الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تكريم إيهاب حسن

صبحي حديدي

2004 / 3 / 4
الادب والفن


أبهجني على نحو بالغ، وعاطفيّ بعض الشيء، قرار "رابطة اللغة الحديثة"، المعروفة بالمختصرات الشهيرة MLA، الدعوة إلى جلسة خاصّة، وتكريس عدد خاصّ من فصليتها، لموضوع "إيهاب حسن وإرث ما بعد الحداثة"، ليس لأنّ تكريم حسن واجب علمي وأكاديمي مستحقّ منذ سنوات فحسب، بل لأنّ أحد آخر رؤساء هذه الرابطة النقدية العريقة كان الراحل إدوارد سعيد. وهذه المؤسسة، لمن لا يعرفها، هي أهمّ وأشهر رابطة تجمع كبار نقّاد الأدب وباحثيه، وكان انتخاب سعيد لرئاستها أمراً أقضّ مضجع المؤسسات الصهيونية في حينه، واستدعى امتشاق الخناجر ضدّها: من العداء للسامية وصولاً إلى العداء لأمريكا.
وفي الدعوة للمساهمة في الجلسة الخاصة، وفي العدد الخاص، كتبت إدارة الـ MLA تقول: "ما بعد الحداثة، المصطلح الذي اقترن غالباً بإيهاب حسن، يميّز حركة أدبية ومجموعة أفكار في آن معاً. وما بعد الحداثة مصطلح يقاوم التعريفات السهلة، وآراء إيهاب حسن حول ما بعد الحداثة قد تبدّلت مع الزمن. ومنظّرو المدارس النسوية، وما بعد الكولونيالية، والماركسية ـ لكي نذكر القلّة فقط ـ ساءلوا، واحتجوا على، وأنكروا غالباً الأفكار التي تنطوي عليها حركة ما بعد الحداثة؛ ومع ذلك، فقد ظلّ تأثيرها قائماً. وبالإشارة الملموسة لأعمال إيهاب حسن، ما الذي ترى أنه إرث ما بعد الحداثة اليوم"؟
وإيهاب حبيب حسن، لمن لا يعرفه بعد، ناقد أمريكي من أصل مصري، ولد في القاهرة عام 1925، وهاجر إلى الولايات المتحدة عام 1946 حيث يقيم ويعمل في تدريس الأدب بعد أن تخلى عن الهندسة، اختصاصه الدراسي الأصلي. وهو يحتلّ موقعاً متميزاً، سواء على الصعيد الأكاديمي الأمريكي والعالمي (إذْ حاضر ودرّس في قارات العالم الخمس)، أو على صعيد النظرية والدراسات النقدية. ومنذ عام 1961، تاريخ صدور كتابه الأول "البراءة الراديكالية: دراسات في الرواية الأمريكية المعاصرة"، وحسن يجري سلسلة تنويعات على مبدأ نقدي متماثل يري أن السمة المركزية في الأدب الحديث (أو ما بعد الحديث في الواقع) هي العدمية الراديكالية في مسائل الفنّ والشكل واللغة.
هذا، بعبارة حسن المألوفة، هو "أدب الصمت" الذي "يدور حول نفسه، وينقلب على نفسه، لكي يعلن الرفض التام للتاريخ الغربي، ولصورة الإنسان كمقياس للأشياء جمعاء". وفي هذا السبيل ذاته، أصدر حسن كتابه الثاني "أدب الصمت: هنري ميللر وصموئيل بيكيت"، ثم أعقبه بكتابه الأشهر ربما: "تقطيع أوصال أورفيوس: نحو أدب ما بعد حداثي" (1971). وإجمالاً كانت النتائج تنتهي بهذا الأدب إلى:
ـ الإغتراب عن العقل والمجتمع والتاريخ.
ـ اختزال جميع الإلتزامات الطبيعية أو المختلقة المفروضة في عالم البشر.
ـ استثمار حالات الذهن القصوى، بما في ذلك الإنفصال عن الطبيعة، أو اللجوء إلى الأنماط المنحرفة من الميول الحيوية والإيروسية.
ـ سلخ اللغة عن الكلام اليومي، وتحريف الأفكار التقليدية عن الشكل.
ـ مناهضة كل ما يتصل بمبادىء مثل "السيطرة" و"الحكمة" و"الثبات" و"النسق التاريخي".
وفي دراسة رائدة (وشهيرة مثيرة منحته سلطة التنظير للتيّار بأسره)، بعنوان "نحو مفهوم لما بعد الحداثة"، حاول حسن تقديم تخطيط مدرسي توجيهي وتجريبي لظاهرة ما بعد الحداثة، وجهد في توسيع نطاق هذا التخطيط المقارن مع الحداثة، فرسم موشوراً عريضاً من الأسماء والتيارات والأساليب... لكي يتجنّب ــ على الأرجح ــ المهمة العسيرة المتمثلة في اعتصار تعريف ما لحركة عجيبة. والنزاهة التاريخية تقتضي التذكير بأن الفرنسي جان ـ فرانسوا ليوتار، الذي يتفق الكثيرون على اعتباره فيلسوف ما بعد الحداثة الأوّل، كان قد اعتمد على أعمال حسن في إقامة معظم دليله الثقافي. والكثيرون، قبل إيهاب حسن وبعده، بذلوا محاولات مماثلة لا تقلّ نزاهة ومشقة وحيرة، ولكنها لا تخرج في الجوهر عن المعيار الذي طرحه الرجل في صدر مقالته، على هيئة تساؤل أقرب إلى علامة تعجّب: "هل في وسعنا حقاً أن نتصوّر ظاهرة، تعمّ المجتمعات الغربية إجمالاً وآدابها خصوصاً، فتحتاج إلى ما يميّزها عن الحداثة، وتحتاج إلى تسمية"؟
وفي عمل صدر سنة 1995 بعنوان "إشاعات التغيير: مقالات خمسة عقود"، كان أقرب إلى السيرة الفكرية ـ الذاتية، عالج حسن إشكالية التنظير النقدي متكئاً على الروائي الأمريكي هنري جيمس، الذي اعتبر أن النظرية الأدبية ُتجابَه أولاً بتهمة السخف، ثم تُقبَل بعدئذ إما لأنها صحيحة أو لأنها باتت واضحة، وأخيراً تصبح شديدة الأهمية إلى حدّ أن خصومها القدماء ينسبون إلى أنفسهم فضل اكتشافها أوّلاً. ويعلّق حسن: "ما البدائل عن النظرية المعاصرة، والإيديولوجيا، وخطاب ما بعد الحداثة، بكلّ استفزازاتها وموارباتها؟ لا شيء، كما أعتقد، وليس في المدى الأعرض على الأقل".
اعتراف بالغ الدلالة، خصوصاً حين يأتي من أحد الآباء المؤسسين لمصطلح شاقّ عسير، ولكنه يواصل حضوره بدليل تجدّد الاهتمام بالرجل الذي نظّر له مبكّراً، وبالحركة التي ما تزال تراوغ!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال


.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG




.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل