الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فكرة الاشتراكية.. بين صنمية النظرية وأسواء التطبيق

سامي فريدي

2008 / 11 / 16
ملف ذكرى ثورة أكتوبر الاشتراكية... الانهيار وأفاق الاشتراكية في عالم اليوم


(2)
ربما كانت الاشتراكية أول شعور في تاريخ الانسان وأقدم ممارسة وفكرة غير مكتوبة في الوعي الانساني. ان علاقة الطفل مع صدر الأم ومكونات بيئته المادية والاجتماعية مؤسسة على فطرة مشاعية لا وجود لفكرة الملكية والتملك فيها. قد يرغب طفل ما في حيازة حاجة لأول وهلة من باب الاستمتاع أو الشعور بالحاجة، لكنه ما يفتأ يتركها على الأرض أو يقدمها لطفل آخر طواعية. ناهيك عن أثر العوامل السلبية غير الطبيعية التي دخلت بفعل التطور المدني والعلمي على تشكيل البيئة الطبيعية وما لها من أثر على تشكيل الطفل الانسان. عندما تكون الحاجة مبذولة عامة لا يخطر للطفل اقتناؤها أو حيازتها، لكنه إذا رآها بيد طفل آخر، أو تبجح الآخر بالتفاخر أو أي سلوك استفزازي منحرف من الآخر، تولدت لدى الطفل رغبة المنافسة والتحدي والحيازة المقابلة والعدائية. وفي هذه النقطة والمرحلة الأساسية من التشكل الانساني، تلعب مناهج التربية والعائلة والدين الدور الحاسم، وتتحمل بالمقابل، مسؤولية انحراف النفس والفكر والسلوك طيلة التاريخ والراهن المتردي.
مناهج وأساليب التربية والتعليم والتثقيف هي المسؤولة، والمعنية بالتغيير والتعديل بما يخدم سويّة الانسان وفطرته الطبيعية السليمة. لكن الغرور البشري وعبودية الغريزة فضّل تكريس اتهام الطبيعة والذات الخالقة من أجل تبرئة ذاته والتعمية على أمراضه وعمق انحرافه. ومن يقرأ نص (ونفسٍ وما سوّاها، فألهمها فجورَها وتقواها،..) يجد صورة مكبّرة لذلك. وما يزال (إبليس/ الشيطان) يحظى بشتائم ولعنات متواصلة من أتباع ديانات وعقائد مختلفة، تحمله مسؤولية انحرافاتها النفسية ومسالكها الملتوية والكارثية على المدى البعيد. بيد أن الانسان .. ينطوي على طاقات عجيبة وإمكانيات غير محدودة، يبقى معظمها خارج الادراك والاستعمال، في ظل ثقافة الاستسهال والاستلذاذ وترسيخ عبودية الغريزة، لتسويغ عبودية القطيع للراعي والاقطاعي (رجل الدولة أو رجل الدين).
ان الانسان هو أكبر قيمة حقيقية في الوجود. والاشتراكية هي التعبير الأول عن طبيعته الانسانية والاجتماعية في دائرة الوجود. هل توجد ملكية أو حيازة في الفردوس؟.. هل ثمة ربّ عمل ووسيط وتاجر؟. لم يكن الانسان عبدأ أو تابعا (وقال الله نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا)/تك26:1 ، كذلك (خلق الله الانسان على صورته. على صورته خلقه.)/تك27:1 . وكلّ ما حصل بعد ذلك وخلافه، انما هو خروج على الأصل والطبيعة وانحطاط فكر بشري، كان ولا يزال مرض البشر وكابوسهم ودوامة ضياعم الأبدي.. الملكية والجشع.
انَّ القيمة الحقيقية للاشتراكية هي في حقيقتها وموضوعها النابع من صلب الطبيعة وأعماق الذات الانسانية، والمنسجم مع حاجاتها وهواجسها،- الذي هو الانسان-، وليس في ما أحيط بها وكاد يصيبها بالاختناق. فقد وقعت الاشتراكية ضحية انحدارَين خطيرَين..

1- مفهوم الحزبية وإطارها السياسي الضيّق..

شكّل مفهوم الحزب- (فلسفة الدولة السياسية)، نوعاً من الرابطة العضوية غير القابلة للانفصام. مما انعكس على امتزاج التوجه الاشتراكي بالعمل الحزبي (الشيوعي) والدعاية السياسية المباشرة لدولة الشمال. الاهتمام هنا ينصرف إلى جانبين..
- الحزبية (الماركسية اللينينية) كمبدأ (فكر- ممارسة)، لا قدر للاشتراكية بدونها.
- منظومة الأحزاب الشيوعية العاملة في كل العالم والمرتبطة بالكونفرانس الأممي بزعامة الشيوعي السوفياتي.
لقد تمّ استغفال المسافة الكائنة بين (الحزب) كنظام سياسي قائم على مبادئ وجودية تكتيكية وستراتيجية وارتباط مباشر بعوامل البيئة المحلية والاقليمية والمتغيرات الدولية، مقارنة بالفكرة الاشتراكية (مبدأ/ فلسفة/ سلوك/ مجتمع). فوقعت الاشتراكية ضحية البراغماتية الحزبية وسياسات البقاء والنفوذ، بنفس الطريقة التي استخدمت بها الأديان فكرة الألوهة والتوحيد، كورقة براغماتية تقوم عليها منظومة نفوذها السياسي والاقطاعي، محولة اللاهوت الروحاني إلى نشيد قداس ببغائي أجوف لا علاقة له بالسلوك والحياة.
وهو ما أضر بجميع الأطراف بمستوى واحد، ولم يستطع أحدها تقديم خدمة ملموسة على الصعيد العملي. ان الدعاية لدولة أجنبية والتبجح بها حطّ من مضمونها القيمي وحوّل الفلسفة الاشتراكية كمذهب اجتماعي اقتصادي حيّ، إلى سلعة سياسية دعائية لا أكثر.
من جانب آخر، كانت الحياة الحزبية أسيرة ممارسات وظروف سلبية مختلفة انعكست نتائجها سلبا على الفكرة الاشتراكية. واستذكار بعض يوميات أحداث ومناسبات سياسية معينة في البلاد العربية مدعاة للصدمة والاحتجاج أكثر من نزعة التفاخر والتظاهر التي يراد بها.
ما زالت الحاجة ماسة للتمييز بين الاشتراكية والشيوعية الحزبية والدولة العسكرية كأقانيم ثلاثة تصلح للاجتهاد وسوف يكون من المؤسف تجاهل ذلك في البرامج الحزبية.

2- مفهوم الدولة والصراعات الدولية..
وقف المعسكر الرأسمالي لقيام الدولة السوفيتية بالمرصاد، ليس من باب رصد الأخطاء، وانما التخطئة والدسيسة. وقد ازدادت حدة الخطاب العدائي عقب الحرب العالمية الثانية والانتصار السوفيتي على النازية، في إطار المنافسة السياسية والصراع حول الزعالمة الدولية. وتأمل المشهد الدولي الراهن يفك الكثير من أوراق الماضي.
صحيح ان مفهوم الصراع هو أحد ضرورات التشكل الوجودي والسيرورة التاريخية، ولكن قيمة هذا الصراع – لابدَّ أن- تبقى محكومة ومرْتهَنة بما تستظل به من سقف قيمي إنساني خلقي ، وعدم الاقتصار على الجانب المادي . وما هلّل له اليمينُ الرأسمالي والفاشية العالمية، كان حدثا سياسيا بحتا، لا يمسّ الاشتراكية والشيوعية في شيء. أن تلك المظاهر والخطايا المجموعة تحت يافطة تبرير منطقي للسقوط أو الانهيار، هي حالة عامة، تعشش في كثير من الدول والحكومات والأنظمة السياسية والأدارية، في الغرب والشرق، وفي صلب الدول والادارات الرأسمالية الغربية نفسها.
لقد تم تسخير الاعلام وتوظيفه في اتجاه فضائحي ومبالغة سطحية متهكمة، وبشكل أنسى الرأي العام ما يعانيه العالم وطبيعة توجهات الماكنة الاعلامية.
أن مرور عقدين على سقوط دولة (الاتحاد السوفيتي)، -عاصمة الاشتراكية- يفرز جملة أسئلة..
- ما هو البديل الرأسمالي للنظام الاشتراكي الذي أريد تصوير سقوطه في باب الحتمية التاريخية؟..
- ما هو دفاع الرأسمالية الدولية والامبريالية العالمية إزاء ما يسود العالم من حروب وفوضى وقرصنة وفساد شامل على كل صعيد، بما فيها الأزمة المالية العالمية التي تكشف عن أضراسها بشكل متزايد مع نهاية ولاية بوش..
- هل يمكن اعتبار فوز أوباما برئاسة الولايات المتحدة فشل دولة الرجل الأبيض (المستعمِر الفاشي)، بالمنظور السياسي، أم إقرار بالعجز عن مواجهة بوادر الأزمة الدولية الاقتصادية، وتحميل (السود) والضحايا أوزارها ونتائجها، ثم يعود الأبيض في صورة البطل والمخلّص الجديد، وفي سيناريو غير بعيد مما جرى في العراق عقب الغاء النظام السابق، وتعويق ظهور نظام سيادي بديل، لتبرير سياسات الاحتلال المباشر؟..

يجد العالم نفسه، اليوم أكثر من أي وقت آخر، محشوراً في نفق أزمة خانقة لا منفذ منها، ناهيك عن استشراء القنوط واليأس التام في صفوف الشبيبة والمجتمعات غير الغربية تجاه المستقبل. لقد انتهت القرصنة إلى النهب والاستلاب العلني وانتهى الاستعمار إلى الاحتلال المباشر والسيطرة الأجنبية، ولم تظهر أية برامج دولية أو أممية لاحداث تنمية حقيقية أو تضييق هوة التخلف بين الغرب وبقية أطراف الأرض.
والنتيجة هي تحول هجرة الشباب والعمالة إلى ظاهرة عادية في العلاقات الدولية، وبما جعل مفهوم الوطن والانتماء للأرض مهلهلا ومرتبطا بتحقيق الحاجات المادية المباشر للفرد، خارج مفهوم الجماعة والأمن الجماعي. والغريب، أنه بينما تزداد التأكيدات الأميركية على مبادئ الانتماء والبطولة القومية ورسالة الشعب الأميركي، تتحول معها بقية الدول والمجتمعات إلى جملة أسلاب متناثرة، تتناهشها ذئاب التكنولوجيا الامبريالية.

لندن
الخامس عشر من نوفمبر 2008








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تجهز لنا أكلة أوزبكية المنتو الكذاب مع


.. غزة : هل تتوفر ضمانات الهدنة • فرانس 24 / FRANCE 24




.. انهيار جبلي في منطقة رامبان في إقليم كشمير بالهند #سوشال_سكا


.. الصين تصعّد.. ميزانية عسكرية خيالية بوجه أميركا| #التاسعة




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الدفاع المدني بغزة: أكثر من 10 آلا