الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدد الثالث/ الافتتاحية

فنزويلا الاشتراكية

2008 / 11 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


كنا نقول إن الثورة لن تخوض في أي مواجهات قادمة يمكن أن توصف بالسهولة، وسرعان ما اتصفت كل مراحل تقدمها بالصعوبة، إلا أنها اليوم باتت تتمتع بصفة جديدة، وهي التعقيد. فبتنا أمام صورة متشابكة تتفاعل تحتها علاقات عدة وتتداخل فيها فعاليات متنوعة على مستويات مختلفة تجعل من الإجحاف الشديد أن نبني وبنظرة سطحية غير متمهلة رأياً عن مجريات الثورة دون الغوص في عمق العناوين ودلالات الأحداث.

ومن ضمن ما يتم الحديث عنه بشكل سطحي، للأسف، هي مسألة انخفاض أسعار النفط المتسارعة التي يروّج إلى أنها ستكون نهاية الثورة الفنزويلية وأنها لن تستمر دون وقودها المالي على كل من الصعيدين الداخلي والخارجي الفنزويلي، أي اللاتيني تحديداً. هذا التحليل المبسّط قد يبدو صحيحاً وبشكل تام للوهلة الأولى للعين التي اعتادت إطلاق الأحكام شرقاً وغرباً سواء بتصورات مسبقة وبعبارات منقولة حرفياً عن وسائل الإعلام الرأسمالية أو بتحليلات بسيطة تفتقر للمعلومة الصحيحة والدقيقة.

لا يمكن أن يخفى على أحد أن الرئيس تشافيز لا يوفر استثمار المال النفطي بمشاريع اجتماعية لمحاربة الفقر في فنزويلا والقارة وحتى إفريقيا، وتراجع كميات عائدات النفط حتماً سيضعف هذه العملية ويدفعها للتراجع، لكن أمرين هامين يغيبان عن الذهن عند تناول هذه المسألة ولا بد من الإشارة لهما لتصبح الصورة على الأقل لمن يريد أن يطلق حكماً على مآل الثورة واضحة وتنقل الواقع الفعلي لا الواقع المتخيل أو أمنيات أعداء الثورة الكثر المستحوذين على كافة أدوات التواصل مع الجماهير في وطننا تحديداً.

فالاستثمار المالي في المشاريع الاجتماعية ليس الوحيد ضمن الاستثمار الحكومي الفنزويلي كما أن الاستثمار الاجتماعي ليس استثماراً بلا عائد أو مالاً ينثر للرياح هباءاً. ففنزويلا تستثمر عشرات مليارات الدولارات في مشاريع تطويرية إنتاجية، والثورات التي أطلقت مشاريع عدة في مجالات كالتصنيع والطاقة والغذاء حالها حال أي مشاريع تكلف أموالاً للإنشاء والربح يأتي بعد التشغيل، وفي الحالة الفنزويلية الربح هو للمواطن أولاً الذي يحصل على مواد بجودة عالية وتكلفة ضئيلة كما هو الحال بالنسبة للمعامل الاشتراكية التي بدء العمل عليها منذ إفشال الاستفتاء على دستور عام 2007 وبدأت ومنذ بضعة أشهر تقدم منتوجات متميزة وتعود بالربح على الدولة التي استثمرت فيها. وإن تخريج دفعات هائلة من الطلبة الفنزويليين المتخصصين في مجالات المجتمع الفنزويلي هو بأمس الحاجة لها ليس إلا بداية حصد ثمار الانفاق الحكومي في المجال التعليمي فالآن يمكن لفنزويلا أن تحقق النقلة النوعية التي كانت عاجزة قبل اليوم عن المضي فيها بسبب افتقارها للكوادر البشرية المحلية المتخصصة والتي باتت متوافرة وستزداد أعدادها عاماً بعد عام ليس فقط لتحقيق الاكتفاء الذاتي الفنزويلي من كافة المنتوجات بل لتصديرها في المرحلة التالية لتعلم الثورة الفنزويلية العالم بأن الاستثمار في الإنسان هو أفضل استثمار لا بل حتى هو أربح استثمار بمعايير الرأسماليين الجشعة.

فالحكومة الثورية في فنزويلا، حكومة الرئيس تشافيز لم تكن يوماً متكلة على النفط بشكل كامل كرؤية للمستقبل، وإن كانت تنطلق منه في مشروعاتها فإن ذلك لحاجتها إليه للانطلاق وليس للاستمرار، ومبلغ قيمته 40 مليار دولار من عملات أجنبية كاحتياطي حكومي كافٍ للتخفيف من حدة انخفاض أسعار النفط، فالثورة لا تواجه المسألة بأصبع واحد بل بكف كاملة قادرة على التصدي والصمود، فاستثمار حكومي في مشروعات انتاجية واجتماعية مطوّرة واحتياطي مالي هائل هي خطوط دفاعية أمنتها الثورة الاشتراكية في فنزويلا كي تستمر ثورةً لا أن تصبح حكايةً في كتاب.
نحن لا ندعو لتخايل صورة وردية رائعة الجمال، فلقد ذكرنا في العدد الماضي أن الأزمة المالية بشكل عضوي لن تؤثر على الاقتصاد الفنزويلي وأن تأثيرها السلبي سيكون بتراجع أسعار النفط المهدد للاقتصاد الفنزويلي الذي لابد من حمايته بوجه الهجمات الشرسة التي ستقدم البرجوازية عليها لتدميره وتخريبه، مما يفرض على أنصار الثورة الاستماتة في الدفاع عنه فإن نجحت البرجوازية في ظل هكذا ظروف بإضعافه فستكون قد وجهت ضربة هائلة للثورة التي بدورها تتذوق تحديات تعشقها الثورات الحقيقية وتدفعنا لاختيار موقف واضح إما الإيمان باستمراريتها حتى وإن تعرضت لضربات موجعة أو التخلي عنها والاستمرار بالحلم بثورة لا معارك فيها، ثورة تحمل فقط الانتصارات، ثورة وهمية.

قالها القائد تشافيز سابقاً، ثورتنا هي ثورة مليئة بالمعارك، ودعا منذ بضعة أسابيع الرفاق في الحزب الاشتراكي الموحد لتوخي الحذر والابتعاد عن المبالغة بالاحتفال بأي نصر، فيصيبنا مرض التكاسل والوهم، بل علينا أن نبقى متيقظين واعين وجاهزين لكل معركة قادمة وأن نبني الخبرات بالتجارب، الفاشل منها و الناجح، فانخفاض سعر النفط يعلن عن افتتاح معارك داخلية عدة وجه الرئيس تشافيز إليها الأنظار وهي "تدمير الفساد" والقضاء على البيروقراطية التي لا يمكن السماح لها بالتمدمد أكثر مع ازدياد واجب الحذر في الإنفاق.

فإذاً، الثورة مستعدة، لا بل الثورة محظوظة، فأمامها فرصة في ظل التحديات المقبلة لتثبت ذاتها وتبرهن على قدراتها في بناء المعمل والإنسان سوياً وفي محاربة الفئة البيروقراطية ومحاصرة العناصر الانتهازية والوصولية فيها، فهذه المرحلة تحديداً ستكشف لنا عن معدن الثورة، إن كانت قادرة أم عاجزة، إن كانت ثورية أم تقليدية. ونحن نختار المراهنة على هذه الثورة، المراهنة على الحصان الأقوى والأفضل في سباق طويل جداً سيحسمه حزب الثورة الاشتراكية في فنزويلا بفارسه الرئيس هوغو تشافيز وفي الأشهر المقبلة سنراقب انتصاراً للثورة بثوريتها واشتراكيتها وعبورها لضفة الأمان بمناضليها في الحزب الاشتراكي الموحد وبقائدها بالرغم من كل مايحيط بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن بدء مناورات تشمل أسلحة نووية تكتيكية قرب أوكرانيا


.. إسرائيل ترد على طلب الجنائية الدولية بهجوم على الضفة الغربية




.. السعودية وإسرائيل.. وداعأ للتطبيع في عهد نتنياهو؟ | #التاسعة


.. لماذا جددت كوريا الشمالية تهديداتها للولايات المتحدة؟




.. غريفيث: دبلوماسية قطر جعلتها قوة من أجل الخير في العالم