الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موقعنا في لعبة طوريرو الأمريكية

أحمد الخمسي

2008 / 11 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


هارييت بيتشر ستو، أول من صاغ سريالية مطالب الأمريكيين الأفارقة في الولايات المتحدة. لم تحك هارييت عن العم سام الأبيض، بل حكت عن العم طوم الأسود. ولو أنها من أصل أوربي أبيض. لابد أن يكون قوس قزح من سحبها الخيالية قد امتد خلال النوم كما اليقظة، خيوطا مضيئة في مخيلة مارتن لوثر كنغ وأنجيللا ديفيس ومحمد علي كلاي وجيسي جاكسون وكل رموز السود الأمريكان. إنها تلك المرأة المناضلة بالكتابة والتي جعلت الحرف مفاعلا تعبويا، وصلت طاقة اشتعاله إلى مجمع العنصرية وفلول العبودية في ولايات الجنوب، من الولايات المتحدة الأمريكية.
إن الطابع الديني المحافظ الذي يؤخذ اليوم على المحافظين الجدد كصقور أشعلوا الحرب ضد المناطق الإسلامية، كان له دور مخالف، أي دور إيجابي، فقد كانت هارييت سليلة رهبان بروتستان، من جهة الأبوة والأخوة..وكان الرهبان الأمريكان في اتجاههم العام من أنصار إلغاء الرقيق في الولايات المتحدة الأمريكية. فقد لعبت الثقافة والإبداع الروائي الدور الملحمي فعلا وبكيفية استثنائية، عندما، تمكنت هرييت من إشعال فتيل الحماس العاطفي وتحويله إلى تعبئة سياسية ضد العبودية التي بقيت علامة عار وخزي على جبين الثورة الأمريكية ما يوازي ثلاثة أجيال بعد ثورة الاستقلال.
أما شعلة الثورة فكانت تتغذى من جمرات تحت رماد العبودية. كانت حركة مناهضة العبودية تلتمس الاشتعال من التنوير الفعلي الذي يسري ما بين المطابع ومكتبات تجارة الحرف. وكان أبطال الكوبوي يعربدون عبر حملات وحشية لتحطيم المطابع، ما دامت الثورة الأمريكية مستندة على ركن حرية التعبير من أركان شرعيتها السياسية والتاريخية.
كما كانت حركات الاحتجاج ضد العبودية تجري عبر حركة المعنيين أنفسهم. إذ كانت حركة "الحريك" من الجنوب الاستعبادي إلى الشمال المتنور التحريري في نيو أنكلند (انجلترا الجديد). فكان العبيد يهربون من سلاسل عبوديتهم في مزارع الجنوب إلى آفاق الحرية في الشمال.
وضمن المجمعات الدينية البروتستانتية الكلفينية التطهرية كانت النساء كما الرجال، تعاين ألوان الحراك الاجتماعي وتحولها إلى رمادية كئيبة في عمق نفسيتها، فتدلك تربة العبودية ممزوجة ببلاغة الكتابة، لتحيلها خزفا منحوتا بقوام الحرية، في أذهان الأمريكيين. ذاك كان الدور التاريخي للكاتبة هارييت بيتشر ستو عبر روايتها حول العم طوم والقضية الزنجية.
لا يخفى على أنصار الحرية والمساواة والعدالة في كل مكان، العطب الذي أصاب الثورات من كل الأنواع، بحيث استمر الاستعباد على ما هو عليه. بعد انتصار الثوار وإقامة مؤسسات النظام الجديد في أمريكا (1776) وفرنسا (1789)، أجيال تالية، إلى حين تجدد الثورة الفرنسية مع الجمهورية الثانية (1848) والتضحية بأرواح أكثر من ستمئة ألف أمريكي في الحرب الأهلية الأمريكية (1861ـ 1865). وبالرغم من تطبيل الرئيس ووندرو ويلسون بداية القرن العشرين بمبادئ الحرية للشعوب على صعيد الكرة الأرضية، بقي المواطنون الأمريكيون أنفسهم في حالة "بدون"، فريدة من نوعها." بدون" حقوق مدنية. بل خاضعين لجدران العنصرية يتساوون في المنع مع الكلاب، من دخول بعض المطاعم والملاعب والمسابح، وهلم "حكرة"! فقد انتبه الاقتصادي الانجليزي الشهير جون مينار كينز، عندما كتب مباشرة بعد اتفاقيات فيرساي انتقادا للرئيس الأمريكي الشهير المذكور، واصفا إياه بنعوت التبعية للمفاوضين الأنجليز والفرنسيين لإخضاع الشعب الألماني بلا منطق ولا بعد نظر...
علما أن المستعمرات الانجليزية في القارة الجديدة كانت توازي مثل أثينا ما بين التطور الديمغرافي والاقتصادي وبين مساطر التمثيلية السياسية للملاك، أي بحد المواطنة لهم وحدهم، على خلفية الشرعية للاسترقاق. بينما اتبعت المستعمرات الفرنسية والاسبانية الأوتوقراطية الإسبارطية على نفس الأرضية الاسترقاقية.
النظر بميزان التطور التاريخي للولايات المتحدة الأمريكية، ينزع غشاء الرومنسية عن العين وهي تتملى بطلعة باراك حسين أوباما فوق كرسي البيت الأبيض. نعم، للولايات المتحدة قدرة على وضع الرأي العام العالمي في لحظات انبهار أمام سبقها المتعدد اللوحات. لكن اللوحة الوحة المفردة ليست الملحمة الإبداعية. فالولايات المتحدة نفسها شهدت اغتيال أشهر رؤسائها. فسواء أبراهام لنكولن الذي ترأس الحرب الأهلية ضد الجنوب للحفاظ على الوحدة ضد الانفصال، أو جون كينيدي الذي شهد عودة النضال من أجل الحقوق المدنية، كلاهما اغتيل.
ألا يعي أوباما كون العقل السياسي الأمريكي والماكينة العسكرية الأمريكية والحقل الاقتصادي الأمريكي، أكبر من أن تقف عند قضية السود كلحظة رومنسية في الانتخابات، كما لوكانت مجرد استراحة محارب، ليعود الوحش الأمريكي إلى خطواته العملاقة، إما مزهوا بعضلاته وقدرة عقله على تدجين المستقبل البشري، وإما هائجا في لجة ردود الفعل ضد العمالقة الآتين من آسيا، أولهم العملاق الصيني الذي تفضل في الأسبوع الماضي بضخ جزء من رصيده المالي لتتنفس البورصات في طوكيو وباريس ولندن؟؟؟
إن العقل العربي مثل ثور اللعبة الإسبانية، يتجه صوب المنديل الأحمر دون انتباه نحو السيف في يد صاحب المنديل! والمنطقة العربية بمختلف مكوناتها الإثنية، تنتظر تغيير السياسة الأمريكية. بينما انتبه رئيس البرلمان الأيراني، لاريجاني، مباشرة بعد الندوة الصحفية الأولى لأوباما، ليميز بين المنديل الأحمر وبين السيف في يد طوريرو.
إن دموع القسيس جيسي جاكسون الأسود، وحدها تلخص المعاناة التي امتدت في حياة الأفارقة الأمريكيين منذ الاستقلال إلى اليوم. لكن دموع الشخصية الأمريكية السوداء كأنها دموع الضمير الأسود الأمريكي الذي يرى حقيقة سيف طوريرو المستمر. بدل الانسياق مع النزول بالمظلة فوق البيت الأبيض عبر ممر ثانوي. لقد كان رد جيسي جاكسون يوم تم حسم ترشيح أوباما للمنافسة نحو الترشيح باسم الديمقراطيين بما يعني: إن أوباما لا علاقة له بحركة السود التحررية، لكنه يستحق المساندة النقدية.
وما بين موقف داخلي من صميم الاعتدال في حركة السود، المتحفظ من أوباما، وبين الموقف الإيراني المنتبه للسياسة الأمريكية في ما بين عمقها وأفقها، يمكن قراءة الروتوش النسبي الذي يمكن لأوباما إحداثه كتكتيك جزئي ضمن جيوستراتيجيا شاملة للسياسة الأمريكية.
فكما علق أحد اللبنانيين عن هشاشة موقع كوندوليسا رايس في الإدارة الأمريكية الجمهورية، كونها مجرد تكنوقراط معينة وليست منتخبة. فأوباما المنتخب نفسه مجرد مهاجر ما زالت عائلته الممتدة حية في بلد أفريقي، بدل الجروح الملتصقة بمعاناة السود في صلب البناء النفسي والاجتماعي الأنغلوسكسوني الذي ينتج ساسة من طراز بوش الإبن ومفكرين عنصريين ضد اللاتين والمكسيكيين مثل السموأل هتنغتون. ما بالك بحل المشكل الحقيقي للسود في أمريكا "البيضاء"، أما استعادة التوازن للسياسة الأمريكية في الخارج، فالشرق الأوسط وشمال افريقيا، ليسا سوى ممر ضيق، يستحق الإشارة نحوه بمنديل أحمر في يد طوريرو.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-