الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عمرو خالد ونموذج التراث

سامر خير احمد

2004 / 3 / 1
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


ربما لا يدرك السيد عمرو خالد انه بات اهم مثال حي على اضطراب وعي المسلمين والعرب الباحثين عن نهضة أمتهم من سباتها الذي دفعها ولا يزال للتخلف حضاريا عن امم الارض الاخرى، وخاصة الحية منها.
أبرز ملامح اضطراب الوعي هذا هو انه يترك الواقع الراهن الملموس بظروفه وتفاصيله، ليغوص في «التراث»، اي في تاريخ المسلمين، بحثا عن حل فيه ربما يمكن تطبيقه على واقعنا بحيث يمكن لنا النجاح في النهضة، وبكلمات اخرى فان هذا الوعي - ونتيجة اضطرابه - ينظر لتاريخ المسلمين الزاهي باعتباره «نموذجا يحتذى» دون الاخذ بالاعتبار الفروقات الموضوعية بين اي حالة حضارية سابقة والواقع القائم حاليا. أما القاعدة التي ينطلق منها اصحاب فكرة تمثل التراث، فهي على الاغلب مشتقة من قاعدة صلاحية الاسلام لكل زمان ومكان، وهي بالقطع قاعدة صحيحة ولا خلاف عليها، غير انها تختص بالاسلام لا بتاريخ المسلمين، وهنا يكمن الخلاف.
فكرة «النموذج المحتذى» المرتبكة ليست قصرا على التيار الذي يمثله عمرو خالد، ولا على من يسمون«الاسلاميين»، بل هي مشكلة الفكر والتفكير في عالمنا العربي منذ اصطدامه بأوروبا الحديثة منذ نحو مائتي سنة، فقد كان البعض يرى في اوروبا نموذجا يحتذى، ثم صار آخرون يرون في الحضارة الغربية وتراث المسلمين - معا - مثالا واحدا يمكن احتذاؤه على قاعدة «الاصالة والمعاصرة»!، اما الان فان البعض يرى في التراث وحده نموذجا يحتذى. ان احدا من هؤلاء كلهم لم يستطع ان يكسر قيد الحاجة الى نموذج، ولم يستطع ان يخرج من اطار النمذجة، الى رحابة الابداع واتيان الجديد المناسب لهذا العصر الجديد، رغم ان الابداع هو الذي تستوجبه قاعدة صلاحية الاسلام لكل زمان ومكان، لانها تعني امكانية اشتقاق ما يناسب كل مرحلة من الاسلام الاصلي، الذي هو الكتاب والسنة، دون الحاجة لتاريخ المسلمين وافكار رواده الراحلين منذ مئات السنين.
فكرة «نموذج يمكن احتذاؤه» بسيطة وسهلة، ولا تستلزم جهدا فكريا او «فلسفة»، ولهذا فهي تنجح حيثما وجدت مجتمعا سطحيا في تفكيره وضعيفا في ثقافته، وهذه حالة المجتمعات العربية التي يتعلم ابناؤها وشبابها ويحصلون على الشهادات الجامعية ولكنهم لا يتثقفون فضلا عن انهم لا يحسنون الابداع والتفكير المستقل، وعليه فانهم يظلون بحاجة الى «نموذج» يقلدونه. اما المجتمعات الناهضة والمستنيرة فهي ليست بحاجة الى نموذج، وهي تبهرنا منذ بضعة قرون باكتشافاتها واختراعاتها ونظرياتها المتجددة، فيما نحن - للأسف - قاصرون عن ابداع الجديد، وينحصر همنا في ماهية النموذج الذي يجب احتذاؤه لتحقيق النهضة.
وهكذا فان نجاح عمرو خالد يكمن في ملاءمة خطابه لسطحية التفكير عند جمهور واسع، دون ان يعني ذلك ان السيد خالد ضلع في مؤامرة، فهو كما يتضح لا يعي خطورة ما يقول على الوعي العربي وعلى امكانيات نهضة المسلمين، تماما كما ان جمهور المستمعين لمحاضراته لا يعي خطورة ما يسمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحزمة نارية عنيفة للاحتلال تستهدف شمال قطاع غزة


.. احتجاج أمام المقر البرلماني للاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ تض




.. عاجل| قوات الاحتلال تحاول التوغل بمخيم جباليا وتطلق النار بك


.. زيلينسكي يحذر من خطورة الوضع على جبهة القتال في منطقة خاركيف




.. لماذا يهدد صعود اليمين مستقبل أوروبا؟