الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بمناسبة اليوم الوطني للاعلام 15 نونبر :

بلكميمي محمد

2008 / 11 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


يقول الراحل عبد السلام المؤذن بجريدة انوال ومن داخل زنزاته سنة 1989

« جريدة انوال رفيقة سجني كانت ورفيقة حريتي ستكون »

الذين لهم احتكاك بقوانين الجدل ليس كما صاغها شيخ الجدل المثالي هيجل ، ولكن كما صاغها عميد الجدل المادي ماركس ، لابد انهم يعرفون هذه الخاصية الجوهرية لصيرورة الظاهرة الجدلية la génèse .
ان تلك الصيرورة ما ان تبلغ نقطة معينة من التراكم الكمي ، حتى تنقلب الى طفرة كيفية ، محدثا بذلك انقساما حادا ، بين قطبين متصارعين : قطب يمثل القديم ( لحظة التراكم الكمي قبل نقطة التحول الكيفي ) ، وقطب نقيض يمثل الجديد ( لحظة التحول الكيفي ) .
ان انقسام الظاهرة على نفسها ، بين الميولات حول القديم ، والميولات المضادة نحو الجديد ، هو سبب التمزق الذي تعيشه تلك الظاهرة ، بحيث ان جل ذلك التناقض لايكمن ، في التوفيق الانتقائي بين القطبين المتصارعين ، ولكن في التجاوز الجدلي للقديم لصالح الجديد .
ان هذا العرض البارد والمجرد لذلك المنطق الجدلي ، الذي هو ميزة ملازمة لكل فكر علمي ، هو نفس العرض الذي صاغه شاعر اللغة الالمانية العظيم ◄جوته» ، لكن بصورة متوترة وملموسة ، التي هي ميزة ملازمة لكل شعر واقعي اصيل ، لقد قال جوته على لسان فاوست :
هناك روحان ، وياللاسف ، تسكنان صدري .
وكل واحدة تصارع الاخرى من اجل السيطرة على كياني .
ان حالة التمزق هذه ، التي تحدث عنها فاوست بشكل رائع ، هي نفس الحالة التي عشتها شخصيا وعانيت منها ، في السجن في مطلع الثمانينات .
لقد شاء ت الاقدار في ذلك التاريخ ان اعيش قصة حب متبادل مع فتاة جامعية ، والحب في السجن ليس هو الحب خارج السجن . ففي السجن ، حيث الحرمان ، والكبت ، وحالة الانفصال عن المجتمع ، وكذلك انعدام حرية الاختيار، يكون من الصعب جدا وضع خط فاصل وواضح ، للتمييز بين ماهو مجرد حب جنسي محض ، وبين الحب الحقيقي الفعلي ، وفي كل الاحوال ، نظرا لتلك الاعتبارات ، يقع تضخيم الحب والسمو به الى اعلى درجات المثالية . وبينما كنت اعيش قصة ذلك الحب المتوتر اذا ، فجاة ظهرت جريدة انوال ومعها ظهرت افاق مساهماتي في تحرير مقالاتها ، وكتابة المقالات من داخل السجن ، ليست هي كتابتها من خارجه ، فمن الخارج يكون هدف الكتابة ، اساسا ، هو الانخراط في الصراع الطبقي بواسطة سلاح القلم ، اما الكتابة من داخل السجن ، فهدفها الاول ، هو الصراع من اجل اثبات وجود الذات التي يراد اقبارها وتشطيبها كليا من الساحة .
لكن الكتابة من داخل السجن ، لكي تحقق غرضها ، وتكسب عطف وتعاطف جماهير القراء ، لابد لها ان تتصف بنوع من التمايز والجدة والاثارة ، وهذه الامور تتطلب بطبيعة الحال ، الكثير من البحث والدراسة والتحصيل .
أي بعبارة الاهتمام الشديد بشؤون الفكر هكذا سأجد نفسي ممزقا ، بالطريقة الفاوستية ، بين قطبين متناقضين فمن جهة ، كانت تجرني ميولي الوجدانية ، نحو مملكة القلب والحب ، المجسدة في شخص المحبوبة . ومن جهة ثانية ، كانت تجرني الى الطرف النقيض ، ميولي السياسية ، في مملكة العقل والفكر ، المجسدة في جريدة انوال.
ان اصل تمزق كياني بين شؤون القلب وشؤون العقل ، يعود لكون كل قطب من القطبين المتصارعين ، كان يريدني لوحده وفي هذه الحالة ، سيكون التعايش بينهما ضربا من العبث ، ونوعا من باب المستحيلات .
لذلك كان محكوما علي بالاختيار ، وليس هناك ماهو اصعب على الذات البشرية ، اكثر من وضعها في موقع يفرض عليها ضرورة الاختيار بين شيئين عزيزين للغاية .
ولما كان لابد من الحسم ، فقد حصل الحسم ، رغم قساوته ، وللحقيقة يجب القول ، بان ارادتي الخاصة لم تكن لحسم تذبذبي ، اذ كان لابد من تظافر ارادتي بارادة المحبوبة ، وهذا فضلها علي لن انساه لها ابدا .
لقد حصل الحسم اذن ، وكان لصالح انوال ، ومن يومها اصبحت انوال هي وجودي وكياني .
ان هذا الحب الجديد مع رفيقة الدرب الجديد ، قد اثمر العديد من المقالات رغم ان القراء الكرام قد توزعوا بين متعاطف معها ومعاد لها ، انهم جميعا توحدوا في نقطة مركزية ، وهي رفع حالة الاقبار والاهمال ، التي حاولت سجون البورجوازية ، نصبها في وجهي . ويجب الاقرار بالحقيقة التالية ، وهي انه اذا ما استطعت ان اصمد في سجون البورجوازية المغربية ، لمدة تقارب خمس عشرة سنة ، فان ذلك لايرجع لقواي الذاتية فحسب ، بل وايضا للقوى الخارجية التي ساندتني ماديا ومعنويا ، ومن ضمنها جريدة انوال والمسؤولون عن انوال ، وقراء انوال .
ان علاقة حبي وصداقتي لانوال ، كانت علاقة متكافئة ( والتكافؤ هو اهم صفة يطلبها المرء بالنسبة لعلاقات الحب والصداقة ) .ان علاقة التكافؤ تلك ، كانت تتمثل : من جهة ، استفادة انوال مني بسبب المقالات التي كنت اخصها بها ، ومن جهة ثانية ، استفادتي من انوال ، لانها كانت تعمل ، اعلاميا ، على ذلك الحصار المضروب حولي من طرف المؤسسات القمعية البورجوازية المغربية .
وتشاء الصدف ان اخرج من السجن وان انضم رسميا لرفاقي في هيئة تحرير انوال في نفس الاسبوع الذي تحتفل فيه انوال ، بنهاية عقدها الاول ودخولها في عقدها الثاني .
وبهذه المناسبة العقدية يقول الراحل عبد السلام المؤذن ، فان السؤال الكبير التالي ، يبرز بكل ملحاحيته وضغطه : ماهي حصيلة تجربة انوال طوال عقد من الزمن ؟ .
بدون الدخول في التفاصيل الدقيقة ، يجب القول بان اهم محصلة لذلك العقد هو ان انوال اصبحت ركنا اساسيا من اركان الصحافة الوطنية في بلادنا ، لاغنى للمجتمع المدني المغربي عنه .
هذا اذن هو الوجه الايجابي للميدالية ، لكن ماهو وجهها السلبي ؟ .
هو التالي : لقد خفت حدة اندفاع انوال ، وتقلص محيط قرائها .
فما السبب ؟
بدون البحث عن اسس السبب ، ووعيها ، وتعريتها ، ونقدها ، لايمكن نفخ روح حياة جديدة ، في المسيرة الانوالية ، تكون اكثر قوة وغنى وحضورا وتطورا ، بالمقارنة مع العقد الماضي .
ان اسس ذلك التراجع الذي يخيم على انوال ، هي في رايي تكمن في كون قاعدة الاعلام الصحفي ، التي قام عليها نشاط الجريدة ، طوال المرحلة السابقة ، قد استنفذت امكانياتها التاريخية الموضوعية ، وبالتالي اصبحت معيقة للتطور ، مما اصبح يقتضي تجاوز تلك القاعدة القديمة ، بقاعدة جديدة قادرة على منح التراكم الاعلامي الصحفي شروطا جديدة للنمو والتطور .
ماهي قاعدة الاعلام الصحفي القديمة ، التي انتهى دورها التاريخي ، وماهي قاعدته الجديدة ، التي ستفتح امامه افاق النمو والتطور ؟ .
عندما ظهرت انوال للوجود في نونبر 1979 ، كانت المنظمة التي جاءت الجريدة لتعبر عنها وتكون لسان حاله ، مجرد منظمة مثقفين ، وبالتالي كانت انوال تعبر عن حركة فكرية ، ان هذه القاعدة الفكرية للاعلام الصحفي لانوال كانت بارزة بشكل صارخ ، في الموقع المركزي الذي كان يحتله الفكر في توجه انوال ، والذي تمثل اساسا في رفض الطابع الالحاقي للثقافة للسياسة ، مؤكدة على على دورها المستقل ، كما تمثل في ابداع ركن فكر وحوار الذي احتل قلب الجريدة .
لكن بعد عشر سنوات من تاريخ ظهور انوال ، وقع تحول منظمة العمل ، من حركة فكرية الى حركة سياسية . وهذا الطابع السياسي الجديد للمنظمة ، قد تجسد بشكل خاص في توسيع النفوذ الجماهيري للمنظمة ، الذي عكسته قدرة المنظمة على فتح مقرات لها في معظم المدن المغربية ، وظهور المنظمة في الانتخابات البرلمانية لسنة 1984 كاقوى قوة سياسية في بعض المناطق .
فانوال اذن لكي لاتتخلف عن حركة الواقع ، كان مفروضا عليها ان تحقق الانتقال من قاعدة الاعلام الصحفي الفكرية، الى قاعدة الاعلام الصحفي السياسية ، وذلك تمشيا وانسجاما مع التحول التاريخي الذي طرا على منظمة العمل ، والذي قادها ، كما سبق الذكر ، الى انتقالها من حركة فكرية الى حركة سياسية .
فالتناقض الذي تعيشه انوال راهنا ، والذي هو السبب العميق لتراجعاتها الحالية ، يكمن اذن في التالي : الوقت الذي اصبحت فيه منظمة العمل ، منظمة سياسية متجاوزة بذلك طبيعتها الفكرية السابقة ، ظلت انوال بالعكس ، تمارس نشاطها الاعلامي على نفس الارضية الفكرية القديمة .
وعندما اشخص طبيعة انوال واقول بانها جريدة تمارس النشاط الاعلامي على قاعدة الاعلام الصحفي الفكرية ، فاني لااقصد بذلك انها تتحدث عن الفكر ولا تتحدث عن السياسة ، بل اقضد انها تمارس السياسة انطلاقا من برامج سياسية مجردة .. أي في نهاية المطاف تمارسها بلغة الفكر المجرد ، وليس انطلاقا من برامج سياسية ملموسة .
لكن بما ان انوال ، في الجوهر ، هي تعبير عن ، و انعكاس لتوجهات منظمة العمل فاذن ، في العمق ، ان مشاكل انوال هي مجرد انعكاس لمشاكل المنظمة يمكن تكثيفها في الشكل الجوهري التالي : في الوقت الذي ادى فيه تطور المنظمة التاريخي ، الى انتقالها من حركة فكرية الى حركة سياسية ، ظلت الطبيعة الفكرية السابقة ، بما يطبعها من تجريد ، هي المهيمنة على البرامج السياسية للمنظمة .
فمنظمة العمل اذن ، قد قطعت ، وفي نفس الوقت ، لم تقطع مع المرحلة الفكرية السابقة ، لقد قطعت معها ، لان المنظمة اصبحت حركة سياسية ، ولم تقطع معها ، لان برامجها السياسية لم تتحرر بعد من الطبيعة المجردة التي ميزت الحركة الفكرية القديمة .
من هنا يتضح الربط بين مشاكل الجريدة ومشاكل المنظمة ، بحيث يصبح من العبث تفسير مشاكل الجريدة بمعزل عن مشاكل المنظمة .
لكن المنظمة تعيش حاليا مرحلة مخاض بالغة الخصوبة ، سيؤدي بدون شك ، الى ولادة سعيدة جديدة ، للمنظمة وللجريدة على السواء .
وعندما يتم حل اشكالية االبرنامج السياسي الملموس ، فان اقلام رفاق هيئة تحرير الجريدة ، واقلام اصدقائها ، ستتحول الى سيوف فتاكة ، لمقاومة وصد العدوان الزاحف الذي تشنه قوى الراسمالية الكولونيالية الجديدة على شعب المغرب ووطن المغاربة .
وفي هذه الشروط ، ستكون انوال ، ليس فقط ركنا من اركان الصحافة الوطنية الديمقراطية المغربية ، بل ، وبكل روح رياضية ستكون طليعة لتلك الصحافة جمعاء .
لااعرف من هو الرفيق الذي اقترح اسم انوال ، لكي يكون اسم جريدة الشيوعيين المغاربة الجدد ، لكن الاهم هو ان ذلك الاسم كان موفقا تماما ، لان الاعداء الذين حاربهم البطل العملاق الخطابي ، هم نفس الاعداء الذين يحاربهم اليوم احفاد الخطابي ، مع الفرق هو ان عدو الخطابي كان الراسمالية الكولونيالية القديمة ، بينما عدو احفاده هو الراسمالية الكولونيالية الجديدة ، التي اندمج مشروعها الراس مال المغربي الكبير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لغز الاختفاء كريستينا المحير.. الحل بعد 4 سنوات ???? مع ليمو


.. مؤثرة لياقة بدنية في دبي تكشف كيف يبدو يوم في حياتها




.. إيران تلوح بـ”النووي” رسميا لأول مرة | #ملف_اليوم


.. البرهان يتفقد الخطوط الأمامية ويؤكد استمرار القتال




.. وزير الدفاع الإسرائيلي: لا يمكن إخضاع دولة إسرائيل | #رادار