامعة في تولي السلطة وغير راغبة في طرح نفسها بديلا لمنظمة التحرير، وإذا كانت المفاوضات من اختصاص منظمة التحرير فليكن لأننا في النهاية سنحتكم إلى الشعب.
إن الاستمرار في حالة الانقسام سيدمر قضيتنا وسيمتنع أخوتنا وأصدقاؤنا عن مساعدتنا ما لم نساعد أنفسنا، إن عدم المشاركة في الحوار يلحق الضرر بحماس وبالشعب الفلسطيني وخصوصا بأولئك القاطنين في قطاع غزة الذين يخنقهم الحصار ويقيد حركتهم، ومهما كانت المبررات والحجج التي تطرح فهي أوهى من أن تستطيع كبح رغبة الفلسطينيين في تجاوز هذه الأزمة الخانقة، إن الحديث عن شرعية الرئيس أو عدم شرعيته أو حضور الرئيس جلسة افتتاح الحوار أو حضوره لكل جلسات الحوار، وكذلك الحديث عن وجود معتقلين سياسيين من عدمه في الضفة الغربية من الأمور التي يمكن تجاوزها لو جلس الجميع إلى طاولة الحوار، لأن الاتفاق على حل مشكلة الانقسام كفيل بإنهاء كل المشاكل التي ترتبت على هذا الانقسام إذا كان المتحاورون يمتلكون النوايا الصادقة والإرادة القوية لإنهاء الانقسام دون الالتفات إلى المصالح الحزبية الضيقة.
إن الجدل الدائر حاليا بين أطراف الصراع في فلسطين يذكرنا جميعا بالجدل الذي دار ذات يوم في بيزنطة حيث ظل ممثلو بيزنطة يتجادلون إلى أن دخل عليهم العدو وهم في البرلمان، هاهي القدس تقضم تدريجيا، وها هم سكان القدس يطردون من بيوتهم ونحن ندعي أننا نتمسك بالقدس ونتجادل بل ونقتتل في الوقت نفسه تحت مظلة الاحتلال، أليس من العار علينا جميعا أن نقتتل على اقتسام الوطن قبل أن ننجز التحرير الكامل، لا يجوز أن يقتل الإخوة بعضهم بعضا لأية أسباب مهما بلغت وجاهتها.
وإذا كان اتفاق أوسلو لا يرضي الكثيرين فلماذا لم يناضلوا ضده من البداية؟ ولماذا تساوقوا مع ما ترتب عليه من واقع جديد، بل وتسابقوا على الانخراط في هذا الوقع؟ ولماذا شاركوا في الانتخابات التي أصبحت مصيدة لهم، إن خطيئة حماس هي أنها شاركت في الانتخابات دون إجراء حسابات دقيقة فتورطت في تحمل مسئولية اتفاق لم تشارك في صياغته، ووقعت بعد ذلك في شرك تشكيل الحكومة مما جعلها تحاول نفي تهمة الإرهاب عنها وكأنها تقر بأن المقاومة المشروعة أصبحت إرهابا، ومن أجل نفي هذه التهمة، تهمة الإرهاب، وافقت حماس على التهدئة مع إسرائيل دون أن تحصل على مقابل حقيقي يساعد في فك الحصار عن الشعب في غزة، إن التنازلات لا تؤدي إلا إلى مزيد من التنازلات، لأن الطرف الآخر لن يقبل من حماس أقل من أن تتجرد من آخر قطعة ترتديها لتقف عارية أمام العالم، فهل تقبل حركة حماس بأن تقف عارية متجردة من كل الشعارات التي رفعتها وناضلت من أجلها.
إن حركة فتح تمتلك رؤيا ترى أنها واقعية وتمتلك برنامجا سياسيا سواء أكنا نتفق مع هذه الرؤية أم نختلف، فقد قبلت فتح بدولة في حدود عام 1967م، بينما كانت حماس والمعارضة الفلسطينية ترفض ذلك وتصر على تحرير فلسطين من النهر إلى البحر ومن رفح إلى رأس الناقورة، وبقدرة قادر يعلن السيد إسماعيل هنية أن حركة حماس على استعداد للاعتراف بدولة إسرائيل في حدود 1967م ، ترى هل تمتلك حركة حماس رؤية واضحة لحل القضية الفلسطينية بدلا من التصريحات التي تطلق من هنا وهناك والتي تتناقض مع ما يجري على الأرض؟ قبل الإعلان عن فشل الحوار صرح السيد أحمد يوسف أن حماس تقبل بتمديد ولاية الرئيس فتفاءل الناس خيرا، وفجأة انهارت قصور الأحلام التى بناها الناس ليكتشفوا أنهم كانوا يعيشون وهما حين حلموا بقرب انتهاء الانقسام وعودة المياه إلى مجاريها حتى أن البعض استوزر وبدأ يعد العدة لتولي المناصب في حكومة التوافق الوطني انطلاقا من مبدأ الحصول على نصيب من الكعكة الموهومة، يريد الناس من حركة حماس برنامجا منطقيا للحل سواء أكان هذا الحل يستند إلى مبدأ المقاومة أو إلى أرضية تؤمن بحل النزاع عن طريق المفاوضات مع أخذ حالة الترهل والضعف العربي والاستقواء الأمريكي الإسرائيلي بالحسبان لأننا يجب ألا نكبِّر حجرنا أكثر من اللازم كما يقول المثل الفلسطيني، يجب أن نخرج من حالة الانقسام قبل أن نصحو من غفوتنا لنكتشف أننا خسرنا كل شيء ولم يعد لدينا ما نناضل من أجله أو ما نخسره.
ارجموا شعبنا وتذكروا قول الشاعر:
تأبى العصي إن اجتمعن تكسرا فإذا تفرقت تكسرت آحادا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحجاج يتوافدون على عرفات لأداء ركن الحج الأعظم


.. الحرب في أوكرانيا.. خطة زيلينسكي للسلام




.. مراسل الجزيرة مؤمن الشرافي يرصد آخر الأوضاع في مدينة رفح


.. كيف هي الأجواء من صعيد عرفات؟




.. مراسل الجزيرة يرصد أراء الحجاج من صعيد عرفات