الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العنف ضد المرأة: من التباس المعنى الى تمييع النضال

أحمد التاوتي

2008 / 11 / 27
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة


قد يتشنج عقل السائق على فكرة تسوية المرآة للحظات بعد خروجه من موقعه و هو لا يدري في حيرة ماذا ينقص مقود السيارة.
المثال مخيف و غير ممتع بقدر خطورة الظرف حيث لا مجال للعب مع السهو أو الخطأ. مع أن الصورة نفسها ممتعة و ملهية و مؤانسة جدا و مجترة لأيامنا بخدر ناعم في مجال استهلاكنا لحياتنا الاجتماعية و السياسية فكرا و ممارسة. و أحسب بأن قضية المرأة عندنا ضحية هذا الاستئناس القاتل الرحيم.
هل يمكن أن نرتب الأولويات و الخطوات بدقة و حزم، فننهي مع المصطلحات إلى أخرى أدق بحدود انصراف مدلولاتها عنها. وننهي مع المفاهيم إلى أخرى أجدى بحدود تحول التاريخ عنها، تماما كما نفعل مع الأدوية منتهية الصلاحية؟..
برأيي أن الأمر ممكن.
من المعروف أن العنف كدال يستغرق مدلولات عديدة و متعددة و يصطبغ بمفاهيم متنقلة عبر أقاليم الفكر و تقلبات التاريخ. لا أشك بأن واحدة منها على الأقل ترتبط بالظروف التي مرت بها المرأة كشريك طبيعي فاجتماعي فسياسي للرجل.
بمرحلة أولى، الطبيعية، كانت قساوة الدنيا من حظ الأقوى بنيويا فقابلته المرأة بقوة المشاعر و الدفاع أو الهجوم بأدوات التفضيل و إذكاء الغيرة و نحو ذلك.
بمرحلة ثانية ، الاجتماعية، كان تعقيد الحياة نوعا ما من حظ الأقوى عقلا و تقديرا للصروف، امرأة كان أو رجلا، غير أن المرحلة التأسيسية للاجتماع البشري ( الطبيعية) صبغت هذه المرحلة الموالية بشيء منها فأسس العقل الاجتماعي الذكوري تنظيماته و أعرافه و قيمه على لون منها. أي على "بداهة" قوة الرجل المعهودة. و استمر بذلك إهدار حقوق المرأة و لكنها استأنست في هذه المرحلة بميلاد شريحة اجتماعية بأكملها أقل منها حقوقا و هي العبيد. فحدث التحالف و سطرت به أروع الملاحم في صنع الحياة و قلب العروش و النسج و التكييف للسلم و للحرب على سواء. و كان الرجل يبدو عبر أغلب هذه الملاحم مغبونا حد البله.
و المرحلة الأخيرة ، السياسية، و تمتد في آخر أطوارها من عقب الحرب العالمية الثانية إلى اليوم، و فيها وصلت البشرية بعد مخاض طويل و عسير إلى الإنهاء تماما مع تلك النظم و الأعراف و استبدلت بها قوانين مدنية حديثة تضمن الحقوق الأساسية و الفردية و المساواة و تكافؤ الفرص على علات و هنات طبعا يحسن تصيدها أعداء البشرية المولعون بشتم الإنسان و انجازات الإنسان.. و هي في تقديري هنات بسيطة ؛ فكما تعود إلى واقعية التدرج في مسيرة الكمال، تدل أيضا على البحث و الحركة الدائبين للتقدم الإنساني. و الكمال للمطلق.

هذه المرحلة الأخيرة، سميتها السياسية لتدفق الحقوق و القوانين التنظيمية بحيث أضحت العلاقة بين المرأة و بين الرجل علاقة سياسية بالدرجة الأولى. و العنف المحصى ببعض الأوساط و الأوكار هو عنف يمارس على الضعيف مبدئيا، رجلا كان أو امرأة. و لكن مخيالنا العهدي ( من: عهد الشيء عن الماضي ) بقي شغالا في انتقاء صور العنف الممارس على المرأة دون غيرها. تماما كما هو الحال مع هذه الانتقائية الشغالة بأمريكا على صور إقصاء السود أو المسلمين قهرا عن تغير الجو السياسي و الثقافي الذي وضع " باراك حسين" في أعلى هرم السلطة. فما الحيلة مع عدم النسيان في الإنسان؟ المهم أن نتسامح...

الوضع بالعالم العربي و الإسلامي يختلف نوعا ما، باعتباره لا يزال مع الأعراف و المنظومات إياها، المنتسبة للمرحلة الاجتماعية بكامل الديكور المدني الحديث.
و هنا أيضا ما عسانا نصنع مع هذه الازدواجية النكدة التي تكاد تكون جينية بفعل عقيدتنا التجميعية: ( إسلامنا الأول)، ثم عقيدتنا التركيبية: ( إسلامنا التاريخي)، ثم ثقافتنا التلفيقية: ( نهضتنا الحديثة)، ثم عقيدتنا التزويرية المقارباتية ( صحوتنا المباركة) ؟
مع مثل هذه المسيرة المحترمة، أجدنا جد محظوظين على هذا المآل الازدواجي.
هناك طريقان.
- العمل على توريط مجتمعاتنا في التجربة التاريخية الطبيعية للتقدم في الفهم و الإدراك.. و هذا يستدعي في تقديري كوارث سياسية و ارتباكات و تشنجات عالية الضغط بأوصالنا قد تودي بثلاثة أرباعنا.
- استئناف العصر بكامل الاستغراق لآلياته و قيمه مع الأجيال الجديدة بانتهاز القطيعتين الجارفتين: المعرفية الإعلامية، و الإنسانية الأرناكية. و هذا يتطلب عملا دءوبا و تضامنا حادا و استعمالا حاسما و مكثفا لوسائل الإعلام. ذلك لأن العائدين من التاريخ يجتاحون ربوعنا بفضائياتهم و مواقعهم و يعملون بإيمان المجانين .و لهم كل الدعم من الأنظمة كما أن آليات الحراك الاجتماعي نفسها مقعدة على قوافيهم.. و هذا قدرنا على كل حال.

و لأنني من دعاة الطريق الثاني، أفضل في مجال ملف المرأة أن نستأنف العصر فندعو إلى حقوق المرأة لضمان كرامتها كمواطنة ضربا للأعراف التي تقنن العنف في قفاز من حرير، بدلا من الدعوة إلى نبذ العنف مع أعراف لها تاريخ طويل في المراوغة و المكر والمخادعة. فما أسهل ما تجتر العديد من الآيات و الأحاديث في تكريم المرأة، و هكذا...يا دار ما دخلك شر.
الدعوة إلى الحقوق بدل الدعوة إلى اللاعنف، لأن العنف كماهية مستقلة لم يعد المشكلة المباشرة..فقد كان أصيلا قديما بالمجتمعات الطبيعية، و اجتراره اليوم يعتبر من الملهيات الخطيرة على منهجية الخبير الملاحظ و على أجندة المناضل على سواء.
الدعوة الى الحقوق، استغلالا لنظرية التفاعلات الرمزية كآلية تعمل عملها بالمجتمع اختصارا و حرقا لمرحلة وهمية تستمد هالتها من مؤشرات واقعية و لكن بمضامين غير تخصيصية.
نستأنف العصر بقوة بالدخول من أقصر الطرق بانتهاز الأرناكية الإنسانية ليس لكمالها و لكن لحاجتنا في هذه الظروف بالذات إلى الهدم .
فكما يعتبر التفاوض مع الإرهاب خطأ استراتيجيا يجلب الخطر على سيادة الحق، فان الترميم في بناء الإرهاب خطأ استراتيجيا يجلب الخطرعلى سيادة الحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المشاركة تيجان شلهوب


.. المشاركة أمل المدور




.. المشاركة في الاحتجاج نجمة حطوم


.. المشاركة تفريد الباسط




.. -بالزهور وسنابل القمح مستمرون في حراكنا السلمي-