الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كوكاكولا. الرمز الثقافي؟! والتنقيب خلف عمق للثقافة

هدى ابو مخ

2004 / 3 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


قبل فترة ليست بالوجيزة شاهدت دعاية كوكاكولا التي يظهر فيها المطرب الخليجي عبد المجيد عبد الله مؤديا اغنيته "انت العزيز انت". للوهلة الاولى الدعاية تبدو مجرد محاولة بريئة لتسويق سلعة, ولكي امحو هذا التصور الاولي فانا اكتب هذا المقال القصير.
يهمني التنويه في هذا السياق الى ان الكوكاكولا ليست السلعة الامريكية الوحيدة التي تروج باساليب احتفالية, لكن هذه الدعاية تمثل نموذجا مميزا لظاهرة موجودة. الجميع يدرك اليوم ما تعنيه الامبريالية والغزو الاقتصادي والعولمة, لذا فادعائي الاولي والمباشر حول علاقة قنينة الكوكا كولا بهذه الاشكال التسلطية او السلطوية والاستعمار لن يكون امرا جديدا.
اولى ملاحظاتي حول الدعاية تتطرق الى اسلوب التصوير, وذلك كخلفية تمكن القارئ من فهم ما اتحدث عنه في هذا المقال, حيث توضع القنينة في مركز الحدث فيما تجري من حولها طقوس الاحتفال والبهجة بها. الكاميرا تلتقط ما يحدث في ملعب ضخم لكرة القدم في احدى المباريات, فتنتقل وببراعة شديدة بين الجماهير التي يعج بها الملعب, لتنتقل بعدها الى المشاهدين الذين يتابعون ما يحدث على ارض الملعب عبر التلفاز. الكاميرا مهتمة ايضا بالمشاهدين الواقعيين للدعاية, اي بنا نحن (انا وانتم) وبوجوب انتقال مظاهر الاحتفال الينا, والاهم استيعابنا جيدا لوجوب الاحتفال والفرح بالكوكا كولا, فكل الدعاية صنعت من اجلنا نحن!!. لهذا الامر هنالك طبعا بعد اقتصادي واضح, اي زيادة عدد زبائن الشركة. لكن هنالك ايضا بعد اخر, استعماري, مرتبط وبشدة بافتراضات غربية مسبقة, بعضها حقائق مجرده, حول الشرقي, تخلفه, دونيته وعبوديته - اي حقيقة عبودية الشرقي للملك, وشعوره بالخوف منه. فالدعاية لكي تنجح عليها مخاطبة وعي ولا وعي المشاهد, وهذا جانب مهم في انتاج الدعاية ونجاحها. وهذا ما ساتطرق اليه لاحقا في هذا المقال.
ان عدت الى اسلوب التصوير, فقد ابرز وبصورة جلية عدة مكونات تعتبر من مركبات الامم الحديثة: مجموعة ناس (اولئك في الدعاية اضافة الى الناس المفترضين اي انا وانتم), ذات ذاكرة حاضر مشتركة, تملك نفس الرموز (الكوكاكولا) ولغة واحدة (العربية) واغنية "وطنية" مشتركه ("انت العزيز انت") والاهم شعور عميق بالاخوة والوحدة بينهم والذي يبرز من خلال مظاهر الاحتفال والسرور و... الكوكاكولا, والذي يجب ان ينتقل الينا نحن المشاهدين المفترضين على ارض الواقع.

من تابع الدعاية شعر جيدا بان طقوس الاحتفال حملت مراسيما وطنية, لكن بتغيير بسيط: مركز الاحتفال ليس زعيما عربيا بل قنينة كوكا كولا!

وهذا ينقلني الى الادعاء الجوهري المكمل لما ذكرته اعلاه: قنينة الكوكا كولا مع كل ما تبدو عليه من السذاجة والبراءة, تمثل بديلا وثنيا للكثير من القيم, الشهوات والمشاعر الدفينة لجمهور المشاهدين الذي وجهت اليه الدعايه. فهي تغطي على (تدفن) خوف معين وتكشف (تعبر) عن خوف اخر. من ناحية اولى, هي تحتوي في اعماقها عالما اخرا, حلما للكثيرين, فهي تمثل الحرية والجراة التي لا يمتلكها الجميع: احتلال مركز الحدث والاحتفال الوطني كبديل للملك. هذا الحلم يبقى بالفعل مجرد حلم او فكرة متخيلة في وعي المشاهدين –انا وانتم-, والذي تعمل الدعاية على ابقاءه كذلك, اما الواقع الذي يحياه هذا الوعي فيستبطن فكرة ان هذه الفكرة (او الحلم) مجرد فكرة فردية وحميمية لذات الفرد صاحب ذات الوعي, فيبقى الامر من حيث تحركه في الوعي مجرد فكرة, مع سعي شبه دؤوب لتنحيتها الى اللاوعي, منعا للاصطدام بمصالح الملك الذي لا يقبل معارضة من احد رعاياه. لكن من الناحية الاخرى, وهي ناحية ضعفنا وقصورنا نحن العرب, فان هذه السلعة تقوم بصورة الية وكانها عفوية باحتلال فعلي لمركز الحدث, مهما بدا صعبا على وعي المشاهد المكبوت ادراك جدية الامر, وتصبح بالفعل مركز الحدث عوضا عن ملك او امير اعتدناه في مراكز الحدث الجماعية, اي ان الواقع يتحرك باسرع مما يتطور وعينا كعرب, ما يبرر الى حد كبير تاخرنا وتخلفنا الحضاري عن امم اخرى. الملك يستبدل بسلعة. والملك جزء عميق من الثقافة العربية على مر الكثير من العصور. السلعة باحتلالها لهذا المنصب تجتهد ايضا لاحتواء ثقافة عربية رائجه, والحفاظ عليها كثقافة يحكمها ملك يستعبد الرعايا, وبالتالي الحفاظ على بقاء الافراد رعايا لملك لكي تمكن نفسها من احتلال موقعه او مشاركتها اياه.
هذا يعني عدة امور:
1. بناء امة عربية تركع للسلعه كبديل او شريك للملك. 
2. استبدال الملك بالسلعة لا يعني بالضرورة الاغتيال الجسدي له. فالاقصاء قد يتخذ ابعادا عديدة مثل نزع القوة عنه وابقاءه ملكا بصورة شكلية فقط.
3. من منطلق كون الثقافة منتجة على يد القوة, فان الثقافة المنتجة في هذه الحالة ستحتوي على الكثير من المخاطر والابعاد السلبية. السطحية والتمثيل السلبي للعربي والمسلم سوف لن يبقى بالنسبة لنا مجرد افكار مسبقة ومؤسسة غربية نحاربها, بل سيصير الامر جزءا من ثقافتنا نحن. لربما ان كانت امكانية صنع انقلاب على الملك وازالته عن الحكم ممكنة الان, فالامر لن يكون كذلك بعد فترة من الزمن, حين ستكون ازالته بغير اهمية, فهو لن يكون السلطة الحقيقية. خطورة هذه العملية تنبع اساسا من كون هذه العملية ناتجة اولا واخيرا على يد عوامل خارجية لنا بدون ان نشارك نحن بهذا الانتاج, فهذا يعني استمرارنا على ذات النمط السلبي, او حتى احيانا الايجابي لكن الذي لا يواكب متغيرات الواقع, فلا يغير فيه شيئا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زاخاروفا: على أوكرانيا أن تتعهد بأن تظل دولة محايدة


.. إيهاب جبارين: التصعيد الإسرائيلي على جبهة الضفة الغربية قد ي




.. ناشط كويتي يوثق خطر حياة الغزييين أمام تراكم القمامة والصرف


.. طلاب في جامعة بيرنستون في أمريكا يبدأون إضرابا عن الطعام تضا




.. إسرائيل تهدم منزلاً محاصراً في بلدة دير الغصون