الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سورية , أمريكا , بين الماضي والحاضر

فريد حداد

2008 / 11 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


صورة من سورية الخمسينات : في حقبة الخمسينات من القرن الماضي , كان على الرئيس الراحل شكري القوتلي أن يعتذر أمام البرلمان السوري لأستخدام زوجته آنذاك لسيارة الرئاسة التي هي ملك للدولة في أعمال خاصة بعد أنتهاء الدوام الرسمي . وقدم من جيبه الخاص مبلغ 5 ليرات سورية لخزينة الدولة ثمناً للمحروقات التي استهلكتها السيارة في حينها . أتى ذلك بعد انتقادات حادة تعرض لها في جلسة اليوم السابق للأعتذار من عدد من البرلمانيين كانوا قد شاهدوا الحدث .

صورة من أمريكا الخمسينات : في يوم من عام 1955 , وفي مدينة مونتغمري بولاية اولاباما الأمريكية , أضطر سائق حافلة ركاب للتوقف واستدعاء رجال الشرطة , بسبب ان إمرأة سوداء تدعى روزا باركس , رفضت ان تُخلي مقعدها في الصفوف الأمامية من الحافلة والمخصصة للبيض والعودة الى الكراسي الخلفية المخصصة للسود, وما كان من الشرطة الا أن اعتقلوا المرأة بتهمة مخالفة القوانين .

حدث في سورية الستينات : أنقلاب عسكري في 8 آذار 1963 وأعلان قانون الطوارئ وحالة الأحكام العرفية , نجم عنها حل البرلمان , وتعليق الدستور, وحل الأحزاب , وأغلاق الصحف . وكل ذلك تم تحت يافطة تدمير " أعداء " الشعب و حماية " الثورة " . ولهدف بناء المجتمع العربي الأشتراكي الموحد .

صور في أمريكا الستينات : توفيراً لجهد الموظفين , وضعت الكثير من الفنادق والمطاعم يافطات على مداخلها تقول ( ممنوع دخول السود والكلاب ) . وبعضها كان يقول ( ممنوع دخول السود ) , فقط .

سورية في السنة الثامنة من القرن الواحد والعشرين أي بعد 45 عاماً على سيادة قانون الطوارئ , يُصدر وريثها مرسوماً جمهورياً لتحصين القتلة في أجهزته الأمنية بمنع تقديمهم الى المحاكم في حال ارتكابهم جرماً بحق أحد المواطنين أثناء قيامهم بعملهم الا بموافقة القيادة العامة للجيش . كما كان قد أصدر وسيستمر في إصدار مراسيم لتمكين أفراد عائلته من نهب الأقتصاد الوطني ( الهاتف الخليوي والمناطق الحرة وغيره ) ولايكلف نفسه عناء اصدار مراسيم لنهب البترول والآثار وغيرها فتلك تُنهب من باطن الأرض فوراً قبل أن تصبح " داخل " الأقتصاد .
وبنفس الوقت يُمنع أغلب أبناء الشعب السوري من شغل مقاعد في الوظائف العامة أو الجيش , وتُصبح حكراً على أعضاء حزب النظام , لابل يُمنع الكثير من ابناء الشعب السوري من دخول البلاد برمتها وتُمنع جوازات السفر عنهم وعن أولادهم الذين أصبحوا بحكم ولادتهم في الخارج وعدم حصولهم على وثائقهم المدنية , غير سوريين .

أمريكا في السنة الثامنة من القرن الواحد والعشرين أي بعد 53 عاماً, من رفض السيدة روزا باركس , لإخلاء مقعدها للرجل الأبيض وتعود الى مقاعد السود . أخلى الرجل الأبيض المتعصب جورج بوش الأبن (. بموجب القانون) . مقعده في الصف الأول من الولايات المتحدة الأمريكية برمتها, لرجل أسود ونصف مسلم أيضاً , ليعود هو وتعصبه للصفوف الخلفية في المجتمع الأمريكي , وليتصدر الرجل الأسود الحافلة الأمريكية كلها .

***************

يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية فأراً صغيراً يُدعى ( بالفأر السوري ) , وتعود تسمية هذا الفأر بالسوري, لأنه حسب زعم العالمين , كان أول دخول له الى أمريكا مع شحنات القمح التي كانت أمريكا تستوردها من سورية في الأربعينات من القرن العشرين .
لايوجد اية دراسة حكومية سورية شفافة وصادقة عن وضع القطاعات الأقتصادية المختلفة في سورية , ولكن مانسمع في الأخبار أن رئيس دولة الأمارات العربية المتحدة قد تبرع العام الماضي لدى زيارة بشار الأسد للإمارات بكمية كبيرة من القمح للشعب السوري . هذا يعني أنه بعد 45 سنة على بناء" الأشتراكية" في سورية " وتمليك " الأرض لمن يعمل بها , فسورية لاتُنتج غذائها . بعد أن كانت مصدرة للغذاء في الأربعينات

خلاصة القول . في سورية الغير محكومة من نظام أستبدادي عائلي , يوجد ديمقراطية , وعدالة , وتكافؤ فرص , وكرامة محفوظة للمواطن , ودولة مؤسسات , وازدهار أقتصادي ( نسبي طبعاً ) . الأستبداد في سورية غير أتجاه التطور . فبدلاً من أن تكون سورية دولة منافسة مثلاً على صعيد التعليم , والأنتاج الزراعي , أو الصناعي , ومستوى الصحة العامة . أصبحت منافسة في فنون التعذيب , وعدد السجناء السياسيين فيها , كما أصبحت منافسة في تفاهة وسخافة التهم التي توجه الى المعارضيين السلميين الديمقراطيين, فلن يُقال بعد اليوم أحكام قرقوشية , بل سيقولون أحكام أسدية . ومنافسة في قلة عدد المواطنين الذين يستخدمون الأنترنت , ولو كان هناك دراسات أمينة صادرة عن الجهات الحكومية أو لو تمكنت أية جهة مستقلة من اجراء دراسات ميدانية بحرية , لرأينا ان سورية في عهد الحكم العائلي صارت منافسة في عدد الوفيات بين الأطفال والنساء الحوامل , ونسبة الأمية , ومنافسة في زيادة نسبة الجريمة .

السر البسيط الذي يقف وراء التحولات الكبيرة في دول العالم في الإتجاه الإيجابي او السلبي , هو وجود نظام ديمقراطي تعددي , أم نظام إستبدادي فردي .

سيسأل سائل ببراءة أو بعدمها, إ ن كان المجتمع الذي يُجبر راكب أسود على العودة الى الكراسي الخلفية في حافلة ركاب مجتمع ديمقراطي ؟ والجواب الحتمي لهذا هو نعم . فالنتائج واضحة بعد 50 سنة ولاتحتاج الىبرهان . ماذا فعلت الديمقراطية بالمجتمع الأمريكي , وماذا فعل الأستبداد بالمجتمع السوري .

فالديمقراطية ليست النظام الذي يضع قطعة من الحلوى في فم كل مواطن , بل هي النظام الذي يُتيح طرق مشروعة وقانونية للمظلوم , ليواجه ظالمه , ويطالب بحقوقه , لترسيخ مزيدا من العدالة في أرض الوطن . وإن عُممت الديمقراطية لتصبح نظام عالمي ( أي نظام يحكم العلاقات الدولية , كما يحكم العلاقات الداخلية الآن بين القوى الإجتماعية في الدول الديمقراطية ) , فانها ستفتح أفاقاً أمام الدول الصغيرة والمظلومة للنضال السلمي من أجل مزيد من العدالة على مستوى كوكبنا برمته .
فهل لنا في سورية أن نعود لإحياء تراثنا الديمقراطي الحضاري التعددي , ونبدأ بالغاء قانون الطوارئ والأحكام العرفية , اللذان أبدا للأستبداد في بلادنا ؟؟؟؟؟؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سجال إيراني تركي.. من عثر على حطام طائرة رئيسي؟? | #سوشال_سك


.. السعودية وإسرائيل.. تطبيع يصطدم برفض نتنياهو لحل الدولتين وو




.. هل تفتح إيران صفحة جديدة في علاقاتها الخارجية؟ | #غرفة_الأخب


.. غزيون للجنائية الدولية: إن ذهب السنوار وهنية فلن تتوقف الأجي




.. 8 شهداء خلال اقتحام قوات الاحتلال مدينة ومخيم جنين والجيش يش