الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرثيّة إلى رجل طيب

نبيل الجندي

2008 / 11 / 17
الادب والفن



مات ...
أخبرني تحجّر الدّمع في المقلتين، وتعثّر الكلمات، وخفقان القلب بأنّي أحبّه أكثر مما تخيلت.
مرّ بذاكرتي.. كالحلم، وكأن الحياة ليست سوى ممر يفضي إلى مهرجان التراب.
مرّ بذاكرتي .. يثير فيها تساؤلات عن قيمة الحياة، ولون الوجع، وأبعاد الحزن، وأشكال الفجيعة، وملح الدموع، وأبعاد الافتقاد.
مرّ بذاكرتي، ليحتلها بسؤال كبير: لماذا أحببته كلّ هذا الحب؟!
أترك لارتباكي وحيرتي وهلوساتي وجنوني شرف الإجابة على سؤال المحبة الكبير..
أحببت فيه نقاء قلبه وطيبته..
أحببت فيه عفوية لسانه، وبساطة أحلامه..
أحببت فيه كدح الفقراء الوادعين الطيبين القانتين المؤمنين..
أحببت فيه، كلّ ما فيه من تقوى وزهد وبراءة ورجولة ونقاء ومرح.

(2)
أصدّق يا سيّدي .. أنك مضيت في رحلة الحق... يرحمك الله.
في مرضك الأخير لم أكن أدري أنك تمضي نحو "حسن الختام"
لم أكن أدري أن " مرض السكر" سيخطفك منّا دون أن ترمي لنا بوصاياك العشر.
لم أكن أدري أنك سترحل دون أن تسامحنا على "مزحاتنا" معك.
آه يا سيدي كم كنت عفوياً وطيباً، يا سيّد الحبّ، ويا ملك الحنين ..
أيّها الجميل الطيب كوجه أمّي..
آه كم كنت طفلاً صغيراً أيّها الرّجل.
آه كم كنت كبيراً وعظيماً أيّها الرجل.
آه كم ملأنا الحزن والسّواد برحيلك..
يا أجمل السيمفونيات التي لم يخلق من يعزفها بعد.



(3)
الله يرحمك يا سيّدي ..
في الفاتح من شهر التوبة تودّعنا..
هل هان عليك أن تتركنا دون "سحور"؟!
هل هان عليك أن يمتزج فطورنا بالحزن والعطش والملح والدموع؟!
الله يرحمك .. كم كنت جميلاً في حضورك وفي رحيلك على السّواء!!
ترحل في أول شهر المغفرة ..
لتفتح في قلوبنا سفْر الحنين، وألف وباء الحزن والافتقاد..
آه ليت رحيلك تأخّر قليلاً..
كي نتهيأ قليلاً ..
كي نزرع بذور الحب والمسامحة باسمك..
ونبني- باسمك- مدنا للعاشقين الطيبين المنغرسين بجذور في الأرض معطاءة.
وكي نخلع في غيابك الدمعة من جذور جذورها..
وكي أهيئ مع "رسمي" و"فادي" و"محمد" وعزمي" وكل الذين يحبوك مهرجان الوداع والملح والتراب والحنين.
كم نحبك يا سيّد القلب الطيب.. المسكون ببراءة "سناء" ووجوه آمنة وفاطمة المنهكة بالغياب والفقدان، وكلّ الذين صدمهم رحيلك السّرمدي الأبدي.

(4)
ليتك تأخرت قليلا في الرّحيل..
كي نعتذر لك عن كل "مزحاتنا" معك، وإذ يثقلنا ضجر الغياب نعود لنمزح معك من جديد، فتختلط الدمعة والضحكة التي تملأ القلوب، في خليط هيولي خاص، أسميناه – أيّها الغالي- ذكراك.
سيدي ..
نلتقي في الإفطار الجماعي- ببيت العزاء..
نروي عباراتك المعهودة.. ونكاتك التي ألفناها، مرة نبكي.. ومرة نطلب لك الرحمة والمغفرة، وأخرى تخرجنا عذب كلماتك عن وقارنا فنضحك بصخب صاخب.



(5)
ذكراك يا سيّدي .. أشياؤك الصّغيرة، جلساتك، لباسك الفلاحيّ، قهوتك المسائية، أحاديثك الصّاخبة، "ولدناتنا" معك، تأنيبك لنا، هواء المكان، كلّ ما في المكان يحتلنا حدّ النحيب.. فندرك كم أنت حبيبنا يا حبيبنا.
يرحمك الله أيّها الحبيب
كم أغواك كرسيّ الغياب؟!
لترحل عنّا بسرعة خفقان القلوب التي أحبتك.
دوما كنت على عجل..
ودوما كنت في سباق مع الزّمن..
ما رأيناك مبطئاً إلا عندما أعياك – قاتله الله- المرض.
على غير عادتك... ما رأيناك هذا العام تعدّ لشهر الصيام عدته .."عمرة" أو ذبائح ارتبطت كلّ عام بصلة الرّحم.

(6)
يا سيدي ..
دوما كنت موحداً ومجمعاً ..
ما رأيت "العشيرة" تتجمع على شيء بقدر ما أجمعت على محبتك والدّعاء لك بالفردوس الأعلى.
سيدي نسيت أن أقول لك .. كم كان جثمانك مسرعاً، وكم كان وجهك مشرقاً، وقبرك فسيحاً، الله يرحمك يا سيدي..
الله يرحمك..
الله يرحمك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صراحة مطلقة في أجوبة أحمد الخفاجي عن المغنيات والممثلات العر


.. بشار مراد يكسر التابوهات بالغناء • فرانس 24 / FRANCE 24




.. عوام في بحر الكلام-الشاعر جمال بخيت يحكي موقف للملك فاروق مع


.. عوام في بحر الكلام - د. أحمد رامي حفيد الشاعر أحمد راي يتحدث




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت يوضح محطة أم كلثوم وأح