الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-هل كِمل النقل بالزّعرور-

حبيب بولس

2008 / 11 / 27
الادب والفن



قبل مدة وجيزة, قرأت مقالا عن الحداثة وما بعدها , وقد ظهرت فيه حيرة الكاتب , ذلك لأنه لم يعرف كيف يعرِّف الحداثة ولا كيف يقوِّمها فنيّا وأدبيا .
كما أنه لم يميز بين ضبابية شعر الحداثة وقضية التعميق.
واكتفى في نهاية مقاله بان قال ما مفاده: اكتبوا شعرا مهما يكون مفهوم أو غير مفهوم, المهم أن يكون هناك شعر جديد يتسم بالحداثة.
وأنا بدوري لا ألوم كاتب المقال كثيرا, لان مشروع الحداثة عندنا ما زال يجر الكثير من التعريفات والدراسات, ولغاية الآن لم يحدد هذا المفهوم بشكل قاطع ولم ترسم له مرتكزات وأسس ومقومات. ولكنني في نفس الوقت أود أن ابشر كاتب المقال الذي أربكه الموضوع , بأنني قرات منذ مدة خبرا عن وجود مؤسسة عندنا تدعى مؤسسة"الحداثة" , فربما ستكون عندها الاجابة, فالاسم كما يبدو اسم كبير يشي لسامعه أو لقارئه بالكثير . كما ويفتق في الذهن الكثير من التداعيات والتوقعات . ولكن ما نعرفه حتى الآن عن هذه المؤسسة ليس بالكثير وللأسف . ما نعرفه أن لهذه المؤسسة رئيسا , وان مهمته الاساسية , كما قرأنا في الصحف , حضور مهرجانات التعزيه والتأبين والتكريم . أما بعد ذلك, فليس لدينا معلومات كثيرة.
فنحن نجهل مثلا من هم أعضاء هذه المؤسسة ؟ ونجهل ما هي مشاريعها الانية والمستقبلية ؟
كما ونجهل ما هي انجازاتها ؟ ونجهل أيضا تصورها للأدب ورؤيتها ؟ وكذلك نجهل أهدافها والمبادئ التي انطلقت منها وتتبناها وتسعى إلى تحقيقها؟ ونجهل من يمولها؟ أو كيف تموّل؟ وما هي معايير الانتساب إليها؟ كل هذه الأمور المذكورة سابقا ما زالت عالقة لا جواب عليها. فالظاهر أن عمل المؤسسة ما زال في إطار السرية, لم يعلن عنها بعد. لذلك إذا كنا ممن يريدون التعرف على مشروع "الحداثة" وعلى إفرازاته ومفاهيمه وما تقدمه هذه الحداثة لأدبنا, بمعنى إذا كنا نريد أن نطور أنفسنا فعلينا الانتظار, وربما الانتظار طويلا, حتى تخرج هذه المؤسسة من دائرة السرية إلى العلنية وتوجهنا بما نأمله منها. والانتظار لمثل هذا الأمر يسوى فنحن منذ انفرط عقد "الرابطة القلمية" في العصر الحديث, وجماعة "أبوللو", وجماعة "الديوان" ومجلة "شعر", لم نسمع عن مؤسسة أدبية تنهض بأدبنا وترقى به إلى مصاف الحداثة وما وراءها, واقصد الحداثة الشائعة اليوم في الأدب יالعاיلمي الحديث. من هنا فان الانتظار ولو على مضض وعلى حرقة وتشوق يسوى, فالفرج لا بد آت, ووراء السحاب غيث, " والشيء الموعود به أفضل". وأنا على يقين من ان ما نامله وننتظره من هذه المؤسسة سيحصل ان آجلا أم عاجلا. لذلك لا تيأسوا أيها الأدباء المتعطشون لتطوير أدبكم ولا تقنطوا, فالبشارة ستأتي, وها قد رأيناها تنطلق من خلال ذكر اسم الرئيس و "الجايات أكثر من الرايحات", كما يقول مثلنا الشعبي. فانتظروا ولا تتعجلوا الأمور, بل دعوها تنضج على نار هادئة, فالعجلة تجعل الآمال تحترق وهي ما زالت في بداياتها وفي مهادها. انتظروا, لأنه مع ظهور هذه "المؤسسة" ستحدث ثورة في عالم الأدب, لأنه ستجيء بفتح جديد يرج عالم الفن والإبداع, إذ ربما مع الإعلان عن خروجها إلى العلنية سنحظى بنظرية جديدة تنسف ما جاء به الأوائل والأواخر, بحيث يصير معها "ابن رشيق" و "ابن الأثير" و "جابر عصفور" وغيرهم أقزاما. فالعملية لن تحتاج إلى كثير من الوقت, بل هي قريبة. وهذه المؤسسة مجهولة الأعضاء والأسس والهوية الآن, والمعروفة الرئيس, حتما ستخرج من قفصها وستجترح المعجزات. كل ما هو مطلوب منا الصبر, فهي أشبه بالقرقة التي ترقد على بيضها ليفقس. والتفقيس قريب, آت لا محالة, وقريبا ستشق الصيصان قشور البيض وستخرج وستملأ الدنيا ضجيجا وصياحا وقرقرة. وعندها سنجد أن الأمور قد بدأت تتغير, وهي حتما في صالحنا. ولكن ما نخاف منه وعليه- لأننا اعتدنا سماع الضجيج وعدم رؤية الطحين, أن تظل هذه المؤسسة غامضة, فعندها سنخسر الكثير, وسيضيع علينا الكثير, ونحن لسنا في حالة تسمح بان نتقبل الخسائر لكثرة ما لحقنا منها, ولكثرة ما أصابنا من تراجع, نحن نريد ما يخرجنا من المستنقع, لا ما يحافظ على بقائنا فيه.
أخشى ما أخشاه, ان تكون هذه المؤسسة كسابقاتها, من اللواتي عملن في البداية "طنِّه ورنِّه" كما يقول مثلنا, ثم ما لبثن ان انطفئن وخبا بريقهن واندثرن, وما عدنا نسمع منها وعنها سوى ذكريات يثيرها ما بقي من الاسم مطبوعا على قصاصة ورق هنا وهناك, أو موسومة به إحدى الدعوات. أخشى ما أخشاه ان يكون مصير هذه المؤسسة كمصير غيرها, أي ان تكون من المؤسسات التي لا تملك سوى اسمها, والهدف من الإعلان عنها لا يتعدى استخدامها كسلم ليتسلق عليه رئيسها, أو واجهة لا هدف لها ومنها سوى إبرازه لأنه عاجز عن ان يبرز بوسائل أخرى.
أخشى ما أخشاه ان تكون هذه"المؤسسة" صاحبة هذا الاسم الكبير مجرد دكان كسائر الدكاكين التي لمعت فامتصت ما مصته ثم غادرت بعد ان بشمت.
آمل ان يكون الأمر معكوسا, وان تكون هذه المؤسسة بعيدة عن ذلك, لأنه لا تنقصنا الدكاكين "فحلاّباتنا صارت أكثر من بقراتنا". كما وآمل ان أكون مخطئا في حساباتي, أو ان حساباتي ناتجة عن عدم معرفة بالمشاريع والانجازات الكبيرة التي حققتها أو التي تسعى إلى تحقيقها مستقبليا هذه المؤسسة, وتكتمت عليها, ربما تواضعا أو من باب "الروعة" كما يقول "أرسطو" لتفجأنا بالأحسن. أقول هذا لأننا لا نريد شعارات فقد شبعنا منها, في الماضي والحاضر.
ما نريده حقا وما تحتاجه هو ليس الواجهات ولا الدكاكين, ما نحتاجه هو ليس الرؤساء, فما فينا يكفينا, ما نريده ونحتاجه ليس أسماء براقة خدّاعة كالعروس المسلولة. ما نريده هو الفعل, العمل من اجل تحسين واقع أدبنا وتطويره, ما نحتاجه هو ضخ الدماء الجديدة الشابة في عروق هذا الأدب ليرقى. ما نحتاجه هو مشاريع أدبية جديدة تنطلق لترج ساحة أدبنا, ونقلة نوعيّة تنتشل أدبنا من ركوده العالق به وتدفعه نحو الأفضل. لقد شبعنا مؤسسات ودكاكين, ولسنا بحاجة إلى الجديد منها إلا إذا كانت فعلا تأتينا بالجديد. لسنا بحاجة إلى الجديد من الجثث المحنطة بل نحن في أمس الحاجة إلى الحيوية والنشاط والذهن المنفتح النيّر.
هذا ما نامله من مؤسسة يعلن عنها لا ان يتخذها فرد ما مطيّة لإشهاره. وان لم يكن كذلك فلا يسعنا إلا ان نقول : "كمل النقل بالزعرور" لأنه من "هالخروب توجد عندنا سدة ملآنة".

[email protected]
د. حبيب بولس – ناقد أدبي ، محاضر في مادة الأدب العربي في الكلية العربية للتربية في حيفا وكلية اورانيم الأكاديمية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟