الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالم يتغير

سعد محمد رحيم

2008 / 11 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


لا أحد بمستطاعه أن ينكر أن فوز باراك أوباما في انتخابات الرئاسة الأميركية يعد علامة فارقة في التاريخ الأميركي، ومؤشراً على أن العالم يتغير من حولنا. ونحن قطعاً لا نتحدث، في هذا المقام، عن السياسة الأميركية وفيما إذا كانت ستتحول في اتجاهاتها ومواقفها مع وصول رجل ملوّن من أصل أفريقي إلى المكتب البيضاوي ( في البيت الأبيض). لكن علينا أن نستعيد حقيقة أنه وحتى عقود ماضية قريبة كانت ظاهرة التمييز العنصري طاغية في المجتمع الأميركي وبشكل سافر، ولم يكن يسمح للسود بدخول نوادٍ ومطاعم ومقاهٍ معينة، أو في الجلوس على المقاعد المخصصة للبيض في الحافلات ودور السينما والمسارح. ولابد في مناسبة مثل هذه أن نتذكر نضال شخصية عظيمة مثل مارتن لوثر كنغ المدافع العنيد عن الحقوق المدنية في الستينيات من القرن المنصرم والذي اُغتيل في ظروف غامضة برصاصات عنصرية لتفرض عملية اغتياله على أميركا منطقاً جديداً في العلاقة بين البشر الذين يجب أن يُعاملوا من غير تمييز على أساس العرق أو الدين أو اللون أو الجنس أو المعتقد، الخ. مثلما تقول الشرائع السماوية والأرضية ومنها الدستور الأميركي ذاته. ولولا كفاح وتضحيات رجال مثل كنغ لما استطاع رجل مثل أوباما أن يحقق ما حققه. ومن الجلي أن أميركا بهذه الواقعة الفريدة قد انتصرت على نفسها حقاً، وكفّرت عن بعض خطاياها ( وهي كثيرة ) وبرهنت مرة أخرى على أنها أرض الفرص، في الغالب ( ومن غير الخروج عن محددات مرسومة ) لأولئك المالكين روحية الكفاح والإصرار ووضوح الهدف.
يمكن أن نجد مثالب لا تحصى ننتقد بها أميركا ولاسيما في سياساتها، في مقابل وجود مزايا كثيرة تُعجبنا فيها وتُدهشنا. والمجتمعات والدول كلها لا تنطوي على خير مطلق أو شر مطلق، وإنما هي تحمل بين ظهرانيها أشياء من هذا وذاك. وليست بالضرورة أن تكون مقتضيات إدارة الدول ومصالح القائمين عليها متوافقة مع طبيعة المجتمعات وقيمها ونوازع البشر فيها.
كان الشعار الذكي الذي رفعه أوباما وكفل له الفوز هو التغيير؛ ( لنغير أميركا ). وما يمكن أن يعجبنا في الأميركيين هو هذا الميل نحو التغيير من دون خشية. وفي صبيحة يوم الانتخابات في الرابع من تشرين الثاني دعا أوباما الأميركيين إلى اصطحاب عائلاتهم وأصدقائهم إلى صناديق الاقتراع "لنغيّر أميركا اعتباراً من الغد" كما قال.
هاجس التغيير فضيلة بشرية وحضارية وأظن أن المجتمعات لن تنهض وتتقدم من غير هذا الهاجس وهذه الفضيلة. أما المجتمعات الخائفة من الغد ومتغيراته ومفاجآته فمآلها الركود والتخلف.
وعلى الرغم من أن الكاتب الأميركي هنري ميللر كان يصف بلاده بأنها الكابوس مكيف الهواء إلا انه كان يقول أن أفضل ما في الإنسان الأميركي هو إيمانه بأنه قادر على النهوض ثانية إذا ما سقط. وقد تعلمت أميركا من العالم إلى حد بعيد، وأخذت خلاصة خبراته منذ نشوئها، ومن حق العالم أن يتعلم من أميركا ما يفيد. ومن أهم ما يجب أن نتعلمه منها هو روحية المغامرة المحسوبة، التي عدّها وايتهيد أحد أركان الحضارة، والتقدم نحو المستقبل بثقة وعدم الخوف من التغيير الذي يضعنا على عتبة حياة أرقى.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكبر هيكل عظمي لديناصور في العالم معروض للبيع بمزاد علني.. ب


.. لابيد يحذر نتنياهو من -حكم بالإعدام- بحق المختطفين




.. ضغوط عربية ودولية على نتنياهو وحماس للقبول بمقترحات بايدن بش


.. أردوغان يصف نتائج هيئة الإحصاء بأنها كارثة حقيقية وتهديد وجو




.. هل بإمكان ترامب الترشح للرئاسة بعد إدانته بـ34 تهمة؟