الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في أمريكا يتغير كل شيء من أجل أن لا يتغير أي شيء

عبدالاله سطي

2008 / 11 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


كما توقعت كل المؤشرات واستطلاعات الرأي تفوق السيناتور الديموقراطي باراك أوباما في السباق الانتخابي الأمريكي على غريمه الجمهوري جون ماكين. هذه الانتخابات التي تأتي في سياق عالمي يشهد أزمة مالية خانقة لم يسبق لها مثيل منذ أواخر العشرينات من القرن الماضي، بالإضافة إلى جبهات حربية مفتوحة في هذا الجانب وذاك في إطار ما يسمى بالحرب على الإرهاب. فما هي الاستنتاجات التي يمكن التوصل إليها في هذه الانتخابات؟ هل سيستطيع باراك أوباما أن يخرج الولايات المتحدة من عمق الأزمة التي تتخبط فيها؟ ثم ما ذا يمكن أن نقول حول السياسة الأمريكية الخارجية؟

هذه التساؤلات تحيلنا على ثلاث ملاحظات:
الملاحظة الأولى: أن الجميع خصوصا في الشرق الأوسط كان متحيزا إلى السيناتور باراك أوباما في السباق الانتخابي، وكأنه العصا السحرية التي ينتظر منها حل الأزمة الفلسطينية واحتلال العراق وأفغانستان.
الملاحظة الثانية: أن هذه الانتخابات تعتبر من أغلى الانتخابات في تاريخ أمريكا، بحكم ما صرف فيها من أموال في الحملة الدعائية (أوباما: أكثر من 600 ملايين دولار، ماكين: أكثر من 300 مليون دولار). رغم أنها تأتي في سياق الأزمة المالية الخانقة التي تعرفها أمريكا والعالم أجمع.
الملاحظة الثالثة: أن جل الأوساط العالمية تتبعت وباهتمام تام للعملية الانتخابية الأمريكية، بخلاف بعض الانتخابات الرئاسية الأخرى التي تجري في العالم و إن كانت في ديمقراطيات عريقة كفرنسا أو بريطانيا، فهي لا يعطى لها هذا الاهتمام المتزايد.
هذه الملاحظات تحيلنا على كون العملية الانتخابية الأخيرة في أمريكا يجب تحليلها أولا من خلال دراسة سلوك الناخب الأمريكي، من خلال طرح سؤال، ماذا يؤثر في سلوك الناخب الأمريكي؟
في الانتخابات الأخيرة حكم سلوك الناخب الأمريكي مؤثرين، مثر عقلاني ثم مؤثر عاطفي:
المؤثر العقلاني تجلى من خلال تفكيك المعطيات التي اعتمدها أوباما في برنامجه، والتي تقوم على شعار التغيير، الذي يتعطش له المواطن الأمريكي. خصوصا وأنه يأتي في سياق أزمة مالية ضربت القوة الشرائية للمواطن الأمريكي حتى أوصلتها للحضيض. فما كان إلا أن اغتر ببرنامج أوباما فاتبعه. بخلاف المرشح ماكين الذي لعبت تركة غريمه بوش على سدة الحكم دورا عدائيا لمصلحته فحصد التصويت العقابي من قبل الناخبين.
أما بخصوص المؤثر العاطفي فيتجلى في قدرة أوباما الخطابية على الإقناع ودغدغة مشاعر المواطنين من خلال الغوص في أعماق الشارع الأمريكي وأحيائه الفقيرة التي وصلت إلى درجة إثارة الحديث حول وقائع معيشية حقيقة من داخل هذه الأحياء، وهذا حدث في العديد من خطاباته إلى درجة ذكر أسماء أصحاب هذه الوقائع.
هذا فيما يخص مقومات سلوك الناخب الأمريكي الذي صوت لأوباما، فماذا عن سياسة أوباما من خلال شعار التغيير الذي يحمله؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال يجب على جميع من يتفاءل بخصوص مستقبل الشرق الأوسط في عهد أوباما، أن يعلم بأن السياسية الأمريكية لها ثوابت راسخة تقوم عليها، وأن أي تغيير في قيادة الولايات المتحدة الأمريكية لا يعني تغيير هذه الثوابت، بحيث أن الرئيس الجديد يقيم سياسته من منطلق هذه الثوابت.
وتتجلى أبرز هذه الثوابت هي الالتزام بحفظ أمن ومصالح إسرائيل في الشرق الأوسط، وأي مرشح لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية لا يلتزم بهذا الثابت يستحيل أن يصل إلى البيت الأبيض. ولهذا تجد أوبوما قد صرح غير ما مرة على التزامه بحفظ أمن إسرائيل ومصالحها الاستراتيجية بالمنطقة العربية. بل ذهب أكثر من ذلك وزار إسرائيل خلال دعايته، وصرح أيضا بالقدس كعاصمة دائمة لدولة إسرائيل. يعني هذا أن إسرائيل ومصالحها تأتي من أولويات أمريكا في سياستها بالشرق الأوسط، وسواء كان أوباما أو غيره لن يكون في هذا الأمر جديد.يحيل هذا المعطى على سؤال، من يصنع القرار السياسي في أمريكا؟
القرار السياسي في أمريكا لا يصنعه رئيس البلاد لوحده فهناك المئات من مراكز البحث والدراسات الاستراتيجية، التابعة للبنتاغون ووزارة الخارجية التي من خلال أبحاثها واستنتاجاتها تبنى القرارات المصيرية للبلاد. بالإضافة إلى ترسانة الموظفين المحيطة بالرئيس والتي تلعب أيضا دورا مهما في صناعة القرار السياسي الأمريكي. هذا إلى جانب قوى الضغط(اللوبي) الذي يدفع بثقله من أجل فرض تصوراته واختياراته في اتخاذ القرار على كافة المستويات وباختلاف الاتجاهات، سواء كان القرار يهم السياسة الخارجية أو الداخلية.
هذا يعني بأن باراك أوباما لن يكون لوحده في سدة الحكم بل هناك شركاء لعبوا دورا مركزيا في إصاله إلى الحكم. وبالتالي قراراته لن تتخذ خارج هذه الإطارات.
إذا فأي تغيير سيأتي به باراك أوباما على مستوى التوجه العام للسياسة الأمريكية سوف يكون له وقع ملموس على المستوى الداخلي، خصوصا وأن الرجل يصرح ويؤكد على أهمية ذلك بالنسبة لمستقبله السياسي. أما بخصوص القضايا العربية يجب أن لا يكون هناك تفاؤل كبير، أوباما سوف لن تزيد سياسته تجاه العرب أكثر من تصريف الأزمة الحالية، بمعنى أنه لن يؤسس الديمقراطيات، ولن يزيح الأنظمة التسلطية من مكانها. أما بخصوص القضية العراقية فهي الآن شبه محسومة أمريكا وضعت أجندة للانسحاب في مطلع العقد القادم، بعد أن ضمنت عقود النفط الذي من بين أبرز الأسباب لاحتلال العراق. إذا لا جديد يذكر في هذا الملف وباراك سوف لن يعمل إلا على سحب الجيوش من العراق وإرسالهم لأفغانستان، إذا المنطق الأمني سوف لن يغيب عن هذه السياسة الجديدة.
أما بخصوص الملف الإيراني، أوباما صرح في أول لقاء صحفي له بعد الانتخابات بأن مسألة السلاح الإيراني أمر غير مقبول بتاتا، ثم نجد في المقابل الإيراني تشبث بهذا الحق وبالتالي سوف نشهد نوع من الشد الجدب بين هذين الطرفين في معادلة ذات طابع اللا سلم واللا حرب.
مخلوص القول إن أمريكا لن تقبل سواء في عهد أوباما أو أي رئيس آخر أن تمس قيمها القائمة على السمو والعلو على باقي قوى العالم، وهي لذلك تسعى إلى توفير جل الوسائل المادية واللوجيستيكية، قد تكون هناك قوى أخرى عالمية تنافس زعامة أمريكا العالمية. لكن هذا لا يعني تفوقها عليها، والولايات المتحدة الأمريكية تدري معنى أن هناك قوى أخرى صاعدة لهذا سوف تحاول ما أمكن أن تتعايش مع هذه الوضعية بالشكل الذي يحافظ على وضعيتها الريادية.
لهذا يتغير أمريكا كل شيء من أجل أن لا يتغير شيء؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصير مفاوضات القاهرة بين حسابات نتنياهو والسنوار | #غرفة_الأ


.. التواجد الإيراني في إفريقيا.. توسع وتأثير متزايد وسط استمرار




.. هاليفي: سنستبدل القوات ونسمح لجنود الاحتياط بالاستراحة ليعود


.. قراءة عسكرية.. عمليات نوعية تستهدف تمركزات ومواقع إسرائيلية




.. خارج الصندوق | اتفاق أمني مرتقب بين الرياض وواشنطن.. وهل تقب