الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من قلب الراحل عبد السلام المؤذن - المعتقلون في القلب -

بلكميمي محمد

2008 / 11 / 18
حقوق الانسان


ثمة مؤسسات بشعة في المجتمع ، لايمكن ادراك بشاعة كنهها ، الا بواسطة التجربة المعيشة ، وضمن هذه المؤسسات ، يوجد السجن ، فلكي يعرف المرء السجن ، لابد ان يمر بمرارة السجن ، ان قراءة ادبيات السجن تعطيك فكرة سطحية عن مظاهر السجن ، ولكنها لاتعطيك فكرة عميقة عن حقيقة كنهه .
ان البشرية منذ ان دخلت عصر الحضارة ، واصبحت بالتالي منقسمة طبقيا بين من يملك وسائل العيش والحياة ، وبين المحروم منها ، اضطرت الى اختراع وسائل الحفاظ على ذلك الانقسام الطبقي . فكان جهاز الدولة اهم اختراع يفي بذلك الغرض ، وكانت مؤسسة السجن احدى الركائز الاساسية لتلك الدولة القمعية .
نعم ان السجن بشع في حد ذاته ، ولكن الابشع منه ، ان يكون ضحاياه مجرد معتقلي راي ، كما هو الشان في حالة المغرب . وكما ان اللون الابيض يتكثف بياضه عندما يتم وضعه جنبا الى جنب مع اللون الاسود ، فكذلك تتكثف بشاعة السجن بالنسبة للسجين الذي يقضي سنوات طوال في الكهوف السجنية ، ثم يطلق سراحه فجاة في مهب الحرية . فالحرية لاتملك ماهيتها العامة والكاملة ، بالنسبة للوعي الفردي ، الا اذا تم تجريد الفرد منها لفترة طويلة.
البعض يسمي المجتمع المغربي ب « السجن الكبير » مقارنة مع السجن الحقيقي الذي هو في رايهم مجرد « سجن صغير » . فهذه المقارنة اذن ، تجعل جل المغاربة في السجن . مع فرق ، ان بعضهم يوجد في « سجن صغير » والبعض الاخر في « سجن كبير » .
والفرق اذن ، من وجهة النظر تلك ، بين السجنين ، هو مجرد فرق كمي .
واضح ان تلك الفكرة تقلل من بشاعة « السجن الصغير » ، وتضخم من بشاعة « السجن الكبير » . ان السجين الذي تلوى بلظي السجن ، لايمكنه ان يفكر مثل ذلك التفكير . ولذلك فان تخريجة« السجن الصغير» و « السجن الكبير » لايمكن ان تصدر الا من مواطن يجهل السجن . ولو كتب له ان عاش تجربة السجن ، لاقدر الله ، لكبر السجن في عينه وفي وعيه .
حقا ان المجتمع المغربي ، لايوفر لسائر ابنائه ، شروط الحياة الانسانية . ولذلك فالمواطن الذي يتمتع بحريته ، ولكنه لايملك القدرة على تصريف تلك الحرية في ما يحتاجه من وسائل عيش ضرورية زكريمة ، فان حريته تلك تصبح حرية منقوصة .
وحقا ان رجل الشرطة الصغير ، يمكنه ان يتطاول على ، ويهين رجل الشعب الكبير ، مما يجعل حرية هذا الاخير مفروغة المضمون .
ولكن الحقيقي ايضا ، وهذا هو الاهم ، ان « السجن الكبير» يوفر للمواطن الساخط على الظلم والتواق الى العدل ، ما لايوفره له « السجن الصغير » ، الا وهو : امكانية النضال ضد الظلم الاجتماعي والقمع السياسي .
ورغم بشاعة السجن ولا انسانيته ، فانه رغم ذلك يملك معقوليته الموضوعية ، التي ستمدها من معقولية الانقسام الطبقي للمجتمع المغربي . ومادام واقع ذلك الانقسام قائما ، فسيكون من قبيل العبث والطوباوية الاعتقاد بامكانية الغاء الظاهرة السجنية من الاساس .
ان مايمكن تحقيقه في شروط الانقسام الطبقي ، هو ماحققته فعلا المجتمعات الديمقراطية ، وهو دمقرطة المؤسسة السجنية ، مادام غير ممكن اقتلاعها من الجذور .
والدمقرطة تعني ، تخفيف المعاناة على معتقلي الحق العام ، والغاء الاعتقال على الخصوم السياسيين .
ان المواطنين المغاربة المعتقلين يعانون من السجن ، بشكل مضاعف ، فهم يعانون منه كسجن في حد ذاته ، ويعانون منه بسبب انعدام دمقرطته .
ولا اعرف مجموعة سياسية معتقلة ، في التاريخ الحديث ، قد عانت من الظلم السياسي ، مثلما عانت وزال تعاني مجموعة السجن المركزي بالقنيطرة . ان مجموعة المركزي تثير نزيف القلب والوعي ، وتحث على السخط والاشمئزاز .
ان الشعوب المتحضرة ، تتباهى بطليعتها في مجالات تفجير طاقات الابداع الانساني لدى مواطنيها ، بينما الانظمة التي لم تستوعب من الحضارة الحديثة ، سوى قشرتها ، كما هو الحال بالنسبة للمغرب ، فانها تتباهى بطليعتها في قمع معارضيها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خالد أبوبكر: أمريكا وأوربا تجابه أي تحرك بالأمم المتحدة لدعم


.. موجز أخبار الرابعة عصرًا - الأمم المتحدة تشدد على ضرورة إدخا




.. سفير إسرائيل بالأمم المتحدة: قرار واشنطن وقف بعض شحنات الأسل


.. بعد إعلان إسرائيل إعادة فتح معبر كرم أبو سالم.. الأمم المتحد




.. كاميرا العربية ترصد أوضاع النازحين في مخيم المواصي