الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات امرأة من غزة ترفض الهزيمة

بدر الدين شنن

2008 / 11 / 18
حقوق الانسان


مازالت غزة تحت الحصار ، مازال مليون ونصف مليون إنسان فوق مساحة محدودة من الأرض ( 360 كم2 ) فقط .. رجالاً ونساء وشيوخاً وأطفالاً .. قيد الاعتقال في أقسى وأسوأ معتقلات العالم وحشية وتنكراً لقيم الإنسانية .. إنه حصار شامل .. أشد وأفتك من أي سلاح دمار شامل .. براً وبحراً وجواً .. من كل الجهات الاحتلالية والسياسية والجغرافية .. من جهة العدو الصهيوني شمالاً وشرقاً وغرباً ، ومن جهة الأشقاء العرب جنوباً .. ومن جهة الغرب الحضاري المصدّر للديمقراطيات وحقوق الإنسان .. ومن جهة الشرق العريق الغني بمناهل الديانات والشرائع والأبجديات ..

الحليب .. ممنوع على الأطفال الرضع لوأدهم في أحضان أمهاتهم ، قبل أن يكبروا ويصبحوا رماة حجارة ورماة صواريخ ..

العلاج .. ممنوع على المرضى ، حتى لاينهضوا من الفراش ، ليكونوا عبئاً على ذويهم وعلى محيطهم ، ولفرض نوع من ابتزاز الكرامة والدموع والإذلال .

النور .. ممنوع على أطفال المدارس .. ليبقوا بلا تعليم بلا بصيرة تدرك العدو من الصديق ، و تدرك المعرفة وسبل انتزاع الحرية .

الوقود .. ممنوع بأنواعه ، حتى يتلاشى الرغيف وصحن الطعام ويعم الجوع والإحباط .

الاسمنت والحجر .. ممنوع ، حتى لاينهض جدار ويستقر سقف لإيواء عائلة شهيد .

ضوء القمر .. ممنوع ، حتى تتصحر الأحلام ويعم اليأس .

ممنوع الصراخ بوجه الاحتلال ، لأن هناك من الأشقاء ورفاق السلاح ، من يعمل على إرضائه واطمئنانه وأمنه .

ممنوع مغادرة المعتقل الكبير ، عن طريق معبر يتولاه الأخ الكبير ، تحت التهديد بكسر الأرجل .. فالأخ الكبير أودع الأخوة في كامب ديفيد ، وآثر الإلتزام بالمعهادات مع سجان المعتقل الأول .

ممنوع سؤال الأخ الأغنى عوناً أو مساندة ، وعدم إحراجه أمام القادة الأعظم في العالم ، فهو يحتاج للمال والقدرة لدعمهم في أزماتهم المالية وحروبهم الكونية .

ممنوع إزعاج بني إسرائيل المزعومين .. القادمين من كل أصقاع الأرض ، بالرد على جرائمهم ووحشيتهم وعدوانيتهم ، فلهم حق اقتلاع الشجر وتحطيم الحجروذبح البشر .. حسب التوراة والتلمود وإنجيل العصر العولمي الحديث .. وحسب ميثاق عصبة الدول العربية الجديد .

الممنوع الأكثر بشاعة ووقاحة ، هو .. ممنوع على الشعوب العربية كلها أن تفكر ، لماذا لاتقوم الدول العربية وهي من نواح عدة ، تشكل قطباً دولياً جغرافياً وبترولياً ومالياً عملاقاً بإسقاط هذه الممنوعات ، وكسر الحصار على شعب غزة ، وإيجاد حل مشرف للقضية الفلسطينية ؟ ، وأن لا تفكر هذه الشعوب ، لماذا لاتقوم الأمم المتحدة بتطبيق قراراتها المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني كلها ؟ .

لاأحد قادر ، أن يتهم شعب غزة بالإثم والخطيئة ، حتى يستأهل هذا العقاب الجماعي الذي شمل من هم مع حماس ومن هم ليسوا مع حماس ، سوى لأنه مارس حقه الديمقراطي ، باختيار حر لمن أراد أن يتولى إدارة شؤونه ، الاختيار الذي طولب به من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية ومن قبل العالم كله . وإذا كان هذا الاختيار بنظر آخرين غير موفق ، لماذا اختيرت وسائل غير ديمقراطية ، ومنها الحصار الشامل الظالم والتواطؤ العربي والدولي لإسقاطه ؟ .

بالمقابل ، لاأحد قادر أن يبرر الحصار الشامل .. والعقاب الهمجي الجماعي لشعب مارس حقه الديمقراطي .. بمعنى أن يسكت على جريمة حرب ، بكل أبعادها الجرمية ، ترتكب علناً أمام العالم بحق مليون ونصف مليون إنسان .. تحت أية ذريعة .. وبأية وسيلة . إن ما يكابده شعب غزة من حصار ودمار وقتل وتجويع وترويع على الأيدي الإسرائيلية والعربية والدولية هو ، دوس فظ لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان ، ونكران محزن للأخوة العربية ، وا ستهزاء بالغ الأسى بالحدود الدنيا من حق الحياة والبقاء والكرامة الإنسانية ..

لهذا ، لاأحد غير أبناء غزة من يحق لهم .. التكلم الآن .. والاحتجاج والصراخ .. والدفاع المشروع عن الذات الإنسانية وعن الحق المشروع بالبقاء وفق الخيارت الحرة المقدسة ..
وفيما يلي .. رسالة من الأخت إيمان من غزة . أضعها أمام القاريء المتمدن .. أمام الإنسان الديمقراطي حقاً .. أمام الرأي العام .. أمام هيئات ولجان ومنظمات حقوق الإنسان العربية والدولية .. لعل حركة جدية تنهض لإنقاذ شعب غزة المحاصر ظلماً ، بدءاً من تكريس يوم عالمي لكسر الحصار ، كما هي دون إضافة أو تعديل :

" كلماتي من يومياتي قد لاتسعد أناساً وقد تحزن أناساً آخرين ، يومياتي تكتب في ظلام غزة الذي لاينتهي ، ظلام اشتقنا أن نرى فيه وجوه أبنائنا . لأن وجوهنا ما عدنا نريد رؤيتها . هذه هي الحقيقة . وجوهنا أصبحت كئيبة ومملة .. سئمت كل المرايا منها ، وما عادت ترغب برؤيتها ، وحتى إذا قبلت أن ننظر إلى أنفسنا من خلالها لن ترى إلاّ وجوهاً سوداء .
كم هي قاسية مشاعر اليأس هذه التي تتملكني في كل الظلام المحيط حولي . كم سعيت دائماً أن أنير حياتي بكل ما أوتيت من قوة . حاربت الظلام بكل أشكاله وألوانه . زرعت وروداً وياسمين حولي . حاولت كثيراً أن ألون حياتي بألوان قزح ، ولكن قدري أن أكون بلا ألوان ، أو حتى رائحة أو طعم .
اليوم أشعل الشموع كي أكسر الظلام . ولاأدري بعد أيام إن كانت ستكون هناك شموع .. بلا ماء أو كهرباء أو غاز كيف هي الحياة . كيف هي الأيام والساعات تعبر فوقنا وتدوس علينا ونحن نغير مطالبنا ، التي تمحورت حول مياه وكهرباء وغاز وأدوية وطعام . لله درك ياغزة الصمود يامن قاومتي الانكسار .. وإلى متى ستقاومين وأناسك مكسورين ومنهزمين .
في إحدى الليالي تملكني خوف شديد من الظلام ، أحسست بالغرفة تنطبق علي وتضيق أنفاسي . حاولت الصراخ . ولكن صوتي مكتوم كأنني فقدت لساني ، وقلبي ينتفض بقوة يبحث عن نور بعيد . ولم أجد أمامي سوى الهاتف لكي أرد على هاتف زوجي الذي احتضن ابني في غرفة ثانية .. قلت له أرجوك أن تضيء لي شمعة أو عود ثقاب فأنا أموت .

في تلك الليلة فهمت أن ظلام القلوب لن تضيئه كل شموع الدنيا أو مصابيح الإنارة المتوهجة , إن الهامات المكسورة المهزومة لن يشدها ويسندها كل العالم .

اليوم أعلنها بأنني أرفض الهزيمة وأنكر كل المهزومين ، فمهما قسوا علينا ومهما حاصرونا ، وإن انكسرت كل الهامات وطأطأت كل الرؤوس ، سأرفع هامتي المريضة وأطمئن قلبي الذي هو أعز ما أملك ، لأنه الوحيد الذي بقي سليماً معافى ، وأفتح عيوني في الظلام ، وسأبحث عن ضوء القمر ، وأفتش عن ألوان قزح ، وأشم رائحة البحر ، وألامس النجوم ، وأهمس للصدفات ، وأعانق الموج ، وأكتب كل رسائلي في زجاجات وأبعثها لكم جميعاً ، وأقول أنا لست امرأة مهزومة ، بل أنتم المهزومون . أنا لست امرأة ضعيفة ، بل أنتم الضعفاء ، وأنا امرأة قوية وأنتم الجبناء . فأنا أخرجت رأسي من الرمال .. من زمن طويل .. وسحقاً لكل الرؤوس المدفونة في الرمال .. فأنا امرأة من غزة .. "
" إيمان "
16 - 11 - 2008

لاتعليق واسع عندي .. أكتفي بما قدمت به رسالة " إيمان " .. وأتطلع بثقة .. بعيون " إيمان " التي كسرت الظلام وتسلحت بنور قلبها وإيمانها بوطنها .. أن أقرأ وأرى تضامناً حياً متواصلاً مع شعب غزة .. بمستوى إيمان " إيمان " بنفسها وبشعبها في غزة وفلسطين كلها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد أعمال العنف ضد اللاجئين السوريين في تركيا.. من ينزع فتيل


.. تركيا وسوريا.. شبح العنصرية يخيم وقطار التطبيع يسير




.. اعتقال مراهق بعد حادثة طعن في جامعة سيدني الأسترالية


.. جرب وحالات من التهابات الكبد تنتشر بين الأطفال النازحين في غ




.. سوريون يتظاهرون ضد تركيا في ريف إدلب