الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عراقي أصيل أنت ...

رشيد كرمه

2008 / 11 / 27
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق


كان ومازال تأبط الكتاب صفة تنم عـــن حُب ٍ للمعرفة ِ والبحث ِ والإكتشاف , وهكذا حثت الأديان السماوية والتعاليم الوضعية على طلب العلم , أينما كان , بل عمدت الكتب الدينية ومنها القرآن أن تقسم بالحرف والقلم . لا بل جزم شعر الحكمة بأن الكتاب خير جليس عبر كل الأزمنة , ولطالما فضلنا شراء كتاب مفيد في الفلسفة أو التأريخ والأدب أو الشعر والمسرح علـــــى تناول وجبة غذائية يسيل لها اللعاب , حتى بعد أن ظهر المنافس ُالأكثرُ خطورة ًعلى الكتاب في عالمنا اليوم الحاسوب "الأنترنيت " .
وفـــي حين قَلَبَ جور النظام البعثي المباد بجهل واضح المعادلة , فمن جهة ٍ أصبح من الكاد الحصول على كلمة طيبة ضمن قصيدة شعر , أو جملة تمنحك الأمل ضمن نص واقعي , أو أغنية تمنحك الدفء والصفاء , ومن جهة أخرى أصبح الجهاد الأكبر البحث عن لقمة العيش في ظل حصار مزدوج تارة من جهة البعث وفاشيته وتارة من جهة العالم الخارجي المصاب بالبكم والصم والعمى .
ولم تكن ساعة الغدر غريبة عنا , نحن الذين خُبِرنا خبث الفكر القوماني ومطبليه فلقد زرعت فينا طعنات 8 شباط 1963 وما أعقبها من إغتيالات بحق الشيوعيين العراقيين علامة إستفهام كبيرة , أمام ضيق أفق الفكر القومي الذي لم يدخر وسعا ً في اللجوء الى أكثر الأسلحة خطورة بما فيها الدين , وهكذا زُرِعت الفتنة , وراح المثقفون العراقيون يبحثون عن أمهات مصادر العلم والأدب لينهلوا منها ما يعينهم على المعايشة بسلام مع واقع مرير , وإمتلأت بيوتنا بنورالكتب المنهجية الرصينة التي تدعونا الى وطن حر وشعب سعيد ,
ومن سوء حظ الأدب العراقي والعربي والعالمي والأدباء وشغيلة الفكر, ومنتجي الفن المسرحي والقصصي والروائي والتشكيلي ,,, أن تكون مكتباتنا ومخزوننا الثقافي البيتي زاداً للتنور بشكل طوعي ذا طابع قهر إنساني , هربا ً من ملاحقة وتشرد و سجن وتعذيب وإمتهان وقتل , بل لقد سارعت أمهاتنا وبناتنا وزوجاتنا وشقيقاتنا " بكرم ٍملحوظ " لألقاء نفائس الكتب والمجلات والصحف فــــي تنانير تصلى نارا ً, مع تقريع ٍمصدره الخوف والرعب , وهاتان أداتان فتاكتان لـــهدم أي شعب من الشعوب , ولطالما حدث هذا في عراق الحضارات , وفــي بلد قيل عنه الكثير وما أشتهر وصار مجرى الأمثال :
أن مصرا ًتكتب , ولبنان تطبع , والعراق يقرء ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وكنت قد تركت ورائي في مدينة كربلاء الجميلة نهاية السبعينات حقائب من كتب ٍ كانت مثار إعتزازي وشغفي , عدت في زيارتي الأولى عام 2008 أبحث عنها , وجدت منها خمس كتب فقط , ناولني إياها عراقي شهم , طفرت دمعة منه عندما وجدني أنحني وألثم ُبقبلات ٍ حارة الكتب وأشمها ناحبا ً.
هرعت الـــى بابل باحثا ً عن أمانة ٍ, حيث هجعت اليها ردحا ًقبل مغادرتي الوطن مودعا فيها , أعز نفائس المجلدات والكتب في مختلف الفروع ,ضمن مكتبة ٍ غَلُبَ فيها جلُ المصادر الماركسية تقريبا ً وشئ خاصا ًمن تجربتي في الكتابة وبعضا ًمن أسرارٍ شخصية ورسائل خاصة وصور لرفاق شهداء وصديقات دهر ٍ, هالني أنني لم أجد قصاصة ورق أو حاجة لي في بيت ٍ أُؤتمن َ إئتماناً عند قريب ٍ بِقسم ٍ أن لايضيع منه شئ , فضلا ً عن الحفاظ عليه ؟!
تفرستُ وجه رفيقي الطيب الذي بدا أكثر حُزنا مني ’ قرأت مواساته لي ليس بسبب مقتنيات البيت ومفروشاته وماآل اليه خراب بنيان البيت , وإنما في كنز ٍ الكتب , وسرعان ما قال لي مطمئنا ً: سنبحث عنها , إذ أنني أكاد أعرف كيف بيعت محتويات البيت وأثمانها ولمن ؟ لم تمضي سويعات حتى قابلت ُ رجلا ً ودودا ً حلو الملامح في متجر ٍ صغير لبيع لوازم مدرسية , إنهال علي بالترحاب مبديا ً قدرا ً كبيرا ً مـــــن المساعدة والعون قائلا ً : أنا من إشترى كتبا ً كثيرة " مرعبة ً" حينذاك , لم أكن بحاجة للكتب ذاتها كما تعلم خوفا ً وتحاشيا ً من النظام وأزلامه ولكنني تفهمت قصد حاجة أهلها للبيع جراء الحصارالأقتصادي , وأغلب الكتب ومنذ عشرون عاما مركونة ًفي مخزن كبير عائد لي ,أرجو أن تتقبلها مني هدية ً لعودتك لأرض الوطن .
لم تمضي عشرون دقيقة ً حتى صليت ُ في نفس البيت على كتبي التي جاءوا بها وبعضا ًمن كراسات ٍ لأخي ( أبو أفنان ) وورقة تحفظ توقيع أبي وصورة أخي الشهيد ( جبار ) عدت ُ لصاحب متجر اللوازم المدرسية ممتنا ً عارضا عليه ثمن الكتب , وجدته رافضا ً , لم أملك إلا دموع الإخلاص وقبلة وعناق قائلا ً له بين جمع من الناس : أنت عراقي ٌُ أصيل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس الحرب الحالية.. ما الخطر الذي يهدد وجود دولة إسرائيل؟ |


.. مجلس النواب العراقي يعقد جلسة برلمانية لاختيار رئيس للمجلس ب




.. هيئة البث الإسرائيلية: توقف مفاوضات صفقة التبادل مع حماس | #


.. الخارجية الروسية تحذر الغرب من -اللعب بالنار- بتزويد كييف بأ




.. هجوم بـ-جسم مجهول-.. سفينة تتعرض -لأضرار طفيفة- في البحر الأ