الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظاهرة المتناقضات فى الشخصية المصرية

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2008 / 11 / 22
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


من أصعب الأزمات التى قد يمر بها المجتمع هو أن يعيش أفراده حياة متناقضة حيث تتضارب القيم والسلوكيات. لا اقصد هنا السلوكيات التى نتبناها فى الخفاء والتى قد لا يعلم عنها أحد بل اقصد السلوكيات التى نجهر بها ويعرفها الآخرون تمام المعرفة. تجدر الإشارة أن الخلل السلوكى هنا ناجم عن التضارب بين السلوك والقيم الدينية أو المجتمعية التى يجهلها البعض مما قد يفسر تلك التصرفات العدوانية التى يأتى بها البعض تجاه الآخرين ثم يتوقف هنيهة لأداء الصلاة ثم يستكمل مسلسل الاعتداء غير عابئ بما تقوله الديانات السماوية فى هذا الشأن. وفى ظنى فإن هذا التناقض الذى نلحظه فى سلوكياتنا قد صار واقعا ملموسا نشهده فى الكثير من تفاصيل الحياة اليومية البسيطة.

الغريب أن موضوع هذا المقال جال فى خاطرى داخل أحد المساجد التى أودى فيها صلاة الجمعة. لقد دخلت ذات مرة المسجد قبل أن يعتلى الإمام المنبر حيث وجدت عددا قليلا من المصلين ثم سرعان ما بدأ الأهالى يتوافدون أفرادا وجماعات من سائر أرجاء البلدة وكل يتخذ مكانا له داخل المسجد ووجدتنى أمعن النظر فى رواد المسجد حيث يتقمص كل منهم شخصية مختلفة عن الحقيقة التى نعرفها. لقد قارنت ما أراه أمامى داخل المسجد من ورع وتقوى تنطق به الشفاه والأصابع التى تداعب حبات السبحة بالواقع الذى نعرفه عن كل منهم. ومن الأمثلة التى تؤكد هذا الطرح هو ذلك المصلى الذى تتراقص حبات السبحة بين أصابعه داخل المسجد، أما خارجه فهو قد لا يتردد فى مغافلتك ووضع حبات مخدرة فى كوب الشاى الذى تحتسيه على المقهى لتجد نفسك فاقدا للوعى وبجواره يجلس شخص آخر يظهر ما لا يبطن حيث يجيد اللعب على كل الحبال كأن يقول شيئا أمامك ويأتى بالنقيض خلف ظهرك. فجأة سقطت عيناى على رجل يجلس بجوار النافذة، يؤذى جيرانه نهارا جهارا. قد يعتقد مثل هؤلاء المارقين أن بوسعهم خداع المجتمع الذى يعلم عنهم الكثير من الحقائق ويجانب الصواب من يعتقد أنه طالما خدع العباد فإن بوسعه أيضا الضحك على رب العباد الذى يعرف خلجات النفس البشرية ومكنوناتها.

من الواضح أن حياتنا اليومية كلها باتت عبارة عن سلسلة من التناقضات التى تتخلل كل شىء بما فى ذلك الأمور البسيطة التى تتعلق بأسماء الشوارع والمؤسسات ومواقعها: على سبيل المثال فإن شارع جامعة الدول العربية لا يقع به مبنى جامعة الدول العربية ولا يؤدى إليه لسبب بسيط هو أن الشارع يقع فى حى المهندسين التابع للجيزة بينما مبنى جامعة الدول العربية يقع بالقرب من ميدان التحرير بمحافظة القاهرة. ومن المعروف أن كلية التربية الرياضية بالهرم لا تتبع محافظة الجيزة بل تتبع جامعة حلوان التى تقع فى محافظة حلوان. وهناك حالة مماثلة نجدها فى جامعة عين شمس حيث لا تقع كلية التربية بعين شمس فى منطقة عين شمس بل تقع فى منطقة العباسية. قد يصاب المرء بالدوار كلما ذهب إلى شارع فيصل حيث يتبين أن أول فيصل هو آخر فيصل وآخر فيصل هو أول فيصل. من المؤكد أن السبب فى هذا التخبط هو أن المواطنين يختلفون حول بداية هذا الشارع ونهايته حيث يعتقد البعض أن أرقام المبانى فى فيصل تبدأ فور دخولك الشارع قادما من طريق القاهرة-أسكندرية الصحراوى وتنتهى الأرقام بالقرب من كوبرى الملك فيصل. وهناك فريق آخر من المواطنين بما فى ذلك سائقو وركاب "الميكروباص" يعتقدون أن أول فيصل يبدأ فور نزولك من كوبرى فيصل قادما من الدقى أو الجيزة ونهايته بالقرب من الطريق الصحراوى. والغريب أن هذا عكس ما يحدث فى شارع الهرم حيث تبدأ الأرقام مباشرة بعد النفق وتنتهى فى آخر الهرم بالقرب من نادى الرماية.

وخلاصة القول فإن التناقضات التى نعيش فى ظلها ربما استطاعت أن تفصلنا وتعزلنا عن واقع الحياة وربما لعبت دورا فى ترسيخ روح الانعزالية فى نفوسنا لنرى الأشياء على غير حقيقتها ونفقد القدرة على تحديد المشكلات التى تعترى شئوننا مما يفسر تقاعسنا عن إيجاد الحلول لأزماتنا المتتالية التى نبحث لها عن "شماعات" نريح بها أدمغتنا وقلوبنا وضمائرنا. روز اليوسف، عدد 1021، 17 نوفمبر 2008م، ص9.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعرف على تفاصيل كمين جباليا الذي أعلنت القسام فيه عن قتل وأس


.. قراءة عسكرية.. منظمة إسرائيلية تكشف عن أن عدد جرحى الاحتلال




.. المتحدث العسكري باسم أنصار الله: العمليات حققت أهدافها وكانت


.. ماذا تعرف عن طائرة -هرميس 900- التي أعلن حزب الله إسقاطها




.. استهداف قوات الاحتلال بعبوة ناسفة محلية الصنع في مخيم بلاطة