الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شجرة البلوط

رحاب حسين الصائغ

2008 / 11 / 18
الادب والفن


انسجمت خطواته وتعاقبت منفردة على الطريق خارج حدود المجمع السكاني.
حيث المدخل إلى القرية المنطوية بسكونها في قلبهِ، ومنسجمة تلك الخطوات الإيقاعية في ترددها المنفتح إلى عمق القرية، مع أول إطلالة فرح وضجيج الشارع الواسع الممتلئ بالدكاكين والباعة المتجولين، أفرغ ثقل شعورهِ بالتعب على وجهها الباسق بنظارته التي تشرح الصدر، وتناول بكفه كمية من نسيم الماضي ورشّ الفناء لينسق وقع قدماهُ وضياع صوتهما مع اعتلاء الأصوات المتدفقة من كل ناحية، بحرُ قلبهِ تحالف مع كل شيء رشّحَ عواطفهُ وأرغمها على أن تدخل على بيته البهجة رغم انقطاع تيار الكهرباء المستمر.
كان جدهُ قد غرس شجرة البلوط على جانب من الطريق العام بقرب الدار الذي وضع أساسهُ بنفسهِ مع أولادهِ، وأكمل الأحفاد بناءه الأخير إلى أن أصبح بهذا الشكل، وشجرةُ البلوط تعلو وتعلو إلى أن وصلت إلى ارتفاعها المعهود وحولها يلتف أغصان باقي الأشجار وشجرة العنب تبدو كثيرة التعلق بكل ما هو قريب منها؛ لذا هو يبتسم كلما قدم إلى البيت حين يغادرهُ لقضاء حاجاتهِ الحياتية، بعد أن أراحَ فؤادهُ ببث الذكريات العائمة برأسهِ، دخل البيت، ولأنّهُ يَشّكُ في ثبوت التيار الكهربائي المتذبذ أوقد القنديل النفطي ووضعهُ في مكان آمن في الغرفة وجلس ينتظر إعلان موعد الفطور من المسجد القريب، والكل جالس حولَ مائدة الإفطار الأخيرة من رمضان بعد أن أعلن من قبل الجهات المختصة أن ثبوت رؤية الهلال وكمال عدة الشهر المبارك، ففي أول يوم من هذا الشهر الشريف غادر القرية للعمل من أجل الحصول على دخل أفضل ليقدر على تسديد مصاريف شهر الصيام والعيد. فيهما تكون المصاريف إضافية مع تغير مواعيد كل شيء في مثل هذه المناسبات. وهاهو اليوم بين أفراد عائلتهِ.. زوجتهِ تزهو بوجودهِ وأطفالهِ فرحين ووالدته المسنة قد وفرّ لها الدواء والملابس السميكة التي تعيق دخول البرد القارص إلى عظامها.
لم يضجر كثيراً لعدم وجود التيار الكهربائي، مع أنّهُ أسس أكثر من مكان للمصابيح لتدخل السعادة إلى العائلة في كل أيام المناسبات وتزيد البركة؛ أخذ يقرأ في كتاب "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان" (لابن خلكان)* والظلام يعمُّ البيت؛ القنديل يشاركهُ الظلام وانعكاس شُعاع السيارات المارة في الطريق العام يجعله بين الفنية والأخرى ينظرُ شجرة البلوط والعنب التي شحبتا أوراقهما بسبب فصل الخريف وهوائهِ الجاف الذي يتعب النباتات وينعش أجواء السياسة في المدن الكبيرة على حسب ما يرِدُ في المذياع.
ابتسم بعنف للتجاوب المخيف بين الخريف والسياسة، بعد أن نفذَ النفط من القنديل لفّ رأسهُ بالفراش يداعب النوم عينيهِ وهو آخر من نام في البيت محتضنين فرحة صباح اليوم القادم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هام لأولياء الأمور .. لأول مرة تدريس اللغة الثانية بالإعدادي


.. اعتبره تشهيرا خبيثا.. ترمب غاضب من فيلم سينمائي عنه




.. أعمال لكبار الأدباء العالميين.. هذه الروايات اتهم يوسف زيدان


.. الممثلة الأسترالية كيت بلانشيت في مهرجان -كان- بفستان بـ-ألو




.. مهرجان كان 2024 : لقاء مع تالين أبو حنّا، الشخصية الرئيسية ف