الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفقراء لا يستفيدون من الرخاء ويدفعون ثمن الأزمة

رمضان متولي

2008 / 11 / 23
الادارة و الاقتصاد


تأثرت آسيا بالأزمة العالمية، وكان طبيعيا أن تتأثر. ذلك أن الصين تعتمد في نموها الاقتصادي الهائل على الصادرات التي تتوجه إلى الولايات المتحدة، وكانت بسبب العجز التجاري وعجز الموازنة الأمريكية تقوم بشراء سندات الخزانة الأمريكية بكثافة حتى تحافظ على انخفاض قيمة عملتها أمام الدولار، بمعنى أن الصين – رغم بحيرات الفقر الهائلة في ريفها وحضرها – كانت تقرض الولايات المتحدة حتى يقوم الأمريكيون بشراء منتجات صينية رخيصة!

ولكن الدولار الأمريكي استمر في الانخفاض وفقد ما يقرب من 40% من قيمته، ومعنى ذلك أن الصين تبرعت إجباريا للولايات المتحدة بحوالي 40% من إجمالي هذه الديون التي اعتصرتها بطبيعة الحال من دماء الفقراء لتمويل الأرباح الخرافية لرجال الأعمال في الصين وفي أمريكا على السواء.

اليابان فعلت نفس الشئ وكانت من أكبر الدائنين للولايات المتحدة مع الصين. فهي الأخرى تعتمد في نموها الاقتصادي على التصدير بينما الولايات المتحدة كانت ومازالت أكبر مشتر للسلع التي تنتجها الدول الآسيوية. وكانت اليابان تعاني من كساد وانكماش حاد طوال عقد التسعينيات من القرن الماضي، ولكن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على أفغانستان ثم العراق في بداية الألفية الجديدة والإنفاق العسكري الهائل المصاحب لها، علاوة على تنشيط الاقتصاد الأمريكي من خلال التوسع في التمويل الرخيص، كل ذلك شجع اليابان على تكثيف جهودها لزيادة الصادرات إلى الولايات المتحدة للخروج من الأزمة. وحتى تضمن زيادة الصادرات كان عليها أن تحافظ على انخفاض قيمة الين أمام الدولار، فقامت بتمويل الديون الأمريكية بكثافة غير معهودة حتى أصبحت أكبر دائن للولايات المتحدة في العالم، وفقدت جانبا كبيرا من قيمة ديونها نظرا لتراجع قيمة الدولار وانخفاض أسعار الفائدة.

لا تستطيع آسيا أن تحقق نموا اقتصاديا إذا انخفض الطلب في أوروبا وأمريكا. وها هي الهند تتأثر بالأزمة العالمية ويتباطأ معدل النمو فيها لأنها اعتمدت نفس الاستراتيجية التي تدافع عنها الحكومة المصرية في تحقيق النمو الاقتصادي – ألا وهي جذب وتشجيع الاستثمارات الأجنبية، والإنتاج من أجل التصدير. هذه الاستراتيجية تلخص العوامل المباشرة وراء الأزمة التي تعاني منها عمالقة آسيا. لأن جذب الاستثمارات الأجنبية تضمن تقديم مزايا هائلة لرأس المال تتمثل في تخفيض قيمة الأجور وتسهيلات ضريبية وجمركية وتخفيض الرقابة على حركة رأس المال. أما الانتاج من أجل التصدير فهو النتيجة الطبيعية لانخفاض مستوى الطلب في الداخل نظرا لمساحات الفقر الهائلة داخل الدول المنتجة والتي لا تسمح بنمو الاستثمار الذي لا يهدف إلا إلى تعظيم الأرباح، فيستفيد رأس المال من انخفاض تكاليف الإنتاج في آسيا وبيع المنتجات في أوروبا والولايات المتحدة حيث الطلب المرتفع نسبيا بين سكان يتمتعون بمستوى معيشة أفضل.

لا مجال هنا لما تحدث عنه الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء، ولا حماس الدكتور محمود محيي الدين – وزير بيع مصر – لتقاطر ثمار النمو إلى الفقراء، لأن هذا النمو تحديدا اعتمد على تدهور مستوى معيشة الفقراء وانخفاض أجورهم ولم يكن يستهدفهم من الأساس للتمتع بأي من ثمار عملهم، ولكنهم لابد أن يدفعوا ثمن الأزمة مع ذلك، لأن الشركات التي اعتمدت على بعضهم في الإنتاج من أجل التصدير سوف تطردهم بعد تقلص الطلب في أسواق الأغنياء، واتجاه الدول الكبرى إلى حماية صناعاتها الوطنية من الانهيار بسبب الواردات الرخيصة في زمن الركود.

النمو الاقتصادي الذي شهدته مصر خلال العامين الماضيين قدم دليلا واضحا على ذلك. هذا النمو لم يعتمد على ذكاء وعبقرية الحكومة الإلكترونية التي اقتصر دورها على قمع غالبية المصريين وإفقارهم وتهميشهم، وإنما اعتمد بشكل أساسي على صدفة خارجية أهمها الحروب والمغامرات العسكرية للولايات المتحدة التي رفعت أسعار النفط إلى عنان السماء. غير أن الفقراء لم يستفيدوا من هذا النمو الذي أنتج مليارديرات استخدموا هذه الأموال في الإنفاق السفيه والمغامرات التافهة. والآن يدفع الفقراء ثمن هذه الأزمة عشرات المرات، من تبديد مواردهم بأثمان بخسة لصالح حفنة من رجال الأعمال المصريين والأجانب، وحرمانهم من فرصة للحياة الكريمة في وطنهم، إلى تدهور مستوى معيشتهم من أجل حماية أرباح المحتكرين، إلى فقدان وظائفهم وتزايد البطالة نتيجة لتدهور معدلات النمو. تلك هي جنة الرأسمالية والاندماج في الاقتصاد العالمي التي يدافع عنها أساطين الحكومة وكبار رجال الأعمال في بلادنا، التي يصرون على إدارة اقتصادها بأسلوب إدارة "البوتيك" حتى وإن كان ذلك تبديدا لثروتها وإهدارا لكرامتها وحرمانا للأجيال القادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيارة شي جينبينغ إلى فرنسا: تعاون اقتصادي مع باريس وبحث التو


.. إلى أي درجة يستطيع الاقتصاد الإسرائيلي تحمل تكاليف الحرب؟




.. هل يواجه الاقتصاد الإسرائيلي مخاطر الركود التضخمي؟ وما معنى


.. تعمير -هاني العسال وكيل غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 10-5-2024 بالصاغة بعد