الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوجه الجديد للسياسة الأمريكية

المناضل-ة

2008 / 11 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


ُيمثل الفوز واسع النطاق لباراك أوباما في انتخابات الرئاسة حدثا ذي تبعات تحويلية في الحقل السياسي الأمريكي لأن أمريكيا أفريقي الأصل تبوأ أسمى وظيفة في بلد قام على العبودية. والآن حانت المسائل الأشد صعوبة، أي تحديات أهم من تلك التي انتصبت أمام أي من الرؤساء منذ الحرب العالمية الثانية . أي سياسة اقتصادية سيتبنى أوباما بينما أسوأ أزمة اقتصادية منذ سنوات 1930 تجر العالم إلى انحسار اقتصادي عميق؟ هل سيقوم هذا الرجل الذي تميز بمعارضة حرب العراق بالوفاء بوعد سحب القوات الأمريكية من هذا البلد؟ هل ستتحقق تغييرات أساسية كالتي يتمنى بجلاء أنصاره؟

لحد الساعة يقوم أنصار أوباما، وعن حق ، بالاحتفال بالنصر. ولد أوباما سنة 1961، في حقبة كان الميز العنصري قانون الجنوب، وكان أنصار الحقوق المدنية عرضة للعقاب بلا قانون، والكلاب البوليسية وأنابيب إخماد الحريق مستعملة ضد الأطفال السود. لذا يرمز "صعود" أوباما إلى التغيرات الحاصلة، حتى في بلد يظل مشوها بعنصرية فاسدة تدفع من الزنوج إلى السجن أكثر مما ترسل إلى الثانوية.

لا يسع أي معارض للعنصرية إلا أن يتأثر بمشهد غرانت بارك في شيكاغو ليلة الانتخابات، لما احتفل حشد متعدد الأعراق من 250 ألف شخص في خليط بهيج بحلول فرصة التغيير. قدمت أسر بكاملها للاستماع إلى خطاب النصر، و جاء عمال نقابيون لا يزالون ممسكين بلافتات مناصرة لأوباما، وشارك أيضا العديد من المهاجرين بلا حقوق تصويت في هذا التجمع. أدرك روحَ تلك الليلة شبابٌ بيض وسود – لم يبلغ الكثير منهم بعد سن التصويت- هاتفين " أو –با – ما ! أو- با – ما !" في شارع ميشيغان، الشارع الرئيسي بإحدى أشد المدن الأمريكية عنصرية. " ما يعني أن يكون لي رئيس من أصل أفريقي ؟ لا استطيع حتى إيجاد كلمات لقول ذلك "،هكذا صرح مدرس زنجي بإحدى مدارس شيكاغو الابتدائية.

فشل "إستراتيجية الحرب"

لا يمد انتصار أوباما جذوره في رفض السكان لجورج بوش وحسب، بل أيضا في الشعور السائد في قاعدته بالحزب الديمقراطي بوجوب الابتعاد عن الوصفات القديمة التي كانت سارية في المجال السياسي.

خلال حملة الانتخابات الأولية ، ألهم أوباما ناشطين شباب بتلميحات إلى الحركات الاجتماعية في الماضي- من حركات الإضرابات في سنوات 1930 حتى التعبئات من أجل الحقوق المدنية في سنوات 1960- وصرح أن حملته تمثل حركة مماثلة.

لقد هيأت المنظمات بالقاعدة ( في الأحياء، والثانويات، والجامعات ، الخ) فوز أوباما في الانتخابات الأولية في Iowa ( في يناير 2008)، وانتصروا في الأخير على آلة هيلاري كلينتون، الممولة جيدا مع ذلك. كانت هذه الأخيرة اعتبرت الانتخابات الأولية مجرد إجراء شكلي. لقد تفوق أوباما حتى مع لجوء هلاري كيلنتون، بعد أن استبد بها اليأس، إلى حجج عنصرية مصرحة أنها مرشحة "الأمريكيين البيض الذين يعملون بحمية" .

وحتى بعد تفوق أوباما في الانتخابات الأولية في الحزب الديمقراطي، واصلت وسائل الإعلام الكبرى ترويج فكرة أن العمال البيض – دجو عامل الترصيص: عامل ماكين الأسطوري ، الخ - عنصريون جدا لدرجة تعذر مساندتهم لأمريكي أفريقي الأصل. ثم استفاد جون ماكين من الحقل الذي حرثه بيل كلينتون. فبتأجيج المخاوف المتعلقة بالأصول المسلمة المزعومة لأوباما، و"نزعته النخبوية "، و علاقاته المفترضة مع متطرفين سابقين، لم يكن الجمهوريون يفعلون سوى تكرار تكتيك مستعمل في 1968 ( انتخاب نيكسون). كانوا آنذاك قد حاولوا استثارة رد البيض اليمينيين، وأتاح لهم ذلك التكتيك مذاك السيطرة على واشنطن طيلة أربعة عقود. لكن يوم الانتخاب أبان وجها مغايرا جدا. إذ دلت استطلاعات الرأي أمام مكاتب التصويت أن أغلبية المصوتين - بيضا وسودا- يؤاخذون الجمهوريين على حملات ماكين التحقيرية.

ماذا سيكون البرنامج الملموس؟

يتمثل السؤال الآن في معرفة كيف سيستعمل أوباما والديمقراطيون سلطتهم في واشنطن، لا سيما بصدد أهم المواضيع بالنسبة للناخبين: الاقتصاد، لكن أيضا احتلال القوات الأمريكية للعراق وأفغانستان.

إن التمعن في مواقف أوباما السياسية – بغض الطرف عن تحليقه الخطابي- يبين تفاوتا كبيرا بين أمال وتطلعات ناخبي أوباما و البرنامج الحذر والمعتدل الذي تقدم به. إن أوباما في آخر المطاف سياسي من التيار السائد في الديمقراطيين. ورغم قدرته على إثارة حمية العمال والشباب للتصويت لصالحه، كانت حملته تابعة أيضا للمبالغ المالية الطائلة التي منحتها الشركات الكبرى، والتي مكنته من إنفاق مبلغ قُدر بـ 650 مليون دولار، وهو أضخم مبلغ من نوعه في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. وبقصد الحصول على هذه الأموال تخلى أوباما عن نظام التمويل العمومي الذي كان أرسي بغاية موازنة دور المال الضخم في السياسة.

ومع هذا الدعم من عالم الأعمال ( الذي أُضيف إلى محصول من القاعدة )، أصبحت مواقف أوباما أكثر فأكثر اعتدالا، لا سيما بعد الفوز بالانتخابات الأولية بوجه هيلاري كلينتون. ورغم تقدم أوباما العرضي باقتراحات تقدمية- كدفاعه مثلا عن الزيادة الآلية في الأجر الأدنى حسب معدل التضخم- فإنه بعيد عن أن يكون ذلك "الاشتراكي" الذي اخترعه مستشارو ماكين في التواصل.

فبدل القيام بإعادة توزيع كبيرة للثروات، يريد فقط وضع حد لخفض الضرائب الذي قام به بوش وزيادة الحد الأقصى لنسبة الضريبة على الدخل من 30 % إلى 35%. لكن اقتراح اوباما، كما أشار Chuck Collins من معهد الدراسات السياسة، هو في صالح الأغنياء أكثر من اقتراح إيزنهاور الرئيس الجمهوري في سنوات 1950. مثلا كان لـ 400 الأكبر من دافعي الضرائب دخل متوسط يناهز 12 مليون دولار حالية. وكانوا يدفعون، بعد الخصم، 51% من هذا المبلغ ضريبةً. لنحاول وضع هذه الأرقام في السياق المعاصر. في 2005 كان لـ 400 الأكبر من دافعي الضرائب دخل متوسط من 214 مليون دولار، و قد أدوا من هذا المبلغ الكبير- بعد الخصم- 18.5 % للضرائب الفيدرالية. لو كان إيزنهاور اليوم هنا لاتهم أوباما، المستهدف حاليا بهجوم ماكين المعادي لإعادة التوزيع- بالمبالغة في الخجل إزاء فرض الضريبة على الأغنياء.

وثمة مسألة أكثر استعجالا من الضرائب، إنها مسألة إنقاذ النظام المالي، حيث يسارع أمين خزينة بوش، هنري بولسون، لمنح البنوك والمؤسسات المالية 700 مليار دولار ( بأشكال مختلفة، منها إعادة رسملة البنوك الرئيسة) قبل تسلم أوباما الرئاسة يوم 20 يناير 2009. هذا الإنقاذ هو في الواقع تحويل استثنائي لثروات العمال إلى الأغنياء، وهو الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.

هل سُينهي أوباما هذا الغش الهائل، وهل سيضع برنامجا اقتصاديا مركزه مصالح الناس الذين يعملون؟ هل ستستعمل إدارة أوباما ملكيتها لفاني ماي وفريدي ماك(أهم مؤسسات القرض الرهني) وحصصها في البنوك الكبيرة لتنهي المصادرات الرهنية (طرد الأسر العاجزة عن سداد أقساطها الرهنية من بيوتها)؟ هل سيوضع برنامج لحفز الاقتصاد قادر على خلق فرص عمل أكيدة، على المدى الطويل ؟ لا يقدم فريق أوباما الاقتصادي أي إشارة عن السعي إلى السير في اتجاه هذه التغييرات. و رغم أن ثمة ضمن مستشاري أوباما الاقتصاديين بعض التقدميين المناصرين للعمال مثل جاريد بيرنشتاين ( مدير معهد السياسة الاقتصادية)، يثق أوباما أكثر في شخصيات المؤسسة من أمين الخزينة السابق في عهد كلينتون روبرت روبين ( وهو حاليا أحد أرباب بنك سيتي غروب)، والرئيس السابق للخزينة الفيدرالية بول فولكر. والحال أن للإثنين معا تاريخ في الدفاع عن عالم الأعمال الكبير على حساب العمال.

تسود نفس " النزعة الواقعية" في الفريق المكلف بسياسة أوباما الخارجية. لقد هوجم أوباما في الآن ذاته من هيلاري كلينتون و جون ماكين بتهمة افتقاده التجربة في مجال السياسة الخارجية، فأحاط نفسه بكتاب دولة سابقين، ومسؤولين سابقين بالمخابرات CIA وجنرالات وجامعيين معروفين بتأييدهم للسياسة الخارجية الامبريالية الأمريكية. سيتغير الأسلوب – بإيجاد مزيد من الحلفاء والمشاركة في اتفاقات دولية – لكن العمق لن يتغير.

ينوي أوباما إبقاء عشرات آلاف الجنود الأمريكيين بالعراق لتأمين استمرار الحكومة الموالية للولايات المتحدة الأمريكية. وكما أكد مرارا خلال حملته، يسعى أوباما إلى تكثيف الحرب الشرسة في أفغانستان، حيث ٌتخفي "ملاحقة أسامة بن لادن" إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على احتلال مناطق إستراتيجية بهذه المنطقة من آسيا. ومن جهة أخرى، أعرب أوباما عن توجه حربي فيما يخص فنزويلا، وكان تصريح تأييده إسرائيل يمينيا أكثر من موقف إدارة بوش.

لكن هذا لا يعني بأي وجه استحالة أي تغيير. إن عشرات ملايين الأشخاص يطالبون بتوجه جديد. و السؤال هو معرفة ما إن كانوا قادرين على تنظيم تنفسهم للنضال لتحقيقه. لنتناول مثلا مشروع Employee Free Choice Act – أحد مواضيع حملة النقابات- الذي قد يلغي قسما كبيرا من العراقيل التي يضعها القانون الموالي لأرباب العمل ( شروط عديدة للحصول على حق إنشاء فرع نقابي داخل مقاولة)، وقد ُيسهل تنظيم العمال النقابي. وعد أوباما بتوقيع هذا القانون إذا وصل إلى مكتبه.

لكن جماعات الضغط بعالم الأعمال أغدقت المال على الجمهوريين والديمقراطيين المحافظين بالكونغرس. هؤلاء عاقدون العزم على عرقلة المشروع كما فعلوا في 1994، حيث جرت في كونغرس بأغلبية ديمقراطية عرقلة قانون يمنع استبدال عمال وعمال مضربين بعمال جدد، على المدى الطويل .

لكن حظوظ المصادقة اليوم على Employee Free Choice Act أوفر بالنظر إلى الرغبة في التغيير وحجم الأزمة الاقتصادية و فقد عالم الأعمال الكبير للمصداقية. ونفس الدينامية قائمة أيضا فيما يخص الحرب بالعراق و بأفغانستان. سيخيب أمل من صدقوا حرفيا أوباما بصدد سحب القوات، إذا لم يتجسد ذلك. وسيكون الكثير ممن اعتبروا الحرب بأفغانستان شرا لابد منه أكثر استعدادا لإعادة النظر فيما سيتضح بجلاء متزايد أنه حرب غزو امبريالي. وثمة في هذا السياق منظورات لإعادة بناء الحركة المناوئة للحرب على قاعدة أصلب.

اعتبارا لهذه الأزمات المتعددة التي تنقض على الولايات المتحدة الأمريكية، ستحدث تغييرات. لكن درجة وكيفيات تنظيم السكان العاملين للنضال من أجل مصالحهم هما محدد شكل تلك التغييرات، ومسألة معرفة لصالح من ستكون.

تعريب جريدة المناضل-ة عن النص بالفرنسية بموقع

A l’Encontre

نشر هذا المقال كموقف لمنظمةInternational Socialiste Organization (ISO) يوم 7 نوفمبر 2008









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دروس الدور الأول للانتخابات التشريعية : ماكرون خسر الرهان


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات اقتحام قوات الاحتلال في مخيم ن




.. اضطراب التأخر عن المواعيد.. مرض يعاني منه من يتأخرون دوما


.. أخبار الصباح | هل -التعايش- بين الرئيس والحكومة سابقة في فرن




.. إعلام إسرائيلي: إعلان نهاية الحرب بصورتها الحالية خلال 10 أي