الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يعود البعثيون الى حكم العراق

عبدالمنعم الاعسم

2008 / 11 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


سؤال تجيزه السياسة، ويقبله علم المصادفة، وتطرحه نظرية الاحتمالات، وتحمله عواصف الاحداث في العراق من بين مفارقات كثيرة، لكنه لا يزيد عن سؤال تنتجه البداهة دائما غداة كل تحول في التاريخ، ففي العهد الجمهوري بقي انصار الملكية يثرثرون زمنا طويلا عن حتمية العودة الى "عهد الاستقرار" المفقود، مع تعديلات ضرورية على سطح الحكم تعالج مصادر شكوى الجمهور، وفي عهد انقلاب شباط كان القاسميون يرون عودة حكم 14 تموز امرا مفروغا منه يوما ما، وبعد انقلاب البكر-صدام على العهد القومي الناصري في 17 تموز 1968 طمأن القوميون الامة انهم عائدون حتما الى حكم العراق، وإن طال الزمن.
ومنذ خمس سنوات يصدر البعثيون بيانا تلو البيان عن قرب العودة الى القصر الجمهوري، رفق اسماء عديدة(بينها عزة الدوري) بدل صدام حسين، حتى ان فريقا منهم اسس واجهة سياسية باسم حزب العودة، وفي الاونة الاخيرة صاروا يوعدون بتحقيق التعددية السياسية واستقلال القضاء والتداول السلمي للسلطة، من دون ان يترافق ذلك مع مراجعة نقدية واضحة لتجربة حكم البعث (الصدامي) في تلك المفاصل ذات العلاقة بنظام اللون السياسي الواحد البغيض ومسخ القضاء واحتكار السلطة من الفرد المستبد ومصادرة الحريات تحت طائلة الاعدام والحكم بواسطة العائلة والحلقة الضيقة من الاتباع ومنع الاحزاب والتنكيل، حتى الموت بالمعارضين، فضلا عن سلسلة الحروب الكارثية التي ارتبطت باسم العهد البعثي، والتي تسببت في مقتل وتعويق وترميل وإذلال الملايين من العراقيين، وتسببت، في النتيجة النهائية، في وقوع العراق تحت احتلال القوات الاجنبية.
وبعيدا عن روح الانتقام والتعامل بالمثل فانه(في رأيي) من حق البعثيين كعراقيين ان يمارسوا العمل السياسي المدني(اكرر: المدني) تحت اي اسم وضمن اية تصورات، وقد يذهب الكثير من العاملين في حقل السياسة والفكر الى اعتبار تحريم النشاط البعثي بالقانون ينطوي على اسلوب رث في محاربة الاتجاهات السياسية كان قد عفا عليه الزمن، فوق انه لا يحقق الهدف في زمن تعبر الافكار خلاله جميع الاسوار، وتعجز القوانين الرادعة عن تحجيم الراي ايا كان شكله.
/غير ان مشكلة البعث تتمثل في انه، في غالب فصائله، لا يزال اسير ارثه التآمري الانقلابي، ولم يتخلص من اغواء الدبابة ووهم السيطرة على الحكم بالقوة المسلحة والسيطرة على الاذاعة واعلان البيان رقم واحد، وتعليق جثث الخونة على اعمدة الكهرباء في الباب الشرقي، واعادة انتاج كذبة "ثورة 17 تموز" التي لم تكن غير عملية انقلاب جنرالات طامحين بالحكم سرعان ما سقطوا في فخ البعث.
باختصار شديد، ان البعثيين لم يعيدوا النظر في ما الحقوه بالعراق وشعبه من كوارث وإذلال.. وهذا يجيب عن السؤال عما اذا يمكن للبعثيين(المنمطين) ان يعودوا الى حكم العراق.. ومن اي زاغور يمكن ان يتسرب مثل هذا المستحيل.
قبل هذا علينا ان نعرف بان البرنامج السياسي للبعثيين(في جميع تسمياتهم)يقوم على ركنين اساسيين، الاول، ادانة الاحتلال الخارجي وحمل السلاح ضده، ثم ضد حكم العملية السياسية، والثاني، تبشيع مرحلة التغيير والتأسي على احوال المواطنين الصعبة وسط اجواء العنف وتراجع الخدمات واستفحال الفتن الطائفية.
وتحاول نشريات وكتابات البعثيين ان تبرئ النظام السابق وقيادة صدام حسين من المسؤولية المباشرة عما حل بالعراق كنتيجة لاشعاله ثلاثة حروب اضرمت اجواء التوتر وسباق التسلح في المنطقة وانتهت الى مجابهة مع العالم كله وبررت للولايات المتحدة وحلفائها ان تجتاح العراق وتسقط النظام في حرب خاطفة، وقف الشعب حيالها(والجيش النظامي ايضا) متفرجا، مغلوبا على امره، في افضل توصيف موضوعي، فيما استيقظ العالم كله على فضيحة الهزيمة الشنعاء للنظام وكرامته وشعاراته، ولا زلنا نستعيد وقائع الاستسلام المذل لكبار اركان النظام والقبض على الاخرين وهروب الكثيرين ناجين بجلودهم ومخازيهم.
ويشاء البعثيون وهم يتحدثون عن تردي الاوضاع الامنية والمعيشية و”الوطنية” في العراق بعد التاسع من نيسان 2003 ان يتجاهلوا السؤال المهم: كيف كان العراق قبل يوم من سقوط النظام؟ ففي الثامن من نيسان من ذلك العام كان ما يزيد على ستة عشر مليون من العراقيين يعيشون تحت نقطة الصفر من الفقر، فيما هجر مئات الالوف من الموظفين اعمالهم تحت طائل العوز والفاقة إذ لا تسد مرتباتهم معيشة اسبوع واحد لاسرهم، وبلغت جموع الهاربين، من الشباب بخاصة، الملايين خشية استخدامهم حشوات في ذخيرة حرب جديدة قد تشتعل في اي وقت، في وقت كان صدام قد ادمن اشعال الحروب، وكانت الشوارع تمتلئ بالعاطلين من مسرحي الجيش، وكان الاحتجاج على هذه الاوضاع المزرية مهما كان سلميا وعابرا يودي بصاحبه الى التهلكة وفي الغالب الى الموت، وفي غضون ذلك كانت الصحافة واقنية التعبير عن الرأي اسيرة وظيفة واحدة هي تزوير الصورة الكارثية للبلاد والتسبيح والتطبيل لالهة الموت والكوارث.
اما الحديث عن السيادة والوحدة الوطنية، فانه مقبول من البعثيين وغيرهم، بل وواجب على الجميع، لان هذه المفردات تدخل في قوام الدولة، اية دولة، طالما انها برسم ملكية الجميع، لكن، قبل هذا، ينبغي ان نتأمل شكل تلك السيادة التي كانت قائمة في عراق الثامن من نيسان 2003 ففي تقويم العالم ووثائق ومحاضر الامم المتحدة حقائق عن ثلث البلاد كانت خارج قبضة النظام الى كيان كردي شبه مستقل، وثلثها الاخر موصد امام النشاط الجوي والعسكري الثقيل للحكومة الموكول لها حماية السيادة الوطنية، فضلا عن محميات متبرع بها للجيش التركي بحدود عشرة كيلومترات على طول الحدود مع تركيا، وفضلا عن اكثر من عشرين قرار لمجلس الامن جعلت من السيادة الوطنية (وعائدات العراق وموارده)خرقة مسح حائلة، واخيرا هل نحتاج الى التذكير كيف كان خبراء وضباط غربيون يفتشون في غرف منام صدام حسين وقصوره عن اسلحة محرمة وكان يذعن لها صاغرا في كل مرة؟.
باختصار شديد، يحتاج البعثيون من ورثة حزب صدام حيبن ان يتذكروا ان الجيل العراقي الذي عاش ايامهم تلك لم يمت بعد، وهذا ليس من بلاغة السياسة فانهم لم يتخلوا عن الشغل بالشعارات القومية المستهلكة ونفخها على الدوام، على الرغم من انهم عطروها بغيرة على العراق ونعي له (نعي سلطتهم السابقة حصرا) ولم يظهروا، بالرغم من كل ما حدث، أي ميل الى معاينة ظلال ومكان هذه الشعارات في الواقع الجديد في ظل التحولات العاصفة التي شهدها العراق والعالم، ولا يزالون يخشون من التحرك خارج بصمات وشخصية وافكار وسياسات صدام حسين، وجاء مشهد وتوقيت اعدامه(وموقفه ساعة الاعدام) والطريقة الكيدية(الجاهلية) التي تم فيها التنفيذ بمثابة “إلهام” اضافي لشحنة تلك الشعارات.
والآن، اصبح-كما يبدو- من المستحيل تطوير وترشيد حركة البعث الصدامي الى فضاء العمل المدني السلمي طالما رهن نفسه(الى الابد) في مقولات وفتاوى “المُلهم” فضلا عن استحالة انتاج ملهم آخر تمنحه الحياة فرصا اسطورية(مُنحت لقلائل في التاريخ) مثل الفرص التي سنحت لصدام حسين، واستحالة صنع عراق على صورة عراق نهاية ستينات القرن الماضي، واستحالة تلفيق طبقة جنرالات متنفذين قلبوا الوضع وسلموه لقمة سائغة بيد حفنة حزبية اتقنت لعبة التآمر والتصفيات السياسية.
يقول كثيرون، ومنهم بعثيون عقائديون، ان حزب (او احزاب) صدام حسين كف ان يكون على صلة بافكار ومنطلقات حزب البعث التاريخية التي ارساها المؤسسون الاوائل، وإذ لا تشكل هذه الملاحظة ادانة دامغة لسيرة البعث الصدامي باعتبار ان للحياة فروضا ومشيئات وأملاءات اخرى، لكن الشكوى تتمثل(عدا عن الانقلاب العقائدي) في التنكيل، وإسكات الصوت، بجيل الرواد البعثيين (وكذلك الشركاء من طلائع الحزب العراقي) على يد صدام حسين كونهم خرجوا على حدود العقيدة التي صارت تشكل نفسها من عجينة “القائد الضرورة” وجملة من الرطانات الصالحة لصعوده السريع.
ويبدو ان ورثة حزب صدام لا يجرؤون على تقليب تلك الصفحات خوفا من ان تفاجئهم الاسئلة التفصيلية، ومن جهة اخرى لم يعودوا يمتلكون سلطة صدام القاهرة لكي يمنعوا بالقمع اثارة الاسئلة الجديدة، كما لم يتمكنوا من وقف تطورات الاوضاع في العراق التي تقوم على قطيعة مع عهد الحزب الواحد، وإن نجحوا ، مع حلفاء لهم من عصابات القاعدة والجريمة المنظمة وجماعات قبلية واسلامية محلية مسلحة، في عرقلة تطبيع الاوضاع، وفي النهاية، منع تسريع اخراج القوات الاجنبية من البلاد.
وبصرف النظر عن التفاصيل، فان سياسات ومواقف البعثيين، لا تزال تدور في منظورات صدام حسين وتطبيقاتها السياسية، باستثناء محشورات لفظية خجولة عن التعددية السياسية واحترام حقوق الانسان، في حين تراجعت الى ادنى منسوب لها ثقة حلفائهم بهم، وليس انفراط التحالف مع القاعدة والجماعات الاسلامية القبلية المسلحة ، بعد انفراطها مع مجموعات اخرى مسلحة، سوى تكرار ذي مغزى عن عزلة بعث صدام حسين، تضاف الى ما يعانيه من سوء السمعة.. او من سمعة السوء، لا فرق.
ــــــــــــــــــــــــ
كلام مفيد:
"الشرير، شخص يتفرج على غزال الحديقة وفي ذهنه اسياخ على نار".
محمد مستجاب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بكاء ومعاناة نفسية وذكريات جميلة.. تفاصيل مراحل مختلفة عاشته


.. فرنسا تدعم مسعى الجنائية الدولية لإصدار مذكرات توقيف بحق قاد




.. ما رمزية وتداعيات طلب مذكرة توقيف بحق نتنياهو؟


.. إيران تبدأ تشييع رئيسي.. ومجلس خبراء القيادة يعقد أول اجتماع




.. الحوثيون يعلنون إسقاط مسيرة أمريكية في محافظة البيضاء| #الظه