الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انثى في قفص للقاصة السورية لبنى ياسين وارتباطها بالموروث

حسين الهلالي

2008 / 11 / 15
الادب والفن


القصة
يحكى أنني في زمان ما طرت عارية إلا من حقيقتي في مملكة السماء
وتسابقت أنا والبنفسج نحو الشمس... ولم نحترق.
.
ويحكى أنني سقطت في أنهار الهوى... فتمردت روحي وحاولت أن أطفو فغسلتني دموع الألم وبان بريق طهري... فكانت الشمس
.
وقالوا إنني تبعت هواي... فانهارت الأكوان من حولي... وتسابقت السيوف على لحمي تقطعه... وانهال سواد عيني دموعا من غضب... فكان الظلام.
.

ويحكى أنه منذ ذلك الحين... قـــصَ جناحي... ولم أعد أطير... ولم أعد أرتدي حقيقتي... وبانت سوءتي... فارتدتني كل أوجاع الأسر.
.
ويحكى أنني في زمن آخر... زمن شهريار... سُـجنت في قفص من ذهب... وارتديت ثوبا لا يشبهني فصرت عارية.. وتغطت حقيقتي بأسمال ليست لي.
.
وقالوا أنني عندما جاء دوري لأمثل دور سندريلا... لبست حذائي بإحكام... وحرصت على ألاّ أفقـده... وهكذا... لم يبحث عني أحد... أي أحــد
(انثى في قفص وارتباطها بالموروث )
حسين الهلالي
ةطل علينا القاصة لبنى ياسين بقصتها هذه من المجموعة الثانية بنفس العنوان ( انثى في قفص ) وقد تعاملت مع نصها هذا بحكمة
وروية ودراية، وامسكت الموروث وتفاعلت معه بأ حكام وزاوجته مع عالم قصتها بتكويناتهاالحديثة ومساراتها المتعدده
كيف استخدمت لبنى ذلك؟ وكيف اعطتنا شيئاً جميلاً ذو نكهة تجتذبك وتشدك اليها؟
واذا ما رجعنا الى عالم قصتها ( انثى في قفص)نجدها قد ذهبت الى كلمة (يحكى انني ) يحكى للراوية وانني لها ، هذا الربط بحبل الصياغة الأدبية المجدول جيدا ، حيث استخدمت لغة الراوي وزاوجتها مع لغتها (انني ) واخرجت ذلك من تحت ردائها لابل من احاسيسها وافكارها ، اذن هي الرواية وقصتها المروية وهي المروي عنها وهي الشاهدة، وهي المستمعة لأفواه الأخرين تروي قصتها بصوت الراوي وهي تسمعها مع الجميبع هذا الصوت الذي يتلو مروية عن فتاة مرت بهذه المآسي والأحداث ، وكان التكنيك الحديث والأبداع لهذه المروية هو اسلوبها الأمثل في تنقلها بين مفاصل القصة
(يحكى انني في زمان ما طرت عارية الا من حقيقتي في مملكة السماء وتسابقت انا والبنفسج نحو الشمس ولم نحترق )هو الحلم في اجواء الف ليلة وليلة استحضرتها باسطورتها وحكاياتها عن النسر الطيار وعن العنقاء وعن الجواري والغلمان ، انه الموروث الثر الذي توارثته الأجيال والى وقت قريب عن طريق الحكواتي في الحتوتة وفي الحكاية المطولة ، والراوية العارف بزوايا حكايته وتأثيرها ووقعها على جمهوره الذي يستمع اليه بشغف وبتلقي شديد وبأتدماج واعي ،واحيانا يشترك الجمهور معه في هذه المرويات بحذق لكثرة تكرارها عليه ومنهم من حفظها على ظهر قلب ،ولوانهم يحملون سمات العصر الذي يعيشون فيه ، لكن شخصيات هذه المرويات تبقى عائشة في آذهانهم وفي وجدانهم ويتقمصون روح الشخصيات التي تؤدي ادوار الخير وتجلب الخير والخبز اللفقراء وترتفع لغة الراوي ( يحكى ) انك تمردت وسقطت في انهار الهوى ن ولكنك تداركت نفسك واستذكرت قيمك كأمراة ولملمتي تشظي روحك والجمتيها بلجام قوي، وكانت الدموع (صرخة الندم ) و لاتوجد غير دموعك ان تغسلك وتطهرك ، فهي اعلا قيمة في الندم ، واوجع وخزة للضمير لكي توقظه من غفلته وتغير مساره الى مسار صحيح ، فكان طهرك وبانت شمس الحقيقة ، هواك الذي اتبعتيه حرمك من عالمك الخاص وقيد حريتك ، فانت سجنت في عالم متحجر بليد مغلق على نفسه ، يدور في دوامة من التقاليد البالية فكيف تتمرد فيه (عورة ) وتتداعى اركانه ، لذلك سلت السيوف لتقطيع لحمك ارباً ارباً ، لتكونين الشاهدة على عصرهم المنغلق التعيس ولكن ماذا يفيد بقاؤك وماذا تعمل لك الدموع ، انها فقط لتخفيف المك ، لكنك حبستي في ظلامهم واصبحت تعدين مثل آنية الطبخ السوداء ، هو قفصك الذي اختاروه لك فلا جناح ولاطيران ، وعشت احزانك وآلامك في هذا الحجزالذي غيرك والبسوك سرابيل غريبة غير سرابيلك فصرت غير انت ، وهنا وجع المعاناة والأستلاب وغربة الرورح ، وتأخذيننا في قصتك الى عصر الموروث الذي امتد قبلنا بألف عام تقريبا وتستحضرين اجواء الف ليلة وليلة وليالي شهرزاد وشهريار الملك والحكايات الجميلة مرة ثانية ، وبقيت تنتميني الى عصرك واردت ان تجربي وتقمصتي شخصية احدى الجواري الجميلات وارتديت ملابس غير ملابسك ، وشعرت انها لاتسترك وبقيت عارية الا من حقيقتك التي ارادوا ان يغيروها ، وهذا الربط الذي ربطت به عصرك بذلك العصر هو استخدام حاذق وجميل للموروث ، وذلك بأدخالك هذا المشهد من الماضي ضمن قصتك وجعلتيه مشهداً استذكاريا ،المرأة فيه ليست على حقيقتها ولاتمثل عواطفها ولا احساسيها بل هي جارية اليوم ولوعاشت في قصر من ذهب ، تغني وترقص الى الملك ، وغدا عند شاهبندر آخر او تاجر جواري ،اما هي فأين تجد روحها وحقيقتهاهذا التأكيد على هذا الجانب الثر الذي مررت به قصتك الجميلة ، وعند الرجوع الى عصرك والبحث عن حقيقتك التي وجدتيها في سندرلا، بهذا حاولت ان لاتفقد شيئا من عصرك وان تستردي وعيك الكامل وذاتك وحقيقتك هي ، لذا لبست كل شيء بوعي واحكام فهو لباسك الذي تحرصين عليه وهو حقيقتك ( لبست حذائي بأحكام وحرصت على الا افقده) ودخلت عصرك، عصرك الحقيقي الذي تمارسين فيه كل طقوسك بحرية حقيقية ومثلك الأخريات وآلآخرين لذلك هم لم يجد فيك شيئاً غريباً لهذا لم يبحثوا عنك
هذا التكنيك العالي في مسار القصة اوصلها الى قمة الحداثة في استخدام الموروث بشكل مدروس لايخدش الأسماع ولم يكن مقحما ولافجاً ، بل انسيابياً عذباً اعطى القصة بعداً وعالماً متحرك في ثراء عالم القصة الحديثة انه فضاء واسع للولوج فيه والخروج منه بحصيلة كبيرة طرزته اللغة الرصينة وموسيقاها الغنائية الشفافة التي تترك لدى القاريءحلاوة وطراوة ورقة في المنطق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حول العالم | لوحات فنية رسمتها جبال الأرز في فيتنام


.. سكرين شوت | صناعة الموسيقى لا تتطلب آلات فقط بل أيضاً إحساس.




.. أول ظهور لفنان العرب محمد عبده بعد إعلان إصابته بالسرطان


.. «جمع ماشية ورحيم ومرادف البؤس».. أسئلة أثارت جدلًا في امتحان




.. تششيع جنازة والدة الفنان كريم عبد العزيز