الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف عميلاً !

جمعة الحلفي

2004 / 3 / 1
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


تتيح التقاليد الدبلوماسية الأوروبية الغربية (والأميركية الى حد ما) بفتح خزائن الوثائق الرسمية والمراسلات الدبلوماسية والسياسية، بعد أن تمضي عليها فترة من الزمن، فرصة نادرة لإعادة فحص وتقويم مراحل تاريخية واحداثاً سياسية ومواقف وتطورات (دولية ومحلية) ليس بالإمكان توفرها في غياب تلك (الأسرار) التي يُكشف عنها.
وفي كتابها الضخم الصادر حديثاً عن المجلس الأعلى للثقافة في مصر/ سلسلة المشروع القومي للترجمة، بعنوان (الحرب الباردة الثقافية) تعتمد الكاتبة البريطانية الشابة فرانسيس سوندرذ، على كمية هائلة من الوثائق والشهادات والمعلومات، التي جرى الكشف عنها مؤخراً من قبل الخارجية الأميركية، في إعادة تقديم وكشف سلسلة طويلة من الأحداث والأسماء والوقائع والأسرار، التي شكلت مرحلة خطيرة من مراحل الحرب الباردة (الثقافية) التي ترافقت مع الحرب الباردة (السياسية) بين الولايات المتحدة والدول الغربية من جهة والاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية من جهة أخرى، على امتداد العقود التي تلت نهاية الحرب العالمية الثانية وسبقت انهيار الاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية، تلك الحرب التي وضعت المخابرات المركزية الأميركية عنوانها (حرب الاستيلاء على عقول البشر) فيما كانت أدواتها وجيوشها وحطبها هم المثقفون والكتاب والفنانون.
ومن بين الكثير من المعلومات والأسرار الملفتة عن تورط العديد من الكتاب والمثقفين الأوربيين والأميركيين الكبار، في النشاطات التجسسية والمخابراتية، إبان تلك الحقبة، تسرد الكاتبة قصة الروائي الشهير جورج أورويل وعلاقته بالسي. آي. آيه، وكيف جرى تسخير نتاجه الأدبي وإعادة تقديمه سينمائياً في خدمة الدعاية الأميركية وحملة العداء للشيوعية. كما تكشف عن قيام أورويل نفسه بتسليم المخابرات المركزية الأميركية قائمة بأسماء العشرات من المثقفين ممن كان أورويل يشك في انتمائهم أو بميلهم الى الشيوعية.
وعلى الرغم من الملابسات التي رافقت عملية إنتاج روايتي أورويل الشهيرتين (مزرعة الحيوان و1984 ) سينمائياً، بعد أن أجريت عليهما سلسلة من التعديلات من قبل خبراء السي آي أيه، لكي تتوافقا مع توجهات وأهداف السياسة الخارجية الاميركية، (إذ جرى ذلك بعد وفاة أورويل في العام 1950) إلا أن الكاتبة تخلص الى اتهام أورويل صراحة بالعمل في خدمة دوائر الخارجية والمخابرات الأميركية فـ " أورويل، لم يكن، في النهاية، بريئاً تماماً من مناورات الحرب الباردة هذه، فهو، على كل حال، كان قد سلم قائمة لإدارة البحث الإعلامي (مؤسسة تتبع السي. آي. أيه) تضم أسماء 35 مثقفاً باعتبارهم متعاطفين مع الشيوعية أو يشتبه في أن يكونوا واجهات للشيوعية". وكان من بين أولئك المثقفين كنجسلي مارتن وبول روبسون وجي. بي. بريستلي ومايكل ردجريف. وتؤكد الكاتبة أن أورويل، الذي كان شديد الارتياب في أي واحد تقريباً، ظل محتفظاً بالقرب من طاولة الكتابة، بدفتر صغير لعدة سنوات. وفي عام 1949 كان يوجد بذلك الدفتر نحو 125 اسماً ثم أصبح ذلك الدفتر بمثابة لعبة كان أورويل يحب ان يلعبها مع بعض الكتاب والمثقفين، إذ أنه لم يكن يكتفي بتسجيل الملاحظات حول ميولهم  السياسية فحسب، إنما بالافتراء عليهم أخلاقيا، كما هو في حالة الكاتب ستيفن سبندر، الذي رأى أورويل أن "ميله الى الجنسية المثلية" كان جديراً بالتسجيل.
وكذلك في حالة الكاتب الشهير جون شتاينبك، الذي كان أسمه مسجلاً في دفتر أورويل مع ملاحظة تقول أنه "كاتب كذاب وساذج" بينما يصف الكاتب مالكولم نيرس بأنه "زنجي وربما من أصل أفريقي ومعاد للبيض".
 لكن ماكان يصفه أورويل، كما تخلص الكاتبة، بأنه "قائمته الصغيرة" أخذ منحى آخر غير أن يكون مجرد لعبة أصبحت لها أبعاد شريرة، عندما تطوع هذا الروائي الكبير للعمل في إدارة البحث الإعلامي، وهي الذراع السرية لوزارة الخارجية الاميركية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي اللهجات.. مقارنة بين الأمثال والأكلات السعودية والسورية


.. أبو عبيدة: قيادة العدو تزج بجنودها في أزقة غزة ليعودوا في نع




.. مسيرة وطنية للتضامن مع فلسطين وضد الحرب الإسرائيلية على غزة


.. تطورات لبنان.. القسام تنعى القائد شرحبيل السيد بعد عملية اغت




.. القسام: ا?طلاق صاروخ ا?رض جو تجاه مروحية الاحتلال في جباليا