الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جريدة المساء المغربية: كشف لعورات حرية التعبير

يوسف هريمة

2008 / 11 / 19
حقوق الانسان


يصطدم الإنسان حقيقة عندما يقرأ الواقع العربي قراءة تفصل أجزاءه، وتعرضها للتشريح بمنظار ما اكتسبته الإنسانية من قيم ومبادئ وحقوق، وكلما أمعن النظر إلا واكتشف حجم الهوة السحيقة بين ما وصلت إليه الإنسانية في عالم اللامكان واللازمان، وبين بلدان قد أصابها الشلل في مسيرة متعثرة مما تسميه تنمية بشرية بشعارات جوفاء. لما توصلت المجتمعات بتراكم معرفتها إلى النهوض بما يحقق كرامتها وحقوقها إلى مفهوم التنمية، كمفهوم شامل يتداخل فيه الاقتصادي بالاجتماعي بالثقافي... كان الإنسان مرتكزا لكل هذه المقاربات، إذ لولاه لأصبحت هذه المفاهيم لا حقيقة لها إلا في أذهان الساسة والمؤدلجون ومن يقتات من الشعارات الفارغة. لكن بلداننا وللأسف الشديد لم تأخذ الإنسان إلا واجهة تحقق به أغراضها وسياساتها بما يضمن لها البقاء ولا شيء غير البقاء.
دفعني لكتابة هذا الموضوع ما يحدث هذه الأيام لجريدة مغربية اسمها " المساء " وما حدث من قبلها وسيحدث لمن بعدها إذا ما اختارت القلم الحر أو الحديث باسم الطبقات المسحوقة، وكشف الأقنعة عن الكثير من الطابوهات السياسية. اندمج المغرب في مسلسل من الإصلاحات التي همت مجموعة من القطاعات وكان من المرتقب أن تمس هذه الإصلاحات أو جانبا منها حقوق التعبير وتحديدا حرية الصحافة. كل الناس استبشرت خيرا ورأت بأن العهد الجديد هو عهد ستكون فيه الصحافة وحريتها هي الضامنة الأساس، ليتحرك المسلسل الديمقراطي الحقيقي الذي لا يمكن أن يسير دونما سلطة رابعة تراقب وتكشف كواليس السياسة ومجالاتها للرأي العام. لم يحدث كل هذا وتوالت هفوات الدولة وشططها في ممارسة الرقابة على المجال الإعلامي، وحذرت منظمات وتقارير أممية من المكانة المنحدرة التي قد يؤول إليها الوضع في بلد ينشد الحرية على الأوراق ويقمعها في واقع الحال. لم تكتف الدولة بالسجن أحيانا وتوقيف الصحافيين تارة أخرى، والمصادرة والتوقيف للبعض الآخر إلى أن جاء دور المساء وظاهرة " رشيد نيني " التي أصبحت محط تساؤل وارتباك حقيقي في المشهد الصحفي المغربي بكل تجلياته.
ابتدأت المساء بسواعد صحفيين مستقلين وبمال ثلة من الإعلاميين المرموقين على رأسهم رشيد نيني وتوفيق بوعشرين وعلي أنوزلا، وفي ظرف وجيز جدا أصبح العمود الذي يشرف عليه نيني من أهم الأعمدة التي مرت في تاريخ المغرب، وضربت المساء أرقاما قياسية في عدد القراء والمشاهدين بشكل أثار حفيظة الكثيرين ووضع التساؤل حول خطر اسمه المساء أو رشيد نيني تحديدا. كان لزاما أن تشعل المساء حراكا إعلاميا وسط الصحف الحزبية والناطقة باسم هذا الاتجاه أو ذاك، تعرضت فيه الجريدة لأكبر هجمة تشكيك في النوايا والمصداقية أوصلت الأمر إلى حد الاعتداء على الصحفي المباشر والمستهدف في عموده من كل هذا اللغط الإعلامي.
إن مشكلة بلداننا هي تجزيء النظرة إلى التنمية، فالتنمية لا تعدو أن تكون خطبا في أعرافهم أو محاضرات أو ندوات على طريق التحضير للانتخابات، أما أن تكون توسيعا لحرية الإنسان فلم يحن الوقت إلى ذلك المراد، وكلما سطعت شمس أقلام تناشد الحرية أو تكتب باسم الظلم أو الحقوق المهضومة، وتعرية الواقع ومكاشفة الحقيقة كسروها قبل أن تنضج كما هو الأمر في موضوع مدارستنا. كنت قد كتبت موضوعا قديما بعنوان:" الشذوذ الجنسي حرية أم انحدار " عالجت فيه قضية زواج مثلي في مدينة القصر الكبير المغربية، هذا الزواج هو من حرك لعبة القضاء على الجريدة. واكبت هذه الأخيرة تفاصيل هذا الزواج ونقلت تصريحات وأخبار ومشاهد، فكان أن اتهمت بالترويج وتهييج الشارع ضد قيم السلم والمسالمة والمس بالأمن الاجتماعي. كانت فرصة مواتية لكل من يريد التخلص من الجريدة حينها ويترقب العثرات أن يتتبع ذلك المشهد النادر في التاريخ المغربي، حين انزلق العمود وأخبر أن من بين الحضور لذلك الزفاف حينها ومن بين الداعمين له وكلاء للملك بنفس المدينة. ارتفعت الأصوات وأعلنوها حربا على الجريدة بالرغم من اعتذارها وعدم ذكر أسماء معينين وسلموا الملف للقضاء وما أدراك ما القضاء حين يتحول إلى قدر مشؤوم.
إن الأمم تتطور كلما تطورت بنيتها القضائية واستقلت وأخذت العدالة مجراها الطبيعي، دون تحيز أو مفارقات تجعل من الشعب مجرد واجهة لتحقيق أهداف ورغبات دون أخرى، وما لم يتطور هذا الجهاز الأساسي في حركة الشعوب سيبقى الأمر على ما هو عليه، وستبقى شعوبنا ترى في التنمية أملا بعيدا لا يمكن تحقيقه في عالم لا يؤمن حتى بحرية الكلمة ولو كانت بسيطة بساطة شعوبنا وتعطشها لصحافة واعية ومسؤولة وناطقة بآماله وآلامه على حد سواء. تحرك القضاء وتحرك معه القدر وكانت النتيجة الحكم ب 612 مليون سنتيم على جريدة فتية ما زالت في بداياتها و400 مليون سنتيم لمحامي آخر كان وزيرا لحقوق الإنسان في الحكومات السابقة، وأعلنوا الإفلاس المباشر للجريدة وتشريد نخبة من الإعلاميين عرف المجتمع مصداقيتهم رغم كل الأخطاء أو التوجهات.
ما معنى التنمية إذا لم تكن حرية؟
ما معنى القضاء إذا لم يقض وفق مبادئ وأسس العدالة؟
ما معنى مقتل جريدة فتية إلا مقتل أكثر من 200 ألف قارئ يومي؟
ما معنى حق الإنسان إذا هضمت حقوقه بالليل والنهار؟
حقيقة لا يجد الإنسان أمام هذا المشهد اللامتناهي في التناقض إلا أن يقول بيننا وبين التنمية أمدا بعيدا، فإسكات الصوت الحر والمستقل هو رسالة حقيقية لمن يريد أن يتكلم لغة الواقع مهما وصفوه بالسلبية أو الشعبوية أو الأدلجة أو التيئيس. ويبدو أن المغرب لم يستفد الكثير من ماضيه ففي الوقت الذي ينادي فيه بالإصلاحات تزيد الممارسات غير المسؤولة وغير الواعية انتشارا وهيمنة وعلى مختلف المستويات، ولا يدري الإنسان حقيقة وسط هذا الركام من التناقض أين ستؤول الأمور في ظل حقوق توزع بالملمتر، وفي ظل قضاء ليس في مفهومه إلا القمع والردع كمقاييس بديلة عن العدالة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السلطات التونسية تنقل المهاجرين إلى خارج العاصمة.. وأزمة متو


.. ضجة في المغرب بعد اختطاف وتعذيب 150 مغربيا في تايلاند | #منص




.. آثار تعذيب الاحتلال على جسد أسير محرر في غزة


.. تراجع الاحتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية.. واعتقال أكثر




.. كم بلغ عدد الموقوفين في شبكة الإتجار بالبشر وهل من امتداداتٍ