الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تداعيات عربية...الازمة ..والفرصة؟

بسام الهلسه

2008 / 11 / 13
الادارة و الاقتصاد


يروى أنه لما كان الطوفان والغمر العظيم، أراد "نوح" عليه السلام، أن يحدد موضعه وسبله في اللجة الهائجة، فأطلق غراباً وحمامة ليأتياه بنبأ. فأما الغراب فإنه غاب ولم يعد.. وأما الحمامة فقد رجعت وعلى قدميها آثار طين كإشارة لقرب اليابسة، وفي منقارها غصن زيتون دلالة الخصب والحياة.. فاستبشر بقرب الخلاص..{
* * *
* لن أسرد قائمة التداعيات المتوقعة عربياً للأزمة المالية والاقتصادية الأميركية، التي امتدت آثارها –كما هو مفهوم ومرئي- لمعظم مناطق ودول العالم خصوصاً تلك المرتبطة بالمال وبالاقتصاد الأميركي بهذا الشكل أو ذاك. فهذه التداعيات الجارية والمتوقعة صارت معروفة لدى أغلبية المتابعين، في ضوء تداولها المتلاحق من قبل الخبراء والمختصين والعاملين في المجال.
كما أنني لن أتناول التدابير الفورية الواجب اتخاذها، بعد ما باشرت الدول والبنوك وأسواق الأسهم والشركات –سواء على مستوى وطني خاص بكل دولة أو إقليمي أو قاري- الإجراءات الخاصة بها فعلاً لاستيعاب الأزمة والتعامل الآني معها.
ما سأركز عليه هو الدرس الواجب استخلاصه عربياً مما حدث ويحدث وسيتواصل حدوثه...
والدرس الأهم برأينا هو فهم الأزمة، ليس كما يروج لها دعاة السوق المتحررة من القيود -"الليبراليون"- بأنها مجرد حادث جانبي معزول في سير الرأسمالية ستتمكن من معالجته واجتيازه بنجاح، بل بوصفها ناتجاً عضوياً أصيلاً لبنية الرأسمالية الربوية سبق لعلماء الاقتصاد السياسي ملاحظة تجلياته منذ القرن التاسع عشر إبان صعود الرأسمالية وتحولها من مرحلة المنافسة الحرة إلى المرحلة الاحتكارية فالامبريالية، التي أدى صراعها الضاري للسيطرة على ثروات وأسواق العالم إلى اندلاع الحرب العامة الأولى، وإلى الإنهيار الاقتصادي الكبير في العام 1929م.
هذا الفهم يعني أن ما يحدث ليس نزلة برد عارضة يمكن احتمالها ومداواتها ثم استئناف الحياة المعتادة وكأن شيئاً لم يكن! بل هو داء عضال ملازم لتطور الرأسمالية، خصوصاً في مرحلتها الكونية: العولمة. وستعاود آلامه المبرحة الظهور مجدداً بأشكال متعددة.
وإذا كان يشكل بالنسبة لكبار الرأسماليين والأثرياء مجرد ضائقة مزعجة تقلص من نسبة أرباحهم، فإنه يشكل بالنسبة لمليارات البشر محنة كبرى ومسألة بقاء.. خصوصاً وإن الحلول المقترحة إنما تسعى إلى حل مشكلات الاحتكارات واساطينها، وليس إنقاذ عامة الناس البسطاء الذين تجري الحلول على حسابهم ومن حسابهم، بفرض المزيد من الضرائب والرسوم من جهة، وبرفع أسعار السلع والخدمات من جهة أخرى، وبقذفهم في لجة الحرمان والعوز والبطالة من جهة ثالثة.
* * *
هذا يستدعي –عربياً- فض التشابك التبعي القائم مع الاحتكارات الإمبريالية التي صار استجداء مجيئها إلى بلادنا العربية وبيعها الأصول والممتلكات العامة التي جرت خصخصتها بأبخس الأثمان، ومنحها التسهيلات الكبيرة، مطلباً قومياً يفاخر به الليبراليون الجدد العرب الأشاوس.. في وضع يذكر بعهود "الوصاية" و"الامتيازات" اللصوصية التي فرضت علينا في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، ودفعت أجيال الأمة ثمناً باهظاً للتحرر منها.
ونذكر بالمناسبة من نسي، بمعارك "السويس" و"تأميم النفط" كمحطات في نضال الأمة لاسترداد ثرواتها المنهوبة.
لكن فض التبعية الاقتصادية المذلة لا ينحصر فقط بالعلاقة مع رؤوس الأموال والشركات الاحتكارية الإمبريالية، فهو يشمل أيضاً التحرر من اتباع وصفات أذرعها المالية الدولية: "صندوق النقد الدولي" و"البنك الدولي" وهي وصفات تبين أنها "رائعة!" لأنها نجحت في إعطاء أغلبية شعوب البلدان التي اتبعتها "الوصفة العلاجية" -مع ما يصاحبها من إفقار وعوز وديون لا تنتهي من سدادها- فيما أعطت الشركات الإمبريالية والقلة المستفيدة التي تواطأت معها، الثروة والصحة والعمر المديد!
ثمة مستوى آخر للتبعية يتمثل في ما يسمى بـ"المساعدات" التي تقدمها الدول الإمبريالية –وخصوصاً الولايات المتحدة- لعدد من الحكومات العربية.. وهذه المساعدات –كما نعرف- "بريئة" ليس لها من هدف سوى شراء ولاء الحكومات وأجهزتها المختارة، وضمان تنفيذها لما يطلب منها في "بلادها" أو في الإقليم! فـ"الذي يأكل من طعام السلطان يضرب بسيفه" كما يقول المثل العربي!
إلى جانب هذه الأشكال الرئيسة المعروفة والمبحوثة جيداً، هناك الأموال العربية الطائلة التي اتخذت من المهاجر الأجنبية –خصوصاً الغربية- وطناً لها؛ بحثاً عن ملاذ آمن كما يدعي أصحابها. وهي دعوى كشفت تهافتها الخسائر الهائلة التي منيت بها هذه الأموال والاستثمارات، نتيجة للإجراءات التي اتخذت في الغرب بعد الحادي عشر من أيلول- سبتمبر، أو بعد الإعصار الأخير الذي لم يتوقف توالي تداعياته وخسائره بعد.. خصوصاً بالنسبة للذين رهنوا أنفسهم وربطوها –دولاً وشركات وأفراداً- بإله الرأسمالية المعبود: الدولار...
* * *
لنخرج من هذه الدوامة إلى شاطئ الأمان، علينا التقاط أنفاسنا وأنفسنا، وتبين الوضع الذي يكتنفنا والكف عن اللغو المخادع الذي يبسِّط الأمور ويهونها بتدابير تطمينية لتسكين حالة الفزع..
فعلاج النزيف الداخلي الحاد لا يتم بوضع ضمادات خارجية! بل يستدعي تدخلاً جراحياً عميقاً في البنية الاقتصادية العربية العليلة أصلاً..
تدخل يلحظ التشخيص السابق وينطلق منه في خطته ووصفته العلاجية.. وهي بالمناسبة خطة ووصفة سبق للأمم المتقدمة أن جربتها بنجاح خلال القرون الماضية، وسبق للاقتصاديين العرب المخلصين أن نادوا بها منذ عقود طويلة.
هذه الخطة العلاجية تنهض على أسس معروفة: بنية تحتية عربية متكاملة، سوق عربية مشتركة تيسر انتقال البشر والسلع والأموال والخدمات، تصنيع عربي شامل يستثمر الأموال العربية السائبة وتلك الموظفة فقط في قطاعات خدمية وترفيهية هامشية ويوقف استخدام الثروات العربية كمواد خام أو ذات تصنيع أولي بسيط، وتعليم عربي بمناهج قادرة على تلبية حاجات الأمة من الكوادر العلمية والتقنية المؤهلة.
ودرءاً لما قد يصفنا به البعض كـ"المثالية" أو"الهروب إلى الأمام"، نقول ان هذه الخطة لا تتطلب موافقة إجماعية عربية نعرف أنها غير متوفرة.. فبوسع كل قطر عربي أن يطبقها في نطاقه، وبوسع مجموعة من الدول أو المستثمرين أن تتعاون في إنجاز بنودها...
وإذا ما اقترنت الإرادة بالمصالح وبالوعي المستقبلي الذي يتجاوز وعي الكائنات الدنيا –التي تكتفي بما بين أيديها وفي حدود ما تراه عيونها- فمن المؤكد أن بوسع العرب أن يحققوا الكثير...
* * *
ووسط صراخ وعويل المذعورين من الأزمة الراهنة، ينبغي لنا إطلاق حمائمنا -فعل نوحٍ عليه السلام- لاستطلاع وجهة السير إلى بر الأمان، عبر تبيُّن الفرصة التاريخية التي تتيحها هذه الأزمة لنا، وللأمم التي عانت من عربدة ونهب الدول والاحتكارات والمؤسسات المهيمنة وخاصة أميركا...
وإذا ما عاينَّا هذه الأزمة مع الأزمات الأميركية الأخرى (ومعها أزمة ربيبتها إسرائيل) على المستويات والجبهات السياسية والعسكرية والأخلاقية، فسنرى أننا أمام فرصة مواتية محفزة للبحث والتفكير في سبل الخلاص النهائي، وليس فقط البقاء طافين على السطح دونما يقين من تجنب الغرق!
لكن هذا يتطلب قادة ونخباً -سياسية واقتصادية وفكرية ودعوية وإعلامية...- معنية بالأمة ومصيرها، ورأياً عاماً ضاغطاً في هذا الإتجاه..
وهو ما يجب العمل بدأب على تكوينه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - - كل يوم - يفتح ملف الدعم أيهما أفضل للمواطن العيني


.. النائب أيمن محسب: الدعم النقدي هو الأفضل للفقير والدولة والط




.. كل يوم -د. أحمد غنيم : الدعم النقدي لن يؤدي لمزيد من التضخم


.. د. أحمد غنيم لخالد أبو بكر: كلما تقدمت الدول كلما تحولت من ا




.. كل يوم - د. أحمد غنيم :الدولة تقدم الدعم النقدي لأصحاب المع