الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قوة المثقف... هادي العلوي نموذجاً

جمعة الحلفي

2004 / 3 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


على المثقف أن لا يملك شيئاً كي لا يملكه شيء، فمن ملك شيئاً فإن ذلك الشيء ملكه. إمثولة الزهد هذه، التي كان يرددها على أسماعنا الباحث الراحل هادي العلوي، كلما ضعفت حيلنا على تحمل صعاب العيش ومنغصات المنفى، ليست من تجليات البسطامي أو الجيلاني، إنما كانت إمثولة العلوي نفسه، فقد كان، هو الآخر، نوعاً من حلاج معاصر، لم يكن بوسع أحد مجاراته في درجة زهده وقوة إيمانه وشجاعته وصبره على المجالدة، مثلما كان من الصعب أيضاً مضاهاته في أفق ثقافته وموسوعية علمه ومستوى حساسيته النقدية.
لم يكن هادي العلوي، في واقع الحال، زاهداً من جراء شحة ذات اليد أو من ندرة مال أو جاه، بل كان يؤمن إيماناً عميقاً وحقيقياً بإن على الفقيه (المثقف) أن يجوع لكي يشبع الناس، وهذه إمثولة أخرى تتجاوز، في قسوة تحملها، ماهو في حدود الزهد أو الترفع، لأنها تفترض الجوع افتراضاً وتحبذه كجوهر لا كغطاء، أو كقيمة لا كشعار. وفي كنف كثير من هذه الإمثولات العجائبية في راهن أيامنا، مضى العلوي يحيا كواحد من أكثر المثقفين جذرية ونقاءً وحساً إنسانياً، إلى درجة إنه كان يتسبب بالحرج، جراء صفاته الفريدة تلك، لأقرب أصدقائه، الذين كانوا يكنون له كل الاحترام، لكنهم لا يقوون على مجاراته بأقل درجة من درجات تعففه وزهده وصلابة موقفه.
لقد كان هادي العلوي، الذي رحل عنا  نهاية عام 1998 ودفن في مقبرة الغرباء، جنوب دمشق، من ألمع الباحثين العرب في التراث العربي ـ الإسلامي ومن أكثرهم إثارة للأسئلة و "الالتباسات" أيضاً، ذلك أن كشوفاته الجادة والجريئة في مجال التراث، كما في مجالات الحياة الفكرية والسياسية العامة، لم تكن تقتصر على البحث بمعناه التقليدي (الأكاديمي) فحسب بل تتعدى ذلك إلى النقد والتقويم والتحريض بكل ما في تلك العبارات من قوة الحجة وسعة الإطلاع وجذرية الموقف.
وإذا كانت تلك الميزات المعرفية من أسرار ألمعية العلوي، على هذا الصعيد، فهي كانت أيضاً من الأسباب التي أثارت الكثير من الجدل واللبس إزاء كتاباته واستنتاجاته الجريئة. وكما لا أزال أتذكر فقد كنا نحار في التوفيق بين مقدار احترامنا وإعجابنا بمعارف العلوي وسعة إطلاعه وجرأته النقدية، وبين تلك "الالتباسات" التي تخلفها بعض مواقفه ووجهات نظره القاسية في هذا الشأن أو ذاك، من شؤون الثقافة والسياسة. فهو ينفي، على سبيل المثال، صفة المثقف عن عامة المثقفين العراقيين ويعتبرهم أدباء فقط، لأنهم، كما يقول، لا يملكون الوعي الطبقي والمشاعي الكافي (وهي صفة المثقف الحقيقي برأيه) الذي يجعلهم يتحسسون هموم الحياة اليومية لجماهيرهم الجائعة والمسحوقة، ويؤهلهم بالتالي ليكونوا مثقفين. كما ينفي أيضاً دور الإبداع الأدبي في النضال السياسي ويقصر دور الأديب على مواجهة السلطة وجهاً  لوجه. ولأن المثقف، أو الأديب (العراقي أو العربي) لا يملك مثل هذه القدرة على المواجهة، فهو إذن لا يرقى إلى صفة المثقف، التي يجدها العلوي في شخصيات تاريخية مثل المعري والبسطامي والحلاج، أو في ماركس وتولستوي وغوته، ولا يجدها في طه حسين أو نجيب محفوظ أو ادونيس أو سعدي يوسف أو عبد الوهاب البياتي.
رحل هادي العلوي باحثاً لامعاً وزاهداً حقيقياً لم يضعف يوماً أمام جاه أو مال أو سلطة، ولم يترك لرفيقة دربه أم الحسن، سوى ثروة الأسئلة، أما  نحن فقد ترك لنا جواب الحلاج، عندما سُئل عن التصوف، وهو يصلب، فقال لسائله: أهونه ما ترى!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فراس ورند.. اختبار المعلومات عن علاقتهما، فمن يكسب؟ ????


.. 22 شهيدا في قصف حي سكني بمخيط مستشفى كمال عدوان بمخيم جباليا




.. كلية الآداب بجامعة كولومبيا تصوت على سحب الثقة من نعمت شفيق


.. قميص زوكربيرغ يدعو لتدمير قرطاج ويغضب التونسيين




.. -حنعمرها ولو بعد سنين-.. رسالة صمود من شاب فلسطيني بين ركام