الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أطياف ماركس وأشباه هتلر

إبراهيم الحسيني

2008 / 11 / 15
العولمة وتطورات العالم المعاصر


ـ 1 ـ
عمل المال طوال التاريخ على اضطهاد كافة الناس تقريباً بطريقة واحدة من طريقتين : إما كان وفيراً ولا يمكن الاعتماد عليه ، وإما جديرا بالاعتماد ولكنه شحيح جداً .
" جون جالبريث "
ضربت الأزمة المالية ـ أكتوبر 2008 ـ الرأسمالية العالمية ، في مراكزها ، الولايات المتحدة الأمريكية أوربا اليابان ، ضربة موجعة شديدة ، تكاد تعصف بالرأسمالية كنمط إنتاج سائد ومهيمن ومنظم للعلاقات بين البشر على الكرة الأرضية ، تهاوت بنوك كبيرة وأفلست شركات عملاقة وانهارت البورصات العالمية في مراكز النظام أعقبه انهيارات مدوية في أطرافه ، أسيا والخليج والشرق الأوسط ، بين عشية وضحاها صارت رموز المال والاقتصاد ليست على حافة جب بل في قاعه ، وضربت فوضى الرأسمالية أطنابها في كل بقاع الأرض ، ويخشى كاتب هذا المقال استدراجنا ـ نحن الاشتراكيين ـ إلى الكينزية وتعظيم رأسمالية الدولة ، لنساهم ، ولو بقدر ، في تجاوز الرأسمالية العالمية أزمتها الخانقة ، وعلينا تحديد موقفنا بدقة ووضوح ، ينسجم مع قناعتنا الاشتراكية بتلاشي الدولة ـ كجهاز قمع طبقي ـ تمهيدا لزوالها ، نقدم خطاب المقهورين والمستغلين والمهمشين لا خطاب الطبقات الوسطى ـ البيروقراطية والتكنوقراط ـ بمعنى أدق خطاب الطبقات الدنيا ، وقد تبين أن السوق الحرة وهوس الربح بلا كوابح يقود الرأسمالية إلى تعميق أزمتها البنيوية ، ولعلنا ـ هنا ـ نستعيد سؤالنا في مقال سبتمبر وجه من العولمة : ما مصير الإنسانية في ظل الرأسمالية ؟ ويسترد للتساؤل عن اتجاه التغيير الرئيسي قوته وبهائه ، في المراكز أم الأطراف ؟ في المتن أم الهامش ؟ وتستعيد نظرية التغيير في ومن المراكز صفائها وقوتها وشرعيتها ، فتداعي المراكز يقود تلقائيا إلى تداعي الأطراف ، لن نشمت أو نفرح ، لن نحزن أو نتأسى ، لنتأمل ونتدبر وندرس اللحظة الحرجة والمفصلية التي تمر بها البشرية ، بين التقدم إلى الاشتراكية أو البقاء في أسن الرأسمالية ، وما موقع الديمقراطية في هذه اللحظة ، انطلاقا من أن الديمقراطية والتعددية والتنوع وحق الاختلاف انجاز بشري ، نشأ ويتطور ، طوال القرن التاسع عشر والعشرين وما يزال ، في خضم نضالات القوى الاجتماعية المتباينة ، وليست هبة رأسمالية تقدمها للبشرية ، ولكن علينا أن نميز بين ديمقراطية برجوازية شكلانية تحد من حرية الإنسان ، وديمقراطية اجتماعية يجب أن توسع وتعمق وتطور حرية الإنسان ، فالاستبداد تحت أي لافتة ، إعادة إنتاج للتشوه وعدم الاتساق : الاستغلال التفاوت الاستلاب الاغتراب والتطور اللامتكافئ ، لنستفيد من تجربة الثورة الاشتراكية الأولى ، فالاستبداد كان كعب أخيل الذي هوى بالثورة الاشتراكية الأولى إلى حضيض الرأسمالية ، إن مأساة الاشتراكية هي البيروقراطية جرذ البشرية الذي يقرض حلمها بالحرية والعدل والمساواة " بالاشتراكية " الذي ينهب ويكنز فائض القيمة دون إعادة إنتاجه ، لهذا فالدعوة إلى تدخل الدولة في ضبط مسار الأزمة ، هو خروج عن آليات السوق والعرض والطلب ؟ أم خروج عن آليات الدولة ؟ أم دمج بين آليات السوق وآليات الدولة لتلطيف حدت الأزمة ؟ هل عودة إلى رأسمالية الدولة القابضة المهيمنة على مجمل النشاط الإنساني ؟ هل عودة لتطل البيروقراطية ـ قوارض عمل الإنسان ـ برأسها ، لتقدم نفسها طوق نجاة للرأسمالية كنمط إنتاج وأسلوب حياة ؟
إن البشرية تقف الآن وبحق ، في مفترق طرق : بين الاستمرار في مشروع النيو ليبرالية ( طريق اللي يروح ما يرجعش ) وبين مشروع رأسمالية الدولة ( طريق الندامة ) وبين أن تتقدم القوى الاشتراكية ـ وبالتحديد في مراكز الرأسمالية ـ بخطي برنامجية ترسم مستقبل للبشرية ينهض على الديمقراطية والاشتراكية " الحرية والعدل الاجتماعي والمساواة " ولكن يبدو أن دعاة النيو ليبرالية يتوارون خجلا هذه الأيام ، ويفسحون الطريق للكينزية ودعاة رأسمالية الدولة ، وكثير منهم يلتحقون برأسمالية الدولة ، ويدعون الدول إلى تقديم أموال دافعي الضرائب لدعم المؤسسات الرأسمالية المنهارة والتي على وشك الانهيار ، ومن هنا ـ في تقديري ـ سوف يتأجج الصراع في الفترة القادمة ، بين الاشتراكيين وسارقي شعارات الاشتراكية رأسماليو الدولة ، سوف تتمترس شرائح عديدة خلف رأسمالية الدولة ، وربما تنجب نازية أو فاشية جديدة ( هتلر أو موسوليني وربما ستالين آخر ) وحربا عالمية جديدة لا يعلم أحد أين يكون مسرحها .
جوهر الأزمة :
لقد خرجت الأموال عن مسارها الطبيعي باعتبارها رمزا تجريديا مكثفا للسلع ، وأصبح لها حياة مستقلة بعيدا عن الاقتصاد العيني ، تتكاثر وتتوالد واكتسبت خصائص السلعة ـ القيمة النفعية والتبادلية معا ـ وقفز النمو المالي بعيدا عن الثورة التكنولوجية والمعلوماتية ، طبع أوراق البنكنوت الدولارية التي حلت محل الذهب سبعينيات القرن العشرين وبطاقات الإتمان والسندات البنكية ومشتقات الاستثمار المالي والتوسع في الإقراض وتداول الديون ، وأصبح العالم كازينو للمقامرة والمضاربة ، والنقود لم تخرج بمفردها عن مسارها بل كان نهم الملكية ـ الذي لا يروي عطشا ـ وتوحش الأرباح والاكتناز وانتقال الرأسمالية إلى الإمبريالية ثم الإمبريالية العليا ، وذبول وتشوه المشروع الاشتراكي الذي سطت عليه البيروقراطية السوفيتية عوامل مشتركة مع عوامل أخرى ، لصعود النموذج الأمريكي بنمط إنتاجه الرأسمالي المعولم إلى مركز الوجود وجوهره ، فإذا كان رأس المال إله الرأسماليين ، صارت الإدارة الأمريكية ـ هذا العصر ـ نبي هذا الإله ورسوله إلى البشرية ، صارت المثل الأعلى ، وحلت محل الأنبياء في الفكر المثالي " الغيبي " ، وهذا المركز صار يتحكم في البني والأنساق والنظم في المراكز الأدنى ـ أوربا واليابان ـ والأطراف ـ العالم الثالث ـ يؤسس شرعية الطبقات العليا ، يمكنها من تحقيق وتثبيت وجودها ، إلى أن انفجرت الأزمة مصحوبة بانهيارات مدوية في مؤسسات المال الدولية ، امتدت إلى انكماش مزمن في الاقتصاد العيني قد يستغرق سنوات ، تزيل القداسة عن نمط الإنتاج الرأسمالي ، والكهانة عن المركز الأمريكي المهيمن ، تكشف نسبيته ومحدوديته ، تخلخل هيئاته وأركانه ، تثير الاضطراب والفوضى في أبنيته وأنساقه ، ويستعيد التساؤل قـوته عن مصـير الإنسانية في ظل الرأسمالية ؟
ويسعى قادة سياسيون ومفكرون برجوازيون وكتبة في أرجاء المعمورة إلى تثبيت ذاك النمط ، وهذا المركز ـ الذي يمنح ويمنع ـ إلى تجاوز الرأسمالية العالمية أزمتها باستدعاء كينز ، واستعارة التأميم وتدخل الدولة ككابح لحرية السوق انحرافا عن النيو ليبرالية ، التي طالما روجوها عبر أجهزتهم الثقافية والإعلامية ، باعتبارها نهاية التاريخ والانتصار الحاسم للرأسمالية ، وتغاضوا أو ترفعوا عن رؤية الأزمات التي كانت دورية ثم صارت أمراضا مزمنة ـ البطالة الركود التضخمي التناقض بين الاقتصاد الوهمي والاقتصاد العيني والتناقض الجوهري بين رأس المال وقوة العمل ـ لازمت نمط الإنتاج الرأسمالي تخللت مسامه وشرايينه .. سرطنته ، وتجاهلوا أزمة 1987 التي أفلتت منها بتخلي البيروقراطية السوفيتية عن رأسمالية الدولة والدولة القومية واندماجها في مشروع النيو ليبرالية الذي دشنته مارجريت تاتشر وتلقفه رونالد ريجان ، وبثت رأسمالية الدولة ـ البيروقراطية ـ تراكم الشعوب السوفيتية وحلفائها ، الدماء في أوردة الإمبريالية العليا ، وتربعت الإدارة الأمريكية منفردة عرش الكوكب ، هيئاته الاقتصادية ، مؤسساته السياسية ، أحلافه العسكرية ، حتي قيل : إذا عطست واشنطن أصيب العالم بالزكام .
وهاهي أمريكا لا تعطس فحسب بل يداهمها السرطان في الاستثمارات المالية والحمى في الاستثمارات العينية ، التي تشهد تباطؤ في النمو سوف يتكاثف ويتضاعف وسوف يصيب العالم بأزمة ركودية تلقي بملايين البشر خارج سوق العمل وستنحدر الأجور إلى مستويات منخفضة وستقلل دول ـ إن لم تنسحب ـ من الإنفاق على الخدمات الاجتماعية كالتعليم والصحة ، وقد تنخفض إعانات البطالة وربما يجد أصحاب المعاشات أنفسهم في العراء الاجتماعي فقد ذهبت مدخراتهم أدراج الرياح مع البنوك و شركات التأمين التي هوت ، وسوف تتفاقم المجاعات والأوبئة وحروب الخبز والمياه ولمزيد من التفاصيل يمكن مراجعة جون شتاينبك وعناقيد الغضب .
الاستبداد ورأس المال :
شهد القرن العشرون نظما شمولية استبدادية ، ألمانيا النازية .. إيطاليا الفاشية .. إمبراطورية الدولة السوفيتية ، وقد تمكنت هذه الاتجاهات من السلطة في بلادها عقب أزمات رأسمالية ركودية دورية ، تبع كل أزمة حربا عالمية كبرى ، الأولى جاءت بالاشتراكيين الأمميين في الاتحاد السوفيتي ، وهبت ثورات اشتراكية في ألمانيا والمجر ، هزمت وأعدم قادتها ولوحقت وكوادرها ، وسطت البيروقراطية السوفيتية على الثورة الاشتراكية الأممية الأولى في العالم ، وجرى تصفية قادة الثورة بالنفي والاغتيال وإعدامات المحاكمات غير العادلة ، وتمكنت رأسمالية الدولة من الملكية في الإتحاد السوفيتي ، تنهب فائض القيمة وتكنزه ، تنهج نهج الاشتراكية الوطنية " الاشتراكية في بلد واحد " ، تستبد بالحزب والطبقة والأمة .
" ذات مرة التقيت في المعرض الصناعي بالقاهرة بمواطن سوفيتي ، والبيرويسترويكا في ذراها ، سألته رأيه في البيروسترويكا ، قال : قبل البيروستريكا كنا نأكل ولا نتكلم .. وفي البيروسترويكا نتكلم ولا نأكل ، ثم قهقه ومضى "
وعقب أزمة الثلاثينات الكبرى ، صعد إلى السلطة هتلر و موسوليني ، تحت شعارات الاشتراكية الوطنية ـ رأسمالية الدولة ـ ودفعت البشرية أرواح ملايين البشر في الحرب العالمية الثانية .
وفي كلا التجربتين كان الاستبداد ورأسمالية الدولة والاشتراكية الوطنية ، وفي أزمة 1987 قدمت البيروقراطية السوفيتية الاتحاد السوفيتي ـ ذات نفسه ـ فداء للرأسمالية العالمية ، ويمكن ملاحظة نفس التكوينة السياسية والاقتصادية ، الاستبداد رأسمالية الدولة الاشتراكية الوطنية ، في كثير من حركات التحرر الوطني ستينات القرن العشرين ، التي صاحبتها اعتقالات تصفية جسدية تجويع تشريد وتصفية سياسية ، في ظل ملكية الدولة لقوى ووسائل الإنتاج هل للإنسان ـ عامل أو غير عامل ـ أي مساحه للاختيار .. للمبادرة .. للمخاطرة .. للتمرد .. للخروج عن السائد والمألوف ، إما هنا أو تموت جوعا ، إما ذاك أو تموت جوعا ، وهي خصائص أعتقد : لا تمت بصلة للاشتراكية بل تمت بوشائج عميقة لما قبل الاشتراكية ، لاستغلال قوة العمل .. لنهب ثروات الشعوب .. لقمع النشطاء السياسيين .. للرأسمالية التي تتخفى وراء بيروقراطيتها ، ورأسمالية الدولة حـل قهري لتجاوز الرأسمالية للأزمات الاقتصادية التي تنتابها من حين إلى أخر ، يصاحبه دائما استبداد سياسي وتضييق على الحريات وبطش وعنف ، الدولة هي التي تملك أدواته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استمرار البحث عن مروحية كانت تقل الرئيس الإيراني ووزير الخار


.. لقطات تحولت ا?لى ترندات مع بدر صالح ????




.. التلفزيون الرسمي الإيراني يعلن هبوط مروحية كانت تقل الرئيس ا


.. غانتس لنتنياهو: إذا اخترت المصلحة الشخصية في الحرب فسنستقيل




.. شاهد| فرق الإنقاذ تبحث عن طائرة الرئيس الإيراني