الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المناشدات الأخلاقية جدل طويل الامد

فاطمه قاسم

2008 / 11 / 27
القضية الفلسطينية


أخطر شيء في حياتنا السياسية الفلسطينية في هذه المرحلة أننا ننتظر ما لا يأتي، و نطلب من الآخرين كل شيء، و لكن لا نفعل شيء.
أقول ذّلك:
تعليقا على المناشدات التي تتصدر بين لحظة و أخرى من منظمات دولية و إنسانية تطالب إسرائيل بتخفيف الحصار على قطاع غزة الذي تتفاقم مشاكله إلى الحد الاقصى، و يعيش حياته لحظة بلحظة، و عندما تأتي هذه العقوبات الإسرائيلية ضد قطاع غزة الذي لا يملك أي من الاحتياط أو المخزون في أي مادة من المواد اللازمة لاستمرار الحياة، فإن المشهد يصبح مأساويا بكل شكل ومعنى، و إن الانهيار في حياة الناس اليومية يشمل دورات كاملة يمتد أثرها السلبي إلى مسافة أبعد و إلى أبعاد أكثر عمقا.
أنا شخصيا، و من خلال متابعاتي لحلقات الحصار، و كيف تدار إسرائيليا، فإنني أخالف على طول الخط الآراء السائدة التي نكررها دائما عن الحوافز الإسرائيلية من وراء هذا الحصار القاتل، مثل القول بأن العقوبات الإسرائيلية الأخيرة بإغلاق المعابر، و بعض الأعمال العسكرية المتفرقة، هي بسبب أجواء الاستعداد للانتخابات الإسرائيلية المبكرة.
هذا الكلام نوع من التبسيط في تفسير الأمور، ربما تستفيد الدعاية الانتخابية لبعض الأشخاص أو بعض الأحزاب الإسرائيلية من أجواء هذه العقوبات، حيث يظهر الأشخاص أو الأحزاب أكثر حرصا على امن الإسرائيليين، هذا ليس سوى جانب عرضي من الموضوع، بينما الحصار نفسه يدار بطريقة أكثر عمقا، و أبعد مدى، إنه بمثابة إعادة صياغة مفاهيم الحياة بطريق جديدة لمليون و نصف المليون وهم أهل قطاع غزة، أي إدراجهم تحت معايير جديدة، و تشكيل وعي جديد باتجاه توقعات لم تكن واردة في أذهانهم في العقود الأخيرة، توجهات قائمة على فكرة الخلاص بأي ثمن، مثل الهجرة حتى و لو إلى الجحيم، أو التوطين في أي مكان حتى و لو كان عمق الصحراء، و ارتفاع حالة انكسار الذات، و إخراج قطاع غزة نهائيا من أن يكون مشكلة إسرائيلية و تحويله إلى مشكلة مستعصية فلسطينيا، ثم مشكلة مستعصية عربيا.
أريد أن أركز بحكم اختصاصي في علم النفس، و دراساتي المتعلقة بسلوك الجماعات و ليس الأفراد فقط، أن ألفت النظر، إلى بعض الظواهر التي تحدث في حياة هذا التكوين الجيوسياسي و هو قطاع غزة بأبعاده الاجتماعية و النفسية و الثقافية :
أولا: يزداد الانفصال بين الخطاب السياسي المتداول وبين تفاصيل المعاناة اليومية للناس، لدرجة أن كل ما يقال بلا استثناء لتظهير الخطاب السياسي يبدو نوعاً من اللامعقول، وذلك بسبب أن الحصار ووجهه الآخر وهو الانقسام قد تغلغل أكثر في تفاصيل حياة الناس، فلا يوجد شيء في مفردات الحياة اليومية للإنسان – أي إنسان – في قطاع غزة إلاّ وتأثر بالحصار والانقسام.
ثانياً: أن هذا الحصار يدار إسرائيلياً بطريقة مباشرة وغير مباشرة بحيث تتحطم معه آلاف العائلات يومياً، وتتراجع حياتها إلى ما دون الصفر، ولكن دون أن تجد هذه العائلات الدافع المعنوي، لماذا؟ لأن هذه العائلات وهي تتحطم بفعل الفقر، ، والحاجة، والفشل في تدبير أمور الحياة اليومية، نشاهد في نفس اللحظة وفي نفس المشهد، أشخاصاً آخرين، وعائلات أخرى، تتكون، ويصبحون من أصحاب الملايين، ويعربدون سلوكياً على المكشوف، وأن كل ذلك تحقق لهم بفعل الحصار، أو المتاجرة بالحصار، أو القدرة على الاستفادة من هذه اليوميات المذّلة للحصار.

لقد جرى بعض الارتياح لمحاولات تحجيم الفوضى، وضبط اتجاوزبعض الشرائح التي كانت قد استغلت نفوذها بشكل بشع، ولكن قبل أن يذوي نفوذ تلك الشرائح المسيئة، وجدنا شرائح أخرى تصعد، وتحقن المجتمع بمزيد من التوتر، وإحساس الأغلبية بأنهم ضحايا لمستغلي الحصار.
1. ثالثاً: يحدث في حياتنا قدر كبير من عدم التناغم بين ضرورات مواجهة الواقع والطريقة التي نتحدث بها إلى العالم، حيث نعطي أهمية كبرى لنوع من السلوكيات النمطية المحدودة التي تصدر من العالم حولنا، وما نسمعه مثلاً عن أهمية زوارق المتضامنين يشكل نوعاً من خداع الرأي العام الفلسطيني، ويجعل بضعة أفراد من الباحثين عن الشهرة يصعدون على قسوة احتياجاتنا دون تحقيق شيء له قيمة، وكذلك الحال حين نمجّد بشكل مبالغ فيه بعض المناشدات التي تأتي من منظمات دولية وإنسانية، مناشدات أخلاقية، لا تملك أي قدر من الآليات العملية، ومعروف أن حبال المناشدات الأخلاقية طويلة جداً، وليس لها نتائج في المدى المنظور، وعندما يتم التركيز عليها، وإعطائها هذه الأهمية المبالغ فيها، فإننا نقع فريسة لخداع النفس، تماماً مثلما يدمن بعض الناس ألعاب الفيديو التي يحققون فيها انتصارات ضخمة، ولكنها انتصارات لا تعني شيئاً على الإطلاق في الواقع، مثل أولئك الأشخاص الذين يحققون ملايين النقاط في أداء لعبة على جهاز الكمبيوتر ولكنهم لا يجدون عملاً يحصلون من ورائه على ما يوفر لهم الخبز.
نريد العودة إلى ذاتنا الفلسطينية :
ما الشيء الذي يجب أن نفعله فلسطينياً ولم نفعله حتى الآن؟
ماهي سبل كسر الحصار غير هذه المناشدات الأخلاقية ذات الجدل الطويل؟
كيف ننهي هذا الانقسام الذي يشكل لإسرائيل غطاءًا نموذجياً، وجميعنا بلا استثناء نعلم ذلك؟
كيف نعيد ترتيب الأولويات، بحيث يتم إنقاذ السفينة أولاً قبل الاقتتال الدموي على الحصص داخلها؟
إذا كانت التباينات في الرؤى مشروعة وضرورية، وإذا كانت الخلافات لها جذور موضوعية، فكيف ندير هذه التباينات والخلافات بما لا يدمر مشروعنا الوطني؟
هل نستطيع ترتيب أولوياتنا الفلسطينية بحيث لا تكون جزءاً من التجاذبات الإقليمية؟
من وجهة نظري:
فإن الحصار الذي تديره إسرائيل ضدنا في قطاع غزة، وتجعله يستمر تحت سقف الانقسام، قد أفقد الغالبية في قطاع غزة القناعة بجدوى أي شيء، وهذا أمر في غاية الخطورة، والخطاب السياسي الراهن هو خطاب منقصم، ويوجد فيه مساحة كبيرة صالحة لتدمير الذات، ويوجد فيه قدر كبير من تكرار مقولات ثبت بطلانها أو أنها أصلاً غير مقنعة، والسكوت ليس دائماً علامة الرضى، فقد يكون السكوت علامة اليأس، والإحساس الجماعي بأنه لا جدوى من أي شيء، وهذه مسئولية لا يستطيع أن يهرب منها احد عن طريق استمرار هذا السجال الصارخ والمؤذي.

يجب أن يكون لدينا إلحاحاً يومياً بماذا يجب أن نفعل لكسر الحصار، لإنهاء الحصار، ولإنهاء الانقسام، لإدارة التهدئة بطريقة غير ما يجري، وتوهم أي جهة بأنها عن طريق إدانة الجهة الأخرى تحل المشكلة، هو وهم قاتل، أو الهروب إلى الأمام بخلق وإثارة مشاكل جديدة، كل هذا لا ينفع، السؤال، ماذا يتوجب علينا أن نفعل للخروج من حالة الموت السياسي؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب يقلد المشاهير ويصف بعضهم بكلمة ????


.. إيرانيون يعلقون على موت رئيسي • فرانس 24 / FRANCE 24




.. آفة التنمر تنتشر في المدارس.. ما الوسائل والطرق للحماية منها


.. مصرع وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان في تحطم مروحية




.. مصرع الرئيس الإيراني.. بيانات تضامن وتعازي ومواساة ومجالس عز