الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مع قهوة الصباح

رضا الشوك

2008 / 11 / 19
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق


من بين وسائل الكفاح العديدة التي يمكن أن يخوضها أبناء وادي الرافدين على إختلاف مكوناتهم وعقائدهم الدينية والمذهبية في الظروف الحالية ، هو أن يصنعوا آمالاً حقيقية ويبحثوا عن طرق ممكنة للخلاص من الأوضاع الشاذة المستشرية في كيان الأمة العراقية منذ سنين مديدة ، وإن أفضل خدمة يمكن أن يقدمها أصحاب الوجدان والفكر النيّر في هذه الفترة ، أن يشخصوا حقيقة الأزمة التي نعيشها ، ووسائل الخلاص منها بكل جرأة وشجاعة ، لكي نشق درباً جديداً يقودنا الى الإستقرار والعدل والسلام .

مع إعترافنا الصريح واليقين بمسؤولية النظام البائد ومعه القوى الإمبريالية عن الكوارث المستمرة في وطننا ، وبسبب تفشي الأمراض الإجتماعية والنفسية المزمنة المتمثلة في التمزق بين الأنتماء الوطني والإثني والديني والمذهبي الذي ساهم بشكل مباشر في خلق أوضاع سلبية عرقلت مسيرة التقدم الذي تلى تأسيس الدولة العراقية الفتية ، إلا أن هذا لا يمنعنا من الإيمان المبدأي إزاء كل إنسان عراقي أو جماعة ، وكما قال الإمام علي(ع) بهذا الشأن " أن لا أحد في الكون قادر أن يؤذيك أو ينفعك دون أستعدادك أنت ورغبتك وإيمانك العميق بأستحقاق الأذى أو المنفعة ، إن الخارج مُكملٌ للداخل وأن الآخر يعادلك حسب معاملتك أنت نفسك وكما أنتم يولى عليكم " . لهذا ينبغي أولا وقبل كل شئ أن نملك القدرة على التخلص من ظلم الآخر بعد تخلصنا من الظلم الداخلي ، النفسي والفكري الذي يُعشعش في روحنا وينهش ذاتنا ويجعلها فريسة سهلة لعدوان القساوة وهيمنة الطُغاة .

إذا كان على الفرد أن يفتش في أعماق روحه عن أسباب معاناته في الحياة ، فإن على الشعب أن يبحث في عقليته السائدة وطبيعة البنية الفكرية والثقافية المسيطرة عليه والتي لا بد أن تكون هي الأخرى مساهمة بشكل مباشر أو غير مباشر في بث روح الانكسار والهزيمة والضعف في كيان الأمة العراقية وإضعاف أفرادها أمام مصاعب الحياة ومن ثم تسهيل هيمنة الحفنة الشريرة على مصير البلاد لأكثر من ثلاثة عقود ونيف ، اتُبِعَ خلالها سياسة تدمير البلاد ونشر صناعة الموت والهدم والدمار لكل معالم الحياة في هذا الجزء من العالم الذي يسمونه بلاد ما بين النهرين .

في بداية القرن العشرين بدأ المجتمع العراقي يولد من جديد ، لكن هذه الولادة السياسية كانت مشوهة لأنها تمت على أيدي غير جديرة وغير كفوءة ، كما أن الذين أشرفوا على تأسيس الدولة العراقية المعاصرة هم الأنكليز ، فهم منذ البداية كانوا يرون فينا بشرا لا يستحق الحياة ، وأناس بلا هوية ولا ملامح ، حتى أنهم كانوا يرجمونا بأحجار الحقد والكراهية والجحود بسبب المتاعب التي جابهوها إبان اندلاع ثورة العشرين ، عندما أقدموا على رسم خارطة الدولة الجديدة بحيث تتناسب ومصالحهم الإستعمارية واستعمال القوة في قمع الأفكار الحداثية بحجة التخلص من تأثيرات الحقبة العثمانية المظلمة دون الأخذ بالإعتبار تاريخ العراق العريق وتقاليده وقيمه النبيلة، وكان من الطبيعي أن تبادر النخبة العراقية بإعادة إحياء الهوية الزمنية التي بقيت حيةً في الروح العراقية على إمتداد آلاف السنين ، رغم عوادي الزمن والحُقب الداكنة لأن جذورها ظلت تتغذى من مياه النهرين الخالدين مستمرة في الأرض والناس والأديان والآداب والعادات والغناء والموسيقى وفي مختلف تفاصيل الحياة . لكن الذي حصل هو العكس تماماً فبدلا من إعادة إحياء هذه الهوية وإعطائها الأبعاد السياسية والعقلية الحديثة وإشعار العراقيين بأنهم مهما أختلفوا لغوياً ودينياً ومذهبياً فأنهم جميعا ينتمون الى هذه الأرض الطيبة والى هذا التاريخ العريق . وما يحز في النفس هو أننا نسينا أن الآرض التي ننتمي إليها تَعبُق برائحة الحضارة وتزخر بها في التراث والعادات والتقاليد العريقة .

إن آفات الموت التي تعبث الآن في وطننا لن تمنعنا في التمسك بآمال الحياة ، وان الشعوب الحية ومنها شعبنا العراقي هي التي تَنحَتُ أنصابا للحرية ومن عذاباتها تصنع أنواراً للمستقبل ، فلابد ليوم الغد أن يبزغ على ربوع العراق ، هذا البلد العزيز على قلوب أبنائه ، باني أول حضارة أنسانية في تاريخ البشرية .

ستعود من جديد راية وادي الرافدين ترفرف في سماء العراق الجديد ، عراق العرب والكرد والكلدوآشور والصابئة والشبك والإيزيديين وغيرهم من الأقوام المتآخية منذ فجر التاريخ ولهذا اليوم ، وصدق الشاعر الموهوب أبو القاسم الشابي حينما قال :

إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر

ولابد لليـل أن ينجلــي ولابد للقيـد أن ينكسـر

----------------------









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سودانيون يقتاتون أوراق الشجر في ظل انتشار الجوع وتفشي الملار


.. شمال إسرائيل.. منطقة خالية من سكانها • فرانس 24 / FRANCE 24




.. جامعة أمريكية ستراجع علاقاتها مع شركات مرتبطة بإسرائيل بعد ا


.. تهديد بعدم السماح برفع العلم التونسي خلال الألعاب الأولمبية




.. استمرار جهود التوصل لاتفاق للهدنة في غزة وسط أجواء إيجابية|