الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول الأخطاء المطبعية في البيانات السياسية

أحمد الخمسي

2008 / 11 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


إن أفدح الأخطاء المطبعية هي تلك التي تتجاهل سيادة الشعب في البيانات السياسية للوثائق والمواثيق التي تهم النظام السياسي في المغرب. وهاكم حالة من حالات الحجز التاريخي مما يعانيه الجيل الصاعد المغربي الراغب في الانتماء للعصر السياسي.
تدرس سوسن السوسيولوجيا في الجامعة الإسبانية. في مادة النظام السياسي الإسباني، يشرح الأستاذ مميزات الأنظمة الملكية البرلمانية، متخذا من البلدان الاسكندنافية أمثلة مميزة. فجأة يسأله طالب عن النظام الملكي في الأردن؟ هل هو سؤال سلس ضمن سياق الدرس أم سؤال لغم لتطويق طلبة الضفة المتوسطية الأخرى من بين الحاضرين؟!
اعتبرت سوسن وجود تكامل بين الإثارة في "السؤال العفوي" من جانب الطالب الإسباني حول إحدى الملكيات العربية وبين "الجواب التغطية" الذي استكمل به الأستاذ دورة لعب الذهنية الأوربية المتمركزة حول ذاتها. بحيث أجاب بالنفي حول انتساب الأردن للملكيات البرلمانية الديمقراطية ـ وهي الحقيقة المرة لكن ـ بكيفية متعجرفة من خلال الإشارة الاحتقارية بحركة اليد والجسد، لمن اعتبرهم أنظمة لا صلة لها بالديمقراطية ولا بالبرلمانية، حركة/ صيغة بعيدة عن الديمقراطية. فهي في حد ذاتها غير مؤدبة. تثير الحنق والضيق بل الاختناق. هذا هو المفيد من كلام سوسن في الرسالة الالكترونية.
هذه الحادثة العادية داخل مدرج جامعي إسباني، تضع الطالب المتوسطي من الضفة الأخرى، في ظل ملكية برلمانية أوربية، بين المطرقة والسندان.
فخلفية الأوضاع السياسية التي ينطلق منها الطالب، تجعله كائنا اجتماعيا منسوبا لإطار سياسي أصلي غير مندمج في النظام السياسي العالمي. طبعا غير مندمج بالمعنى العضوي والندي والمتجانس. يكاد لا ينتمي للعصر السياسي. بحيث ترتبط الأنظمة السياسية للبلدان العربية بالنظام العالمي عبر التبعية والخضوع للغرب في التصور وفي السياسات العمومية وفي الحكامة وفي القاموس كما أعبر أنا الآن.
أما بنية الاستقبال لطلبة الضفة الأخرى داخل الاتحاد الأوربي، فتتنوع وتتفاوت في تعقيداتها. لكن في البلدان الأوربية الكبرى مثل ألمانيا وفرنسا، فتتشكل من مجاري وتيارات ذهنية ونفسية تجاه المهاجرين، وفق النمط المحنط في مخيلة الأوربي عن العنصر الغالب بين المهاجرين في بلد أوربي بعينه. إذ تتخيل سلوك المهاجر التركي أو المغاربي أو الباكستاني، أو الصومالي....
والتعقيد في التفاعل السلبي بين الطالب ومحيطه المتوسطي والأوربي على السواء، هو هذا الحجز ما بين المنبع والمصب على حد سواء. فحيث "الهوية" لا وجود لا للحرية ولا للكرامة. أما حيث "الحرية" فلا ضمانات للكرامة.
ربما يقتسم الطرفان الأزمة البيداغوجية. أزمة الخصاص من الحقن البداغوجية الملائمة لتكييف الذوات مع اختلال التحولات. فيبتعد كل طرف عن القيم الأصلية للإنسانية جمعاء. مما يجعل درجة النقد الذاتي والنقد غير موزونة بالكم المناسب. فتتحول العلاقات العامة باستمرار إلى حالات متجاورة من السكيزوفرينيا والمازوجية والسادية، لحظة المعالجة السوسيولوجية.
لننتقل من الميكرو إلى الماكرو، في النظر إلى هذا التشنج بين المركزية الأوربية وبين كآبة طلبتنا في أوربا. ولنتذكر أن الحالة/المشكلة بالقاموس البيداغوجي الكفاياتي، كانت قضية الملكية البرلمانية بين المثال الغربي وشرود الحالة عندنا. لا نقبل التسمية. بالأحرى المسميات!
لقد استعاد الاتحاد الاشتراكي للساحة العمومية لوعة الحلم بالنظام البرلماني حيث تتناغم المقتضيات السيادية مع الضرورات السياسية، بحيث يلائم ما تلبسه الدولة قوام ما يكتنز به جسد المجتمع. ولو بما ضاقت به العبارة، بسبب اتساع المعنى البرلماني عن الجلباب الحزبي.
لكن هل تقود الكوكبة المشكلة للقيادة الحزبية بعد المؤتمر النقاش فيما بين الحلفاء ووسط الساحة السياسية بما يعيد الإصلاح الدستوري إلى صلب عربة التقدم السياسي؟ أم أن جمرة المطلب ستختفي تحت رماد التسابق الانتخابوي؟ بل فوق دفء الكرسي الحكومي قبل ذلك! من يدري لعل البيان العام للمؤتمر حمل خطأ مطبعيا!!
إن السكيزوفرينيا والسادية والمازوشية لحظات سلوك تعتري الشخصية العمومية، على شاكلة الفرد العادي، بمجرد ما يطرح الإصلاح الدستوري على الطاولة. المازوشي الذي يعدم فائدة الإصلاح الدستوري، يقر بعدميته الدستورية مضطرا لا بطل. والسادي الذي يدفع بالنقاش حول الدستور نحو التهمة الجاهزة (= الصبيانية!) يبرر هجومه تحت ذريعة النصح بالواقعية في السياسة ويأمر بالمعروف الممكن فيها. أما ذو الشخصية المزدوجة فلا يعرف أين يضع رجليه!
إن "التلفة" السياسية ليست سوى ترهل حركة يسارية كانت ماسكة المشعل الذي كان يضيئ طريق المستقبل على المدى المتوسط والبعيد. أما وقد أصبحت منشغلة بجدول الأعمال للاستقرار والاستمرار الشخصي والعائلي، من حيث الحساب البنكي والمنافع الاستهلاكية، فقد أصبح ميكانزم التراكم البدائي لرأسمال تقدم القيم النوعية، من مهام قوى أخرى.
إن هؤلاء المعجبين بالموجود من رفيع المستهلكات من صنف "صنع في أمريكا"، ينسون أو يجهلون مصير أول من صاغ عبارة "الولايات المتحدة الأمريكية"، طوماس بين Thomas PAINE، هذا الثوري الذي أشعل مسلسل انبثاق أمة المهاجرين الأوربيين فوق القارة الجديدة، ليرحل نحو فرنسا ليساهم في تدقيق مهام الثورة في القارة القديمة، عانى من الأمرين، في فرنسا التي سجنته قيادة ثورتها، بعدما حصل على الجنسية الشرفية الفرنسية، مدة عشرة أشهر، بل أفلت من المقصلة لمجرد تصويته في الجمعية التأسيسية الفرنسية ضد إعدام الملك. ثم ما لبث أن رجع إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليواجه التنكر التام من طرف السلطات الفيدرالية، فيموت مهمشا، لمجرد أنه يصدر كتابا ثانيا يشهر عبره قناعاته الفلسفية.
إن هؤلاء الذين اندمجوا في الغرب حتى النخاع ذات وضع اقتصادي اجتماعي، أصبحوا ينتقمون لأنفسهم، في مسلسل تراجعي على المستوى السياسي، دون أن يمارسوا نفس التراجع على الصعيد التنظيمي، ليدفعوا بصبيب اليأس في شرايين الشبيبة المغربية نحو درجة الضغط المرتفع والسكر والكولستيرول وكل التورمات المجهزة على القلب قبل الأوان. مقابل ضربهم لكل توقيتات الأوان. بحيث يطابقون بين عمرهم البيولوجي وعمرهم السياسي.
ماذا لو كان هدف النخبة السياسية المتعقلة المندمجة في النظام والعصر، أن تشتغل من أجل ردم الهوة فعلا بين الدولة والمجتمع، لفائدة عموم السكان. فالتورم في أجهزة سيادة الدولة يقابله ضعف ليس بعده ضعف حد "الجلدة على العظم" في حالة سيادة الشعب.
والحال أن من ينسى انبعاث شرعية سيادة الدولة يوم 16 نونبر 1955، لم يكن ليستكمل عناصره دون زرع البدرة الشعبية المقاومة الأولى بعد فقط عشرين يوما من تنصيب محمد بن عرفة، عندما ضحى علال بن عبد الله بنفسه في عملية استشهادية، كأقصى حالة من حالات "التطرف" ضد النفس من أجل عودة السيادة الشرعية للدولة.
ومرة أخرى، سيبقى الفصل 19 في الدستور المغربي محل نقد من مختلف زوايا النظر. ما دام التفاوت مقرفا بين سيادة الدولة المتورمة وبين سيادة الشعب الشاحبة. ماذا لو طعم نفس الفصل بفقرة حول سيادة الشعب. حتى تصبح سيادة الأمة من فوق، مرتكزة فوق أرضية متينة صلبة، قوامها سيادة الشعب. أما الفهم المرتعش المرتعب من مبدأ سيادة الشعب، فهو فهم قاصر عن استيعاب التكامل بينهما، ومضر بسيادة الدولة قبل التقصير في حق سيادة الشعب. فالمتنكرون للشعب الذي أفدى شرعية سيادة الدولة "بالروح وبالجسد" هم أول من يتنكر لكل مقومات الأمة....من رأس الدولة إلى أخمص أقدام الشعب. أما الشعوب فتنتج علال بن عبد الله وطوماس بين، في المغرب وفي أمريكا على السواء. مهما بلغت درجات التنكر والانتهازية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: انتخابات رئاسية في البلاد بعد ثلاث سنوات من استيلاء ال


.. تسجيل صوتي مسرّب قد يورط ترامب في قضية -شراء الصمت- | #سوشال




.. غارة إسرائيلية على رفح جنوبي غزة


.. 4 شهداء بينهم طفلان في قصف إسرائيلي لمنز عائلة أبو لبدة في ح




.. عاجل| الجيش الإسرائيلي يدعو سكان رفح إلى الإخلاء الفوري إلى