الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رأيتُ البَلّور

يحيى علوان

2008 / 11 / 13
الادب والفن



صغيرتي إستوقفَتْ أُمّـها في الطريـق أمس ، جَسـَّتْ الـهواء بأنفـها الصغـير ، وصاحَتْ..ماما ! أَشُمُّ رائحةَ بابا..سيعود الآن .. أسرعي بنا إلى البيت..! أُمـها
كانت قـد قالت لـها ... بابا في سـفرةِ عَمَل ، كـي لا تَجفَلَ الصغـيرة مـن مفـرَدَةِ مـريـض ، لأنَّ الأخـيرةَ إرتَبَطَتْ لديها برُعافٍ أصابَ خـالـها الصغـير بمراكـش ، إذ واصـَلَ الصـيامَ رُغمَ مَـرَضِه ! ، فراحت ندى تُقرِنُ مُفرَدَةَ مريض بالرُعاف ..)


مَنْ عَلَّمَكِ السِحرَ ، يا ندى ، بدونِ بخورٍ
وخِرَزٍ ، أَو حَصىً ورمل ..؟
مَوكِبُ الغَجَرِ ما مَرَّ من هنا ، فالبلادُ على رَحيل !
أَتُراهم رَمَوا لكِ بسِحرِهم ، مَزموماً بصُرَّةٍ
من قماشٍ ، يَتَخَفَّفوا بها من الجمارِك ؟!!
* * *
مـتى أَعــود ؟
ستنتظرينَ بعضَ وقتٍ ، يا ندى ، فَضُمّي إليكِ الأرنَبَ والدُبَّ ، ونامي ...،
سيحملانِكِ على جناحٍ من اللهفَةِ ، إلى قصورِ الأميراتِ ، والفتياتِ الطيباتِ ،
تَسومَهُنَّ أزواجُ الآباءِ سـوءَ العذاب .., لابُدَّ أنَّكِ ستساعدينهنَّ ، كما كُنتِ تقولينَ ، عندما أقراُ القِصصَ والأساطير لكِ ....
نامي ، ندى ، نامي ! لنْ يأتيـكِ بابا عمّا قريب ! لأنـه مَرميٌّ فـي الشـريطِ العازلِ بين سـاحِلِ النسيان وتلالِ الذكرى ... إنـّه مـسافِرٌ إلـى حـدودِ مملَكَةِ البَلّور . هناكَ يسـمَعُ هَمـساً ، ويـرى أبخِـرَةً ... ، يُطِلُّ يسـارَ القلب ، فلا يـرى غيرَ بياضٍ بلّوري ،
تضيعُ فيه الأبعادُ والمسافات ...
أَهـوَ " العَــدَم "؟!
...............................
يَسمعُ خريرَ سائلٍ ، ... أَتُراها نافورةٌ مستَتِرَة ، وهـذا نشـيجُ مـاءٍ يُغنِّي لحـناً
في مَدحِ الصَمتْ ...!!
.............................
صندوقانِ كبيـرانِ جـوارَ الكتِفَيْنِ ، يلفُظانِ أرقاماً خضـراءَ ، ويتجشئانِ أَصواتـــاً
غريبةً ، ... أسـلاكٌ وأنابيبَ ، مثل أفـاعٍ نـحيفة ، تبـدأُ مـن الجانبيـن ، وتنتـهي
في جسدٍ لا يشعُرُ به ... يَحارُ فـي الإجابَةِ عن سؤالٍ يُباغِتُهُ " مَنْ يَحمِلُ عَنْكَ خَيالَكَ ؟ فأنتَ مُنهَكٌ ، لا تَقوَى على مَنْعِهِ مِنَ السقوطِ على صَلابَةِ الواقِعْ ؟! "... يُعَلِّقُ السؤالَ على رَفِّ المُؤَجّلات ،.. يَستديرُ فيرى كائنـاتٌ خَضـراءَ ، وأَخضَرَ حـتى الخِمـار ، لا يدري أَبـوكِ لمـاذا يتراكضـون ، يقرصـونه فـي الوجـه ويضربونَ خَـدّه بين حينٍ وحين ...، يصيحون ، لكنـه لا يفهمُ ما يجري ... يَوَدُّ لو يسألُ.. . ، ربما يكونُ سألَ ، لكنَّ لسانَه ثقيلٌ ، ثقيل ، مثلُ رصاص ...
يُغلِقُ عينيه كـي لا يرى " العالمَ الأخضَرَ " ومخلوقـاتِه ، يؤَمَّـلُ نفسـَهُ بسهوبٍ
وسـفوحٍ ، يَعدو فيـها خَلفَكِ ، يَفحـَطُ مـن الركضِ ، فلا يلحـَقُ بكِ . وأنتِ ، أَنتِ
تُكركرينَ ، كأنَّكِ ستفردينَ جناح المَرَحِ ، تطيرينَ مـعَ أسرابِ البـطِّ الـبرّيِّ ، صوبَ مَنبَتِ الدفء ...
لكنَّ رجـاءَهُ لـمْ يُثمِـرْ !
....................................
تَتَلاشى من حوله دائرةٌ دوّارةٌ من الوجوه . يُداهمه بوليـرو رافيـل ، خَفيضاً ،
مثـلَ حفيـفٍ ... يرتقي واثِقاً بعنـايةٍ ، صُـعوداً ، صُـعوداً ، بمظاهـرةٍ مـن الوترياتِ والنحاسيات والصنوج والطبول ... حتى يُهَيِّجَ البحـرَ ، لحنـاً يتواصَلُ صـداه ، حتى بعدَ الانتهاء ، ويتمَلَّكَ كـُلَّ حواسِّـه وأحاسيسه ....
يقولُ لنفسه ، وهـو يقفزُ من السرير ، دوشٌ بــاردٌ ، هو مـا أحتاجه الآن . مُمتلأً
بالبوليرو ، يقفُ تحـت الدوش ، يتـراءى له أنه يسـمعُ رنـينَ التلفـون .. تطيـرُ به
الفرحَةُ ، يقفِزُ مـن تحتِ الدوشِ حـافياً نحـو الصـالة ، يُجَـرْجِرُ خَلفَـه خَيطـاً مـن المــاء
يتَقَطَّر ، يكادُ يزلقُ به ويسقط .. وقبلَ أنْ يصِلَ إلى موقِعِ التلفون ، ينتبه إلى أنه تَرَكَ السمّاعةَ جانبَ الجهاز .
إذن ، لمْ يرن التلفون . أَتكـونُ حواسـُّه قد خدَعَته إلى هذا الحـد ؟! أَمْ أنَّ خُدعَـةَ الحـواس ، وبسبب من وحدتِهِ ، قد بَنَتْ حولَه عالماً موهوماً تماماً ؟!
قبْلَـها ، حاولَ الاتصالَ بصديقٍ لـه كان على موعدٍ مـعه وآخريـن اليـومَ ، ليذهبوا إلى مطعمٍ تعزِفُ فيه فـرقَةُ جـاز قَدِمَتْ إلى برلينَ من نيو أُورليانز.. ويَبُلُّـوا ريقـَهمْ بالبيرة الجيكية ... بيدَ أنَّ أحـداً من الأصدقـاء ، الذين فارقَهم متأخراً مساءَ الأمس ، لم يَرُدَّ على التلفون .
اتصَلَ بالمستشفيات ليسألَ عنـهمْ ، مـا مـن أحدٍ يرُد .. مـراكز الشـرطة ، صامتةٌ أيضاً .. اتصَـلَ بعـدةِ مكـاتبَ لشـركات التكسي ، ليطلُبَ واحـداً ، يدور به على ُ
بيوتهم ويتأكد من أمرٍ مجهولٍ ... لا أحَدَ يردُّ على الهاتف ... المـدينـةُ ، بشوارعها
، بساحاتها ومحلاتها تبدو قَفراً ، منقوعةً بسائلٍ أزرقَ يميلُ إلى السواد ! ما من ضوءٍ ،
إلاّ فـي شـقّته ، فـي الـدور الحادي عَشَرْ ! كـأنها فـي ليلـةِ " شامي غريبون "*.

فَتـحَ التلفزيون ... الشاشةُ مَلأى بنُثـارٍ ثلجـيٍّ ، مصحوبٍ بخرخَشـَةٍ .... الراديـو ،
هـو الآخـر أَخـرَس ....
إذن ، هو وحيدٌ في المدينة ، ويمكنه القولُ أَنَّ المدينةَ أصبحَتْ مِلكَهُ ! ... ولكـن
ماذا يفعَلُ بمدينـةٍ مُصـابَةٍ بجلطَةِ دمـاغٍ في الديموغرافيا والجغرافيا ، همُّها الوحيد اللعبُ على أعصابه المتوترة ... ، تكـاد بَوصلةُ الوقتِ تُجَنُّ في شوارعهـا وأزِقَّتِها ،
حتى لكأَنَّ موشورَها أُصيبَ بالعمى ... لقـد غَـدَت مدينةً تعيـشُ زمناً لا أَرضيَّاً ، خـارجَ معـاطـِفِ الأزمنة ...
من مكانه في الطابق الحادي عَشَرْ ، يُحاولُ ، خَلَلَ العتـمة ، أن يتبَيَّنَ خطـوطَ الترام ، التي لا تسـيرُ مستقيمةً كخطوطِ ثيرانِ الحرْث . إلتَمَعَ في خاطــره سؤال ، أَتكـونُ المدينـةُ كلُّها تشتركُ في مِزحَةٍ سـَمِجةٍ معه ، أطفَأوا الأنـوارَ ووقفوا يتَرَصّدونه خلفَ الستائرِ ؟ وإلـى متى تستمرّ هذه اللعبة ؟ لـمْ يَلبَثْ أَنْ أهمَـلَ السـؤالَ ،

فحديقةُ الحيوان ، في الشارع المقابل ، هي الأُخرى فَرِغَتْ .
أَتُـرى أَنَّ الحيـواناتِ غـادَرَتْ أقفاصَها ، أزواجـاً ، أزواجـاً ، لِتَلحَـقَ بسفينةِ نـوح ؟ وهـلْ أَنَّ طـوفـانـاً آخَـرَ على الأبـواب ؟

يُغمِضُ عينيه بقوّة ، فيتَصَوَّرْ أنَّ الناسَ والحيوانات عَقَدَتْ معاهدَةَ عــدمِ اعتداء ،
قبـلَ أَنْ يبـدؤوا الرحيـل ...
يُفَكِّرُ هـل حَلَّتْ القيامـةُ فـي هـذه المدينـةِ فقط ؟ و أَيُ ذنبٍ اقتَرَفتُ ، كي أُعاقَبُ بهـذه الوحشـَةِ القاتِلَــة ؟!

لا يحتـاجُ المرءُ كثيراً حتى يُجَنَّ في مدينةٍ مهجورةٍ ، سَكَنَتْها الأشباح في ظرفِ ليلـة ، وتَبَخَّرَتْ فيها كلُّ أشكالِ الحياة والعيشِ المشترَكِ ... وعندما تنعَدِم أمكانيةُ الحديثِ
مع أحَدٍ ، يغدو الجنونُ قريباً جداً ، يُمكِنُكَ أنْ تَمَسَّهُ باليد المجرَّدة ..!
.............................
.............................
يُعيدُ السماعةَ إلى مكانها ، فوقَ الهاتف ، ويَرجِعُ إلى الحمّام ، يُدَندِنُ بلحنِ بوليـرو عالياً ، دونَ خوفٍ أن يُزعِجَ أحَداً من الجيران ، فالكلُ قد رَحَلْ . وعندما يمرُّ بالمرآة ،
ينتبه إلـى أنَّ السـاعاتِ الماضية ، أضافَتْ إلى جبهته ومـا تحتَ العينين عدداً جديـداً من الغضونِ والتجاعيد . ورغـمَ بياضِ شعرِ رأسـه ، يتراءى له أنَّ شعره ازدادَ بياضاً. ثم لا يلبَثُ أنْ يكتَشِفَ في المرآةِ أمراً يُزيد من قَلَقِه وحيرته : فالمرآةُ تعكِـسُ قناني
الكولونيا والعطـور ، بشكلٍ مخطـوء.... ! أو على الأقل ، لا ينطبقُ مـع الواقِـع .
القناني ، التي على يميـن صحـنِ الزهور ، تبدو في المرآةِ على اليسار ، يُديرُ رأسه عدةِ مرّاتٍ بين المرآة والأصل .
يَهُـزُّ رأسـه حيرةً ، غيرَ مُصَدِّقٍ ، ويقولُ لنفسه : حَـذارِ مـن هـذه الـمرآة الكاذبة !
فحتى عيناه لا تَبدوان بنفـس الحجم فـي هذه المرآة اللعينة .. فاليسرى أصغرُ
ومرتفعةٌ عـن مستوى شقيقتها اليمنـى . وشـحمَةُ أُذنه اليمنى أطــولُ مـن
مثيلتها اليسرى . وعندما تَطَلـَّعَ إلـى صـورةِ جسمه كاملاً في المرآة ، لاحَظَ أَنَّ
خِصيتَه اليُمنى بعيدةٌ ، أسفَلُ اُختها اليسرى ......
كـلُّ ذلكَ وطَّـدَ اعتقادَه بأنَّ المرآةَ مغشوشة ! لكنه سُرعانَ ما فكـَّرَ ، لماذا يتَعَيَّنُ علَيَّ أن أُصَدِّقَ المـرآةَ ، في وقتٍ أعرِفُ تمامـاً موقـعَ قناني العطـور ، عكس ما تُظهِره المرآة !!
خَـرَجَ إلى الشُرفَةِ ، فإذا الليلُ إبتَلَعَ آخـرَ خيـوطِ الضوء ، ونَـزَلَتِ العتمـةُ بالصمتِ المُعَلَقِ في الهواء ، إلـى مستوىً مُنخَفِضٍ يكادُ يُلمَسُ باليد ، لكنه لا يراه ....!

طَلَعَتْ أَناه من عنده وقالتْ له : أَحْسِن الإنصاتَ ، فأنَّ مَنْ يُجيده يغدو مشروعَ راوٍ يُتقِنُ الحَكَـايا ...
قالَ : هذه مدينةٌ لا تَصلُحُ للحَكايا ... نحنُ جئنا من مُدُنٍ عتيقةٍ ، كنّـا نَحرِثُ النهارات بأزميل الشوق كي نحصِدَ الليلَ حَكايا . ونروحُ نَتَحَلَّقُ - بعدَ العشاء - حولَ موقِدِ النار ، ( المَنْقَلة أو المَجْمَرَة ) فَتَدورُ كؤوسُ الشاي وتتعالى أبخِرَةُ الحَرمَلْ ، وتَبلُغُ الفرحَةُ واحدةً من ذُراها عندما تَرفَعُ الجَدَّةُ الغطاءَ عن صحنٍ كبيرٍ ، لِما كانتْ تُسمّيه "فاكِهْة الشِتَه " ، هيَ تَمرٌ أَشرَسِيٌّ وجَوز ، بعدَها تَستَهِلُّ الحكايةَ بلازمَةٍ أَثيرةٍ عندَها : " يا سامعين الصوت ، صَلَوا عالنبي ..." فَنُصَلّي ونُكَبِّرَ بسرعةٍ ، نَستعجلُها لبدء الحكاية ، كي نَتوهَ في عوالمها ، دون أَنْ ننتبه إلى سُلطانِ النومِ حين يُداهِمُنا بغتةً . كنّا ، نحنُ الصغار ، نَنْحَشِرُ ببعضٍ طَلَباً لمزيدٍ من الدفء والشجاعة ، إذا ما إشتَدَّ توَتُّرُ الحكاية . فالحكايا كانت فِتنةَ المدينةِ وأزِقّتَها ، فِتنةٌ مُعَلَقة كفوانيسَ ماكِرِةٍ تُوهِمُ بالانطفاء ، كلما ازدادتْ شحوباً ، أَبًصَرَ ليلَ المدينةِ واتَسَعَتْ رؤيَتُه ، لرواةٍ سِهّيرينَ ، لا يمِلّـون أنْ يُلقُـوا في موقِدِ السهرَةِ ، مـا استطاعوا من حَطَبِ الحَكي .
لذلكَ فأنَّ برلين لا تَصلُحُ لهذا اللون ، لأنها خَلَعَتْ قِفطانَ الحَكيِ ، أودَعَته
متونَ التدوينِ ، وانصرَفَتْ إلى ألوانٍ أُخرى من السَهَر .....

* * *

فَتَحَ باباكِ عينيه مرةً أُخرى علَّه يرى وجهَكِ ولَوزَ عينيكِ ، بيدَ اَنّه سَقَطَ في
كمينهمْ ، قالوا سنعمَلُ فتحَتَينِ في الرقَبَةِ ، نَلِجُ خلالهما إلـى داخِلِكَ ....
... افعلوا ما شِئتُمْ ، فليـسَ لديَّ ما أخـافُ من كشفِهِ ، فَصَفحتِيْ بيضـاء ، وسريرتي نقيَّةٌ بيضاء ...، اتركوني أنامْ ، لألحَقَ بالحُلُمِ ....

* * *

انتهَتْ "الحفلة" ، وما تَرَسَّبَ منها سوى صريرٍ في الأُذنِ ....نَقَلوه إلى غرفـَةٍ
، ذات إنارَةٍ هادئة مريحةٍ ، تشبه أَكواريومْ سمك الزينة ... قالوا له مرحبــاً
بكَ مرةً أُخرى في هذه الدنيا ... فعلنا كلَّ ما نستطيع .. والباقي عليك ...
هَمُّوا بالخروج .. صـاحَ باباكِ ، يا نـدى ، قفـوا بالله عليكم ! لا أَفهمُ شـيئاً !
..... عليكَ أَنْ تَجِدَ حلاًّ للإضراب ...
..... أيَّ إضرابٍ ؟ وما علاقتي بالإضرابات ؟ أُريدُ أنْ أُواصِلَ حُلُمي ، كي أعودَ
إلى عائلتي ، فصغيرتي لا تُطيقُ انتظاري ....!
..كِليَتاكَ والمثانة في حالةِ إضرابٍ ،.... تَصَرَّفْ !
...........................
...........................
مثلَ ستارةِ مَسرَحٍ ، أسدَلَ الأجفانَ بِبُطء ، وسافَرَ إلـى موقِعِ " الإضراب ". جَلَس قبالةَ المُضربينَ مُستكيناً ، لا يَلوي على قولٍ .....
..........................
..........................
كَسولاً ، كَسولاً ، يَتَفَصّدُ الزمنُ ، أَطرَشَ لا يَستَجيبُ لاستغاثَةٍ بالتعجيل ... يَطِقُّ كحبّاتِ مسبَحَةٍ ..... على إحدى الكليتينِ ، سـَقَطَتْ دَمعَةٌ ، قبـلَ أَنْ يُمسِكَ بـها .. انتَفَضَتْ ، خَضـَّتْ رأسَـهَا ورَفَسَتْ جارَتَها ، استأنفَتا الرقصَ رويداً ، رويداً إحداهُنَّ غَمَزَته أَنْ " عُدْ إلى مكانِكْ !"slow motion
.........................
.........................
أَحَسَّ بكفٍ كبيرةٍ وثقيلةٍ ، حَطَّتْ على جَبهَتِهِ ، أَفاقَ ، أو رأى في المنامِ أَنـه أفاقَ ...
رأى كائناً خُرافياً في حجمه ، مُلَفَّعاً بالأخضر ، من الرأس حتى القَدَمِ ، وخِمارٍ أَخضَرَ يَتَهَدَّلُ عندَ الذقن ، يَكشِفُ عن ابتسامةٍ حيادية ، لا تَني بشيء ... إلى جواره ، تقِفُ امرأةٌ بسحنةٍ خُلاسيَّة ، صغيرةُ الحجمِ ، مُجَعّدَةُ الشعر ، تنظرُ حانيةً مِثلَ أُم ...

مَـرَّ باباكِ ، يا نـدى ، بكاميرته ، مُتَمَهِّلاً ، كي يستوعِبَ المشـهَدَ ويفهـمَ لُغزَ
حيرَتِهِ ........

ابتسَمَ المخلوقُ " الخرافي " ، حاملاً حُزمـَةَ أوراقٍ ... صَدَرَ صـوتٌ رقيقٌ ، غيرَ معلومِ المصدر :" نرجوكَ أَنْ تُوَقِّعَ هذه الأوراق ...."
..... " مَنْ أنتمْ ؟ أَينَ أَنا ؟ ولماذا أُوَقِّعُ ؟ "
..... " قُمنا بتدخُّلاتٍ على جسمِكَ ، يحظُرُ القانونُ القيامَ بها دونَ موافَقَـةٍ خَطيَّةٍ مُسبقَةٍ من صاحبِ الأمرِ ، أو أَحَدٍ من ذويه ... جاؤوا بِكَ إلى هنــا ، إلاّ أَنَّكَ لم
تكـن هنا ...! لذلكَ نرجوكَ توقيـعَ هذه الأوراق ، كي لا نتَعَرَّضَ إلـى مُساءلةٍ
قانونية .. خُلاصةُ الأمر ، انتَزَعناكَ من فمِ العفريت ، وجرجرناكَ لـهذه الدنيا..."

حينها ، أَحَسَّ بوَشوَشَةٍ ، تشبه تصفيقاً مكتوماً ، يَصِلُ من بعيــــــد .
بعدَ شيءٍ من التردُّدِ ، وَقَّعَ بابا ، كي يعودَ إليكِ خلالَ أسبوعٍ أو اثنينْ ...
............................
............................

أَشفَقُوا علَيكِ ، فأنقذوني ، لأَنَّكِ ما زِلتِ صغيرةً على اليُتمِ ، يا ندى !!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *تقليدٌ شيعيٌّ تُطفأُ فيه أنوارُ المدينة ، في الليلةِ التي تلي إستشهاد الحسين في واقعَةِ الطَفِّ ، تطوفُ فيه مواكِبَ ترتدي السواد وتحمِلُ شموعاً ، في محاولة لأستذكار محنةِ من بقيَ من عائلة الحسينِ وأتباعه ، حـينَ أُخِذوا سَـبَايا إلـى الشام ، في الغُربــة . ويبدو لي ، مما يتبَيَّن من التسمية ، وهي غير عربية ، أَنَّ التقليدَ المذكورَ ابتَدَعَهُ شيعةُ إيران ، فأَطلَقوا عليه هذه التَسمِيَة . ي.ع

برلين 24/ 10/2008








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخرجا فيلم -رفعت عينى للسما- المشارك في -كان- يكشفان كواليس


.. كلمة أخيرة - الزمالك كان في زنقة وربنا سترها مع جوميز.. النا




.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ


.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين




.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ