الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرحيل

ناجي حسين

2008 / 11 / 20
الادب والفن


كم تفكر بالهرب , الدروب لا تطاق , الأشجار العملاقة بدت باهته , تود لو تفسر كيانها الضيق ولكن ثمة عاطفة أستيقظت , تلك التي طننتها أنطفأت منذ زمن بعيد , وهي تقترب من غرفته الأسطورية ,تتسلل رطوبة القبو إلى عظامها , وإلى خلايا جسدها الناحل.
تئن
تنقر الباب بلطف
حدثها يوما بأن مشاعره أشد ألتصاقا بالتربة , مثل ضوء يلج المسافات في بدء الفجر , كي تلغي ما علق على أروقة الزمن المسافر.
شدهما الحلم معا إلى ندوة عشق أبدية , ولكن ثمة دموعا تأبى أن تنحدر قبل أن تتحول إلى شوكة في الحلق.
أنت
قال لها ياأحب الناس
بعدها عاشت حرة كدفقة الكون , نابضة مشعة بألق الحياة , لامست الأرض بكل مسراتها وأحزانها , أرتاحت على أعشابها كما قطرات الندى , تعيد نقر الباب , بذعر كعصفور الحب , رأى نفسه في الحلم ذات ليلة , طيرا فقد جناحيه وهوى في فراغ لا أرض له , ومن ثم أضحى قمرا يحتضر مترنحا بين هياكل الأشجار الرثة .
أنت
تتسمر نظراتها على أرض متأكلة . كان واضحا أنه يتعرض لنوبات شرود , وأحيانا تسكن قسمات وجهه عذابات أقسى من عذابات أرض عطشى , ويبقى كقوس مشدودة متأهبة للإطلاق.
تضرب الباب بقبضتها..
يطل وجها يائسا ..
الأحباب ذهبوا بعيدا ..
تصرخ .. دون صوت ..
تبذل جهدا كي تهرب , فتعلق آلامها على ذيل نجمة هاربة في الفضاء الرحب..
سنوات الأنتظار تشعبت في جسدي جذورا قاسية.
ما أصعب الأنتظار الوليد , كانت ترنو إلى دجلة كالشمس الحزينة .. جفنها مِزودٌ للدمع، ورمح الوعد في قلبها يجرّها إلى معارج الظنون، ويرميها مُهرة مسرجة بالآهات تحمحم في معابرها لاهثة تستجدي الأمل من كل فزّاعة تراءت لها بين أشجار الغَرب... وجهها يختزن ملامح الفصول، وعيناها تذوبان في سعة المدى، تحدقان في هلع الغيوم كمن هزّه الشجن، فهرول ملقياً شباكه كي يصيد من سماء الانتظار طائر الزمن.. ما زالت تحفظ عباراته وموعده:
"تعالي قبيل الغروب حبيبتي، فالقلب مزّقه الحنين، وهدَّه السفر، وهاتي من حصاد السحب ما يسخو به المطر... هاتي حفنة من الرطب أنثرها على عمري فأمسح بها منفاي.." وما زالت
تردد في جوف كل أصيل:
أنا مجنونة بك حبيبي... سأظل أدوّن في ذاكرتي ملامح وجهك السومري، ونبض قلبك النبوي... أنت في دمعي كتاب الفرح، وبين آهاتي دفء روحي... صار وجهي وجهك القريب البعيد،
وصار صوتي صوتك الفضي حين يهمس في أذن المآذن كل حروف العشق , لأبو نؤاس شارع يمتد في كأس‏ , وتمثال يدير الغيم من كفيه‏ , ارجع يا أبا النشوة في سهراتنا‏ , جفت عروق الورد‏ , غادر التمثال واسكن في الحوانيت القديمه‏ , واجمع الأحفاد حول الدّنِّ‏ , يلتذّون بالرّقص وقد باعوا أوانيهم‏ , ليبتاعوا نبيذاً‏ , غلبوا في غفلة الحرب فأيقظهم وباركهم ،‏ فإن الليل يغدو بين عينيك لذيذا‏ , يا أبا النشوة رحماك‏ , أفِضْ من بركات الكرم في هذا الرمادْ‏ , علّ أبناء الندى ينسون أنَّ الظهر مكسور،‏ قم وانتشر كالنور من شرفات بغداد‏ ..
فهل تلتفّ حول خصر الرافدان الذراع؟!
هل تنحني أنفاسك لتلمَّ شذا روحي بعدما عبثت به الريح الحرون؟!
أم تراني مازات أهجر النهر والجسر والرصيف، وأقبع في دوامة التيه بلا نصيف؟!
حبيبي تعال حدثني... أنزع عن صدري هذا الكابوس الجاثم... هذا الحزن القاتل... هذا النصل المغروس بقلبي... لا تتركني وحدي كالطفل الضائع دون عينيك يا عراق ، فأنا أغرق في بحر من خوفي.. حبيبي تعال أنقذني من رؤى روحي وهدير نوحي، وأغلق شباك حزني، فشموس الجراح تلسعني، ولهيب الأنتظار يحرق أبجديات العويل، وصار الصوت في شفتي ينادي:
الحب مثل هذا الصمت الخانق , تتولد جروح نازفة , بقت مفتوحة للرياح , لم تخنقني الرطوبة وقذارة الفضاء , والشارع ورائحة عرق الأجساد . إنما خنقتني تلك الرائحة العطرية المبخوخة فوق عرق الجسد , خنقني الأنتظار.
أنتظرت ثلاثون عاما كأنها ثلاثة قرون. وتبلدت أمام مقلتي حلقات من الوجع الوجداني والنفسي وبقي جسدي يقاوم موجات مؤلمة , كدت أتشرد وأهيم على وجهي في صحراء المنافي , حاولت أن أدمل جراحي وأمزق ما تبقى من أوراق محفزظة في ذاكرتي لكنني أصبت بمرض التردد , وكنت كلما حاولت ذلك يفاجئني الحب المعتق , المطمور في زجاجة نبيذ أحمر , أقول لنفسي : أشرب أيها الهارب من الجمر , أسكر فوق عتبة الأنتظار .عانقت قضبان السجن , عرفت حياة الزنزانة , وكنت في سجن دون جدران , سجن مفتوح للهواء , لا تغلق أبوابه , جسد دون أطراف , قلب يحتضر , أنغرست في عضلته إبر , خرجت الوخزات مدماة , أنتظرت , وأنتظرت صابرا , مكابرا , حالما , أحمل في كفي رائحة بلادي , أحمل فوق كفي أهلي ومنفاي ودمعة أبت أت تظل مقيدة في محجرها , تدحرجت تحمل جرافة , تحفر طريقها فوق خدي المحاذي للقلب. ثلاثون عاما تقابلها ثلاثة قرون من الأنتظار يحرثها بمحراث الحنين ليوقظ فيها غراب العذاب، وينبتها وردة فوق نافذة المستحيل , غرست عينيها في سرير النهر الحزين... عورة الأفكار مكشوفة، والمواعيد ما زالت مثقلة بالأنين، وعيون السابلة ملآى بالتوجس، وأصوات نزيف تستبيح المدن والهواء, الجمر المكتوم في شفتيها ما زال ينتظر من يرسم فيهما عطشه ولا أحد غيره، والكمد المشبوب في ضلوعها حرائق مشتعله... عندما رفَّ النسيم، وهرول الليل كانت العيون يفحُّ من أحداقها الرعب... شعرت بالبرد والخوف، فلملمت جسدها وروحها وصاحت في بقايا الأصيل:
يا شفق الوعد بددني أريجاً وخذني إليه ، واجعل دمي قطباً لريح الغد ، فأنا أعرف أنه الكسوف حيث تختفي الشمس لتتركني طفلة تنام على جناح الوقت حتى يعود...
قالوا لها: لن يعود...
قالت: شموخ النخيل تقول سيعود...
كانت كل يوم تناجي الأصيل، وتشتكي إلى الرافدين علَّه يعود بالجواب، فتنقضي مواسم القطاف دونما قطاف، وتهجر العنادل أعشاشها يرحل الصباح، وكلما تحدّرت على الجبين قطرة من العرق مسحتها والريح تحثو على الرؤوس بالتراب، وتملأ الطريق بالورق...
وعندما اشتعلت وانطفأت سنين طويلة حملت قلبها الذي انتظر تسيح كالدرويش يفتش السماء عن ماء لتوري يابسة السنين، وكان الرافدين مجللاً بالطحالب. الاسمنت يرقد بوحشية على ثدييه، وعلى سريره نفايات وحطب، بغداد سيدة العويل‏ , لكنها الجسد الذي يأبى سوى التحديق‏ , في عشب الخلود, وهي المصابة بانكسار السهم ليل الحرب , وهي الروح إذ تلتمّ في زغرودة‏ , نفضت ضباب الحلم‏ , وائتلقت كأن لا موت في مدن‏ , ولا بلوى ولا نجوى‏ , سوى ما يضمر العشاق من عطر المساء‏ , بغداد والدة البقاء, بقيت مخلصا , وفيا , للعراق العظيم على أمل أن (المعارضة)* تحفظ العهد المقمط بالريحان وتصون الشرف .. ولكن !!!

* المعارضة:غدت بيدقا للغزاة المحتلين وعدوا رئيسيا للعراق وشعبه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي