الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتخاب أوباما وأوهام التغيير

دياري صالح مجيد

2008 / 11 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


أعطى انتخاب باراك أوباما ذي البشرة السوداء درساً قاسياً لمجتمعاتنا العربية التي لازالت بعد تؤمن بخرافات عتيدة مغروسة قسراً في نفس المواطن العربي ومبنية أساساً على مرتكزات عرقية ودينية ومذهبية وقومية مختلفة، معبرة في الوقت ذاته عن عمق الأزمة الحضارية التي تعيشها شعوبنا في ظل وجود أنظمة تروي هذه المرتكزات لتجني ثمارها في بناء مجتمعات ممزقة أولاً وفي بناء هوية مشتتة لأوطانها ثانياً، فأي درس هذا وأي صفعة تلك التي وجهتها أمريكا إلى العالم العربي!

لم ينل سياسيونا نصيبهم من هذه الصفعة فكانوا، وهم الأفذاذ في ذلك، ذوي باع وقدرة كبيرة في تحويل آثارها عن حياتهم السياسية وعن تلاعبهم بمصير الشعوب التي يحكمونها ليتحولوا نحو التأييد والمباركة لفوز أوباما الذي يحلمون بأنه سيكون مخلصاً جديداً لهم وداعماً مطلقاً لوجودهم في السلطة، وهو الوهم الآخر الذي استوطن أنفس العديد من أبناء العالم العربي الذي ردد من غير وعي مسبق كلمات قادته السياسيين الذين تغنوا بالأصول الإسلامية لأوباما وبالجذور الأفريقية له! وهو الحال الدائم والمتعارف عليه في كل بلداننا فعندما يكون المرء بيننا يتهم بعدة تهم منها الفارسية والهندية والبوذية والشيوعية، وعندما يبرز نجماً وعلماً يهرول المنافقون لنسبه إليهم وجعله من أفذاذ العروبة ومواطنها، وهو ما لا أستبعد أن ينسب إلى أوباما , الأفريقي الجذور المخلص دوماً لهويته الوطنية الأمريكية التي علمته معنى الحياة الذي كان من الممكن جداً أن يفتقر إليه في موطنه الآخر أفريقيا.

أشار العديد، من الذين أ’جريت معهم لقاءات إلى أن أملهم في أوباما كبير، لقدرته في إجراء التغييرات الضرورية التي يمكن لها أن تعيد التوازن للنظام الدولي وترجع به إلى مرحلة القطبية الثنائية أو في رؤية أكثر تفاؤلاً إلى عالم متعدد الأقطاب. إضافة إلى تمادي العديد من العراقيين في تصوراتهم من أن أوباما سيعمل على سحب قوات بلاده من العراق في فترة لا تتجاوز السنتان، وهو ما دعا عدد غير قليل من العاملين في السياسة العراقية إلى دعوة أوباما إلى النظر بجدية حيال الوضع العراقي، الأمر الذي اندرج أثره بشكل سلبي على التلاعب بعقول المواطنين العراقيين الذين تصور عدد غير قليل منهم أن أوباما سيتخذ القرار بعد دخوله إلى البيت الأبيض بسحب قوات بلاده بعد عامين من الآن وبعدها سيعم الأمن والاستقرار ونعيش بخير وسلام وتعود روح التسامح والمحبة إلى قلوب العرب والعراقيين وعندها ستفتتح أبواب ومطارات الدول أمام أخوتهم وأخواتهم من العراقيين دون جفاء أو سخرية وغيرها الكثير من أوهام النصر الكبير الذي حققه أوباما في أمريكا ووجد له أصداء لنجاحات قادمة في أكثر من مكان خارج أمريكا، لكنه لن يكون نجاحاً عربياً كما يتصور البعض لأن أمريكا يا سادتي الأعزاء ليست منظمة خيرية تقدم معوناتها ومساعداتها الإنسانية في سبيل الله.

لقد تناسى أساتذتنا الأفاضل العاملون ( وليس المتخصصون ) في مجال السياسة وبالذات منهم في العراق أن اوباما الرئيس لا يستطيع أن يتجاوز الخطوط الحمراء التي ترسم للبلاد خاصة في توجيه سياستها الخارجية وبالذات في تعاملاتها مع منطقة الشرق الأوسط الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، وهو بذلك ملزم بأمور كثيرة لا يستطيع تجاوزها بقرار شخصي فردي من قبله، لأنه ليس رئيساً عربياً ولأنه لا يعيش في بلد عربي، كما لأنه ملزم بقرارات اتخذها الكونغرس ولا يحق له أن يعطلها إلا بعد أن يحظى بالتأييد المطلق للأغلبية لإجراء مثل هذا التغيير الذي ينشده البعض وبالذات منه ذلك المتعلق بسحب القوات من العراق، فكيف يمكن أن نتصور أن أوباما سيعمل على تلك الخطوة من دون حساب أبعادها الإستراتيجية خاصة وان العراق بعد لم يستطع الوصول إلى مراحل تمكنه من إدارة ملفات داخلية شائكة عليه معالجتها قبل أن يحلم بخروج المحتل، كما أن أمريكا لم تنهِ بعد علاقاتها المضطربة مع أكثر من طرف إقليمي ودولي للعراق، ولعل مثل هذا الأمر هو الذي جعل بوش (( بحسب صحيفة الكارديان )) يصرح في الذكرى الخامسة للحرب على العراق بالاتي "أن الانسحاب المبكر للقوات الأمريكية من العراق سيسمح لاعدائنا بالانتصار وان العنف الذي بدأت تنخفض وتيرته سوف يتصاعد وسينزلق العراق حينها الى الفوضى مما يسمح للقاعدة باستعادة ملاذاتها الامنة واقامة ملاذات جديدة لزرع العنف والارهاب الذي قد ينتشر خارج حدود العراق وينذر بعواقب وخيمة للاقتصاد العالمي". ورغم أننا من المتحفظين والرافضين لسياسة بوش العدوانية والاستعلائية، إلا أننا لا يمكن أن ندير وجهنا لهذه التحذيرات ومدى خطورتها وجسامة عواقبها، لذا لا أعتقد أن أوباما سيغير الأمور في العراق بهذه الطريقة الرومانسية التي يتخيلها البعض.

أما عن التغيير الذي رفعه شعاراً لحملته الانتخابية فأعتقد أن أوباما كان يقصد به الداخل الأمريكي أولاً، فكان يركز فيه على الارتقاء بمستوى معيشة المواطن الأمريكي والعمل على تقليل أثر الضرائب عن كاهل الطبقة العاملة في أمريكا إضافة إلى إعادة النظر في برامج الضمان الاجتماعي وفي تحسين مستوى الخدمات الصحية والتعليمية، وهو التغيير الذي وافق لأجله الناخب الأمريكي على انتخاب أوباما، وما أحوجنا في دولنا إلى مثل هذا التغيير الذي ينظر إلى الحياة البائسة لشعوبنا من أجل البحث عن أدوات يمكن عبر تفعيلها الارتقاء بحياة الأفراد إلى ما هو أفضل، وبعدها لنتحدث عن السياسة وبعدها لنتحدث عن انسحاب قوات الاحتلال من العراق وفق شروط مدروسة بشكل مستفيض تفي بطموحات العراقيين ومصالحهم في الحاضر والمستقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يشكل لجنة وزارة أمنية مصغرة وسط دوامة من الخلافات بش


.. فايز الدويري: جيش الاحتلال فقد كثيرا من القدرات التي كان يمت




.. أصوات من غزة| تكافل وعطاء رغم الحصار وقسوة النزوح


.. لحظة قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا بخان يونس جنوبي قطاع غزة




.. الجيش الإسرائيلي ينقل صلاحيات قانونية بالضفة الغربية لموظفين