الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعب العراقي – رهينة الماضي و الحاضر

سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر

(Sohel Bahjat)

2008 / 11 / 26
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



من المؤسف حقا أن العراقيين بقوا حبيسي و رهائن لعقل العشرينات و حتى لما قبل العشرينات، إن أي باحث ضليع في علم نفس الشعوب و الأمم و المجتمعات و التاريخ و متعلقاته لا بد و أنه لن يستغرب تصرفات غالبية العراقيين تجاه محرريهم سواء ما حصل في العشرينات و ما رافقها من تناقضات، ككراهية العراقيين للعثمانيين و ترحيبهم بالبريطانيين ثم انقلاب الصورة و تحولهم نحو العكس أي التعاطف مع العثمانيين الذين تركوا العراق رمادا و عداء البريطانيين الذين جلبوا للعراق التطور و الاقتصاد و النظم الحديثة.
الشيء ذاته حصل مع الأمريكيين عام 2003 حينما أطاحوا بالبعث و صدام، فأغلبية العراقيين تنفست الصعداء و سرت بهذا التغيير العظيم مع فارق هو أن غالبية العراقيين لا زالت مرتاحة للإطاحة بالبعث، لكن مع مرور الوقت و بدء بعض الأحزاب و التيارات الطائفية و العرقية في نشر الفوضى و الدمار و نظريات المؤامرة و شعارات "المقاومة" المزعومة، حتى بدأت الصورة تتشوش في ذهن المواطن البسيط الذي احتار و ظن أن الأمريكيين هم من يقف وراء الأحداث، و في بيئة حكمها البعث بنظريات و ثقافة "المؤامرة الإمبريالية الأمريكية الصهيونية"!! و تبني أحزاب من ضمن معارضي النظام المقبور لنظريات لا تختلف عن هذه الأطروحات المليئة بالصراع و الكراهية، كل هذا الجو العبثي الفوضوي هيأ لفترة الفوضى و دخول الإرهاب إلى العراق و بدء جرائمه ضد الشعب العراقي و التحالف و ذلك بالتعاون مع المستفيدين من النظام المقبور.
كــان من الممكن أن يستفيد العراقيون من الوجود البريطاني في العشرينات و الأمريكي حاليا لو أنهم تعاملوا مع الواقع بمنطق العقل الذي يحاول الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب للشعب من امتيازات سياسية و اقتصادية و اجتماعية و تجاوز حالة الفوضى و تآكل المجتمع بفعل عقلية ما قبل الدولة، لكن العاطفة و الشعاراتية هي التي كانت الغالبة و تعامل آخرون مع البريطانيين و الأمريكيين بمنطق "الموسوس" الذي يرى في التعامل و التعاون مع أصحاب التغيير مفيدا و أمرا واقعيا وضروريا، بينما يتردد في جانب آخر بفعل بعض المعممين "المحللين و المحرمين" و أصحاب الشعارات الوطنية و القومية التافهة.
أذكر ذات مرة و أنا أشاهد برنامجا بثته "العراقية" عن حياة الشاعر العراقي الراحل محمد مهدي البصير، شاهدت صورة لتظاهرة "وطنية" حــــــــاشدة رفع عليها لافتة مكتوب عليها "نــــــموت و يـــــحيا الــــوطن"، ربما كان هذا الشعار ينم عن قمة الثقافة في عصر "الدولة الوطنجية"!! حينما كان الانتماء إلى الوطن و المواطنة يعني أن على المواطن أن يضحي بــكل ما يملك و بالغالي و الرخيص في سبيل "الوطن"!! دون أن ينتظر من الدولة أن تقدم له حتى أبسط الحقوق، إن المشكلة هي أن العراقيين كانوا و لا زالوا متأثرين بثقافة و عقلية الدولة الشمولية، التي لا تقدم للمواطن شيئا سوى الشعارات، و هي صفة ملازمة للدولة القومية على الدوام و ضحكت فعلا من قلبي لأن الوطن هو مجرد حفنة تراب و رماد إذا لم يكن الإنسان "المواطن" صاحب حقوق و قيمة.
ففي الدول الغربية االديمقراطية كبريطانيا و أمريكا سادت فكرة دولة الحقوق و الإنسان و العقد الاجتماعي و حرية الفرد منذ أمد بعيد جدا، بينما كان المعسكر الشرقي و كل الدول التي خرجت من الانتدابات "و من ضمنها العراق" تعتبر أن لا "قيمة" للفرد في الجماعة، و هو مفهوم يشبه مفردة "الفرد العشائري" الذي يذوب في مصالح العشيرة و متعلقاتها مقابل "توفير الحماية" لا أكثر، و هنا فإن العراق لا يمكن أن يتقدم كدولة و ينجو من التدخلات السلبية للجوار الجيوسياسي و الإثني الإنقسامي ما لم تطوى فيه ثقافة هيمنة نقيضي الدولة (الدين السياسي و القومية كهوية) و استبدالها بعلاقة مباشرة بين الفرد و الدولة و أن لهذا الفرد حقوقا - حتى حينما يتحول إلى مجرم يحاكم بموجب أصول قانونية - و حينما يتم خلق هذه الرابطة تختفي كل الوسائط العديمة القيمة سياسيا "الدين السياسي و الهوية القومية".
لو كان العراق دولة أكثر عزلة كإحاطته ببحار أو أسباب جغرافية أخرى، لربما كان نجا من كارثة التأثيرات السلبية و لكان حاله حال اليابان الآن، لكن العراق تعرض لموجة بربرية من الفلسفات الشمولية القومية و الماركسية و الإسلاموية و بالتالي أصابت الهوية العراقية حالة من التآكل و التشظي انتهت بأن أشعرت الإنسان بمدى ضعف علاقته و انتمائه لا إلى الأرض – الانتماء الأرضي وهم قومي – و لكن ضعف الانتماء للدولة كمؤسسة حامية للحقوق البشرية.

Website: http://www.sohel-writer.i8.com

Email: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا