الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العمليات الانتحارية من استراتيجية خاطئة الى فوضى عارمة

سامية ناصر خطيب

2002 / 6 / 2
القضية الفلسطينية


 

بغض النظر عما اذا سمينا هذه العمليات استشهادية او انتحارية، فانها كانت نهجا خاطئا من ناحية الاسلوب والجدوى. صحيح انها تنشر الرعب في الشارع الاسرائيلي الا ان الفوضى التي تحدثها في الشارع الفلسطيني تخلق مشكلة اكبر للمجتمع الفلسطيني. من استراتيجية فاشلة، تحولت العمليات الانتحارية الى تعبير عن الفوضى مما يزيد البلبلة، ويعطي اسرائيل المزيد من المبررات لمواصلة التنكيل بالمواطنين من خلال خنقهم بالحصار.

سامية ناصر خطيب

 

عملية "السور الواقي" التي انتهت بتقويض البنية التحتية للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، كشفت مدى الضعف السياسي والاقتصادي والاجتماعي الفلسطيني. فمن جهة خلّفت العملية واقعا فلسطينيا سيئا جدا، اذ عاثت الفساد والدمار في المناطق التي اجتاحتها الدبابات، وتركت مئات القتلى وآلاف المعاقين والاسرى وعشرات آلاف الجرحى. ومن جهة اخرى، شقت الصف الفلسطيني، الامر الذي تجلى في تصعيد اللهجة بين حماس والسلطة وفي احتدام النقاش الداخلي حول سبل المقاومة وجدوى العمليات الانتحارية.

الخسائر الكبيرة التي تكبدها الجانب الفلسطيني لم تثمر عن تغيير في موازين القوى الداخلية. فالسلطة، وعلى رأسها ياسر عرفات، لا تزال تحتفظ بمراكز القوة، وهي على اهبة الاستعداد لانتهاز اول فرصة تقودها لطاولة المفاوضات مع اسرائيل تحت رعاية الولايات المتحدة والرجعية العربية.

لا شك ان الرد العسكري الاسرائيلي العنيف على العمليات الانتحارية كان متوقعا، بل ان العمليات الانتحارية منحت اسرائيل دعما سياسيا داخليا وعالميا لضرب البنية التحتية الفلسطينية بادعاء انها بنية ارهابية.

في الوضع الجديد ترفض امريكا ان تكون في المناطق المحتلة سلطتان، واحدة للسلطة والثانية لحماس. اللعبة المزدوجة التي حسبها ادارت السلطة المفاوضات، بينما ادارت حماس والكتائب المسلحة الانتفاضة، لم تعد مقبولة. والمطلوب اليوم من عرفات تجريد كل الكتائب المسلحة من اسلحتها وقمع الاسلام السياسي، كشرط لاستمرار شرعيته في عيون الاسرائيليين والامريكيين.

 

شق الصف الفلسطيني

ازاء الضغوط الامريكية القوية لاجراء اصلاحات في هياكل السلطة الفلسطينية، ارتفعت اصوات في الصحف العربية، تعلن معارضتها للعمليات الانتحارية وتصفها بالارهابية وليس الاستشهادية، وتدعو لايقافها. وقد كرست "الحياة" (التابعة للسعودية) في 13 ايار (مايو) صفحة كاملة لمناقشة جدوى العمليات الانتحارية، وكان واضحا فيها تغلب الموقف المعارض على المؤيد.

بعد ان مجّد الجميع المقاومة وحياها العرب في قمة بيروت، راح الكثيرون يعزون الضرر الكبير الذي لحق بالفلسطينيين للعمليات الانتحارية. النائب في الكنيست الاسرائيلي ومستشار عرفات، احمد الطيبي، الذي كان قد دعم الانتفاضة منذ بدايتها، اشار مؤخرا الى انه كان من الخطأ التحول من النضال الشعبي الى العسكري.

كاتب فلسطيني فضل عدم ذكر اسمه قال للحياة (13 ايار) ان هذه العمليات "منحت شارون الضوء الاخضر لتنفيذ عملية "الجدار الواقي" التي زرعت القتل والخراب والدمار في شتى ارجاء الضفة الغربية". واضاف:

"لا شك ان التباين حول الموقف من العمليات الانتحارية مسألة طبيعية، مثله مثل الخلاف حول المشاركة في عملية السلام ومسائل فكرية وسياسية اخرى كبيرة كثيرة. لكن الاعراف الديمقراطية ومبدأ الحرص على الوحدة الوطنية، يحرّمان اي طرف من حسم قضايا الخلاف بفرض رأيه على الآخرين، وتنفيذ ما يحلو له حتى لو ادى ذلك الى كوارث وطنية".

ويضيف الكاتب متهما حماس بانها خرقت الاجماع الوطني، وان عملياتها الحقت اضرارا كبيرة بالمصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، واخرجت نفسها عن قيادة القوى الوطنية والاسلامية.

ويشير هذا الى بلبلة بالنسبة للهدف من العمليات الانتحارية. فاذا كانت حتى العدوان الاسرائيلي واضحة وموجهة ضد اسرائيل، فبعد ان عقدت القيادة الفلسطينية الصفقات في كنيسة المهد والمقاطعة في رام الله، لم يعد واضحا اذا كانت موجهة ضد اسرائيل ام ضد السلطة نفسها احتجاجا على هذه الصفقات؟ وقد زادت البلبلة لدرجة انه بالامكان الاعتقاد ان الجبهة الشعبية تنفذ العمليات الانتحارية بسبب سجن عرفات لامينها العام، احمد سعدات ؛ وكتائب الاقصى تنفذها هي الاخرى بسبب النية لنزع سلاحها ومواصلة السلطة التعاطي مع اسرائيل والامريكان،بينما لا يزال مروان البرغوثي سجينا؛ اما حماس فتقوم بها كجزء من التصعيد الحاصل في العلاقات مع السلطة منذ طالبها خالد مشعل بالرحيل عن المناطق الفلسطينية.

 

ما بين الانتفاضة الاولى والثانية

لقد انجرت التنظيمات الفلسطينية المسلحة كلها وراء استراتيجية العمليات الانتحارية، حتى لا تترك لحماس الانفراد بالدعم الشعبي، لكن هذا كلّف الشعب الفلسطيني غاليا. فقد وحدت هذه المواجهة العسكرية الصف الاسرائيلي وراء شارون، ووحدت العالم والانظمة العربية ضد العمليات الانتحارية التي لم يستطع احد الدفاع عنها.

في قمة شرم الشيخ تبينت خطورة فقدان الدعم العربي للقضية الفلسطينية. هذه القمة التي اتحد فيها لاول مرة الرئيس المصري حسني مبارك، وولي العهد السعودي الامير عبد الله، والرئيس السوري بشار الاسد، حول وقف العنف الفلسطيني، واتفقوا على الضغط على عرفات لاتخاذ موقف حازم من العمليات الانتحارية ووقفها.

ونشرت صحيفة الحياة (في 13 ايار) مقالا للكاتب المصري محمد الشاذلي امتدح فيه البيان الختامي لقمة شرم الشيخ قائلا: "اكد قادة مصر وسورية والسعودية مجددا... الرغبة الصادقة للعرب في السلام ورفضهم العنف بجميع اشكاله".

ويبدو الفرق شاسعا بين هذه الانتفاضة والانتفاضة الاولى عام 1987. فالاولى استطاعت ان توحد فصائل وشرائح الشعب الفلسطيني برمته، وقسمت الشعب الاسرائيلي حول مسألة الاحتلال، وعزلت اسرائيل في العالم. وكان مطلب الانتفاضة واضحا، وهو الانسحاب الاسرائيلي من المناطق المحتلة 67، واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. وهو المطلب الذي تبنته 125 دولة في الامم المتحدة. كما تمتعت الانتفاضة بدعم عربي وبوجود الاتحاد السوفييتي كقطب مواز للامبريالية الامريكية.

 

ضيق افق

مع بداية الانتفاضة الثانية عاشت حركة حماس في نشوة لا اساس واقعي لها. فخيارها المقاومة والمواجهة لم يكن لاقامة الدولة الفلسطينية والعودة الى حدود ال67 تطبيقا للقرارات الدولية، انما تعداها للمقاومة حتى ازالة الكيان الصهيوني من اساسه وتحرير كامل التراب الفلسطيني وقتل اكبر عدد ممكن من اليهود لدفعهم على الرحيل.

وظنّت حماس انها تقلد نجاح حزب الله بطرد الجيش الاسرائيلي من لبنان. الا انها اخطأت بذلك، لان حزب الله فاز بدعم كبير لبناني وعربي، كما انه تحرك في اطار القرارات الدولية. من جهة اخرى اعتمد حزب الله على المواجهة مع الجيش ولم يستهدف المدنيين. وما يحلو لحماس التغاضي عنه ان حزب الله قيّد عملياته منذ انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان، وهو يستغل ثغرة بقاء الجيش الاسرائيلي في مزارع شبعا لمواصلة هجومه وخدمة اهداف سياسية لسورية وايران.

المقاومة امر مشروع بل هو واجب على كل شعب يطمح لتقرير مصيره وازالة الاحتلال. لكن حتى تتوفر فرص النجاح للمقاومة يجب ان تأخذ بالحسبان موازين القوى الحقيقية ولا تعتمد على الارادة والاستعدادات النضالية، فهذه وحدها لا تكفي. الوضع العربي والدولي تحديدا بعد 11 ايلول، امر لا يمكن تجاهله عند تحديد استراتيجية النضال. وقد تبين ان القيادة الفلسطينية عندما تبنت العمليات الانتحارية كنهج، كانت معزولة عما يحدث في العالم، ولم تأخذ بالحسبان امرا اساسيا وهو احتمالات الشعب الفلسطيني امتصاص رد الفعل على هذه العمليات، وواضح ان رد الفعل كان اكبر من القدرة على تحمله.

من هنا يمكننا ان نجزم انه بغض النظر عما اذا سمينا هذه العمليات استشهادية او انتحارية، فانها كانت نهجا خاطئا من ناحية الاسلوب والجدوى. صحيح انها تنشر الرعب في الشارع الاسرائيلي الا ان الفوضى التي تحدثها في الشارع الفلسطيني تخلق مشكلة اكبر للمجتمع الفلسطيني. من استراتيجية فاشلة تحولت العمليات الانتحارية الى تعبير عن الفوضى مما يزيد البلبلة ويعطي اسرائيل المزيد من المبررات لمواصلة التنكيل بالمواطنين من خلال خنقهم بالحصار.

  june 2002  -الصبار 153








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يتصرف الألمان عندما يمرضون؟ | يوروماكس


.. لمى الدوري: -العراق يذخر بالمواقع الأثرية، وما تم اكتشافه حت




.. الهدنة في غزة على نار حامية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مسلسل المانغا - بون- : وحدة تسافر عبر الزمن وتحي الموتى




.. -طبيب العطور- بدبي.. رجل يُعيد رائحة الأحبة الغائبين في قارو