الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تضارب المصالح الأمريكية-الروسية في القوقاز

دياري صالح مجيد

2008 / 11 / 28
السياسة والعلاقات الدولية


يعد إقليم جنوب القوقاز (أذربيجان، جورجيا وأرمينيا) واحداً من الأقاليم الجيوبولتيكية المهمة في عالم اليوم للقوى المحيطة به سواء أكان ذلك يتعلق بروسيا، إيران، وتركيا، وهو كذلك مهم لقوى أخرى تقع بعيداً عنه من وجهة النظر الجغرافية وقريبة منه كل القرب من زاوية المصالح الاستراتيجية والتأثير على مستقبله سلباً أم إيجاباً وأهم تلك القوى هي الولايات المتحدة الأمريكية.

تتصارع في هذا الإقليم بشكل خاص مصالح أهم دولتين من دول العالم ذات القدرة والنفوذ، وهما الولايات المتحدة الأمريكية وغريمها التقليدي روسيا، فالأولى تحاول التأكيد بكل الوسائل المتاحة أمامها على أن خصمها التقليدي لم يزل غير قادر على الوقوف على قدميه بعد أن انهار تماماً في تسعينيات القرن الماضي إثر السياسات الأمريكية الموجهة نحو تحطيمه، في حين تحاول روسيا جاهدة من خلال حنكة صناع القرار السياسي فيها، العمل على إثبات العكس وبأنها لازالت دولة قادرة على التأثير في مسار العلاقات الدولية. لذا جاء إقليم جنوب القوقاز بصيغته الجغرافية-السياسية ليعكس واقع هذا التضاد مابين هاتين القوتين وفقاً لرؤى ومصالح مختلفة فيما بينهما.

أدت نهاية الاتحاد السوفيتي السابق إلى تحول قارة أوراسيا إلى مقدمة الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية وخاصة فيما يتعلق منها بالدول حديثة الاستقلال التي انفصلت عن الامبراطورية السوفيتية بعد انفراط عقدها، وهي تشتمل بالأساس دول جنوب القوقاز وكذلك دول آسيا الوسطى، الأمر الذي أدى إلى إعادة إحياء الفكر الجيوبولتيكي للقرن العشرين، وهو مايفسر لنا تمسك العديد من القادة السياسيين ومن مفكري الإدارة الأمريكية بنظرية قلب الأرض التي صاغها المفكر الجيوبولتيكي البريطاني السير هالفورو ماكندر، إلا ان هؤلاء المفكرين لم يتمسكوا بنفس الأفكار التي طرحها ماكندر وإنما قاموا بإدخال العديد من التعديلات عليها وفقاً لمتغيرات الزمان والمكان كأهم عناصر في عملية صياغة فكرة جيوبولتيكية للتعامل مع أوراسيا، لذا أكدت فكرتهم الجيوبولتيكية فيما يتعلق بهذا الجزء المهم من أوراسيا على العديد من النقاط التي يمكن إجمالها باختصار وفقاً للآتي:

1.ضرورة أن تمنع الولايات المتحدة الأمريكية إعادة إحياء روسيا كإمبراطورية.
2.على الغرب أن ينظر بعين الاهتمام إلى احتياطيات الطاقة في بحر قزوين.
3.دعم دول المنطقة من أجل إشاعة قيم الديمقراطية واقتصاد السوق فيها.
4.دعم حكوماتها الصديقة من أجل مواجهة النفوذ الروسي و الايراني فيها.

وفقاً لتلك الأهداف أصبح أمن أوراسيا الهدف الرئيسي بالنسبة لمصالح البيت الأبيض، مما حال دون إمكانية إيجاد علاقات ودية مستقرة مابينها وروسيا، فالولايات المتحدة الأمريكية تنظر لمسألة السيطرة على هذا النطاق على انه أداة مهمة لحمايتها ضد تنامي الحركات الجهادية في الشرق الأوسط، تلك الحركات التي تخوض اليوم حرباً غير مسبوقة مع أمريكا وتهدد مصالحها في كثير من دول المنطقة، لذا تسعى واشنطن إلى خلق مجاميع من الدول أو تكتلات ذات توجه أمريكي في الشرق الأوسط لأجل حماية مصالحها وحماية تحالفها مع أوربا التي تخشى هي الأخرى من حركات الإسلام السياسي. في هذا السياق تعد السيطرة التي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحقيقها على دول القوقاز أمراً غير كافٍ بالنسبة لها في تحقيق الأمن المنشود في أوراسيا، لذا فإن مفكري الإدارة الأمريكية يصرون في كثير من كتاباتهم على أن بلادهم بحاجة إلى ترتيبات أمنية جديدة في أوراسيا من خلال إنشاء نظم إقليمية متنوعة تتمكن من خلالها من حماية مصالحها وتوفير الأمن في مجالات نفوذها الحيوية. وهنا تعتبر دول القوقاز عنصراً بارزاً في تلك الاستراتيجية، لذلك نجد بأن مفكر الجيوبولتيك الأمريكي زبغنيو بريجنسكي يقول "إن الرهان الرئيس للولايات المتحدة الأمريكية هو السيطرة على أوراسيا التي تعد فيها المستعمرات النفطية التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي السابق بمثابة المناطق الاستراتيجية الأكثر أهمية في العالم، وإن من مصلحة بلاده الأساسية العمل على ضمان أن لاتصل دولة أخرى غيرها إلى السيطرة على هذا المجال الجيوبولتيكي".

الأمر الذي يعني بأن الإدارة الأمريكية قد اتخذت قراراتها، في ضوء هذه الرؤية الجيوبولتيكية التي تنظر إلى دول القوقاز على انها جزء من أمن أوراسيا لا بل أهم جزء فيها، بعدم السماح لروسيا، الدولة الأكثر إمكانية في الحضور في هذا الإقليم وإمكانية في إفساد الاستراتيجية الأمريكية هناك، من أن تمارس دوراً فاعلاً في هذا الجزء من العالم.

أما بالنسبة لروسيا فقد برزت فيها بشكل واضح فئة مهمة ومؤثرة من بين مفكريها تدعو إلى إعادة إحياء الدور الروسي في الجزء الجنوبي من البلاد وهم من يعرفون بدعاة الأوراسية الذين يؤكدون على فكرتهم القائلة بضرورة إبقاء مجال النفوذ الروسي في تلك الأجزاء محذرين في الوقت ذاته من التدخلات الخارجية وهو مادعا القيادي السابق يفكيني بريماكوف في زيارته التي قام بها إلى دول القوقاز بتاريخ يناير/كانون الثاني من عام 1996، إلى تأكيد هذه الأولوية.

كما ويؤكد دعاة الأوراسية على محورية عامل الطاقة في بحر قزوين ويدعون إلى ضرورة عدم فسح المجال امام الشركات الغربية للاستثمار فيه، لذلك فهم غالباً مايشككون في نوايا السياسة الأمريكية في المنطقة ويدعون دوماً إلى اتخاذ كل الخطوات الكفيلة بتعزيز دور روسيا وعدم السماح للآخرين باستغلال مناطق نفوذها التقليدية.

في ضوء تلك التوجهات المتضاربة والمصالح المتناقضة أكد بعض المفكرين الأمريكيين كما هو الحال مع جون اف رايت في مقاله جيوبولتيك جورجيا، أن الهدف من التدخل الروسي المستمر هو تنصيب ودعم الحكومات الموالية لروسيا في جنوب القوقاز كعنصر ضمان للأمن والاستقرار هناك ومثل هذا الرأي يشير إلى أن روسيا كانت تقف دائماً وراء سقوط الحكومات المعادية لها سواء أكان ذلك في أذربيجان أو في جورجيا. ولعل التصريحات التي أدلى بها الرئيس الروسي مدفيديف جاءت متناسقة مع هذا التحليل العميق الذي ذكره الباحث في عام 1996 حيث قال مدفيديف في وصفه لحكومة سكاشفيلي الموالية للغرب بأنه لايعترف بهذه الحكومة ويعتبرها جثة سياسية.

كما أكد مفكرو الإدارة الأمريكية أيضاً تحذيراتهم المتزايدة من أن جورجيا قد تخسر استقلالها مستقبلاً، فقد تقوم روسيا لأجل ذلك بتنظيم مجموعة من الأعمال السياسية التي تهدف أما إلى تعديل سياسات جورجيا أو إزاحة رؤسائها من السلطة، وأكدوا بأن جورجيا كانت الحلقة الأضعف في حزام الأمن الأوراسي الذي ينتشر إلى الجنوب والغرب من روسيا، وهي أيضاً الحقيقة التي أكدتها أحداث المعارك الأخيرة في أوسيتيا الجنوبية التي أبرزت مدى حدة الضعف الجورجي في مقابل القوة الروسية.
يبدو من خلال ماتقدم ان الصراع في جورجيا وبالذات في أوسيتيا الجنوبية لن يكون الأخير من نوعه فهنالك مشكلات أخرى لابد وأنها ستثار هي الأخرى مستقبلاً كما هو الحال مع أبخازيا وغيرها، في ضوء تضارب المصالح وتصارع الإرادات الأمريكية-الروسية على أرض جورجيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: إسرائيل لن تخرج من قطاع غزة قبل إعادة جميع المختطفي


.. مراهقون أوكرانيون يتدربون لخوض حرب طويلة ضد روسيا في ناد عسك




.. البيت الأبيض: تصريحات نتنياهو عن تسليم الأسلحة الأميركية -مه


.. وول ستريت جورنال: التوترات بين نتنياهو والمؤسسة العسكرية بلغ




.. هل باتت الولايات المتحدة عاجزة عن الضغط على إسرائيل؟