الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغرب الكافكوي أو مستوطنة العقاب

محمد مقصيدي

2008 / 11 / 27
حقوق الانسان


ما هو الشبه بين المغرب ورواية مستوطنة العقاب للروائي التشيكي كافكا ؟ هل هي الوصايا العشر التي ينبغي عدم مخالفتها أم هو التنظيم القضائي والسياسي بكامله, هل هو الموت البطيء أم الآلام والعبث والسلوكات الشادة في حياة هي أقرب إلى الجنون , هل هي القطيعة بين مرحلتين ؟ هل هي الحبكة أم الشخوص أم السيرورة أم الأفعال أم الأساليب أم النهاية ....

" إنها آلة رائعة , قالها الضابط للمستكشف , كان قد دعاه القائد لمشاهدة تنفيد حكم الإعدام على جندي متمرد على رئيسه .. المحكوم تبدو عليه البلاهة , المحكوم في السلاسل شبيه بكلب , الضابط معجب بالآلة , عندما سأل المستكشف لمادا يرتدون هده الأردية الثقيلة في هدا المكان الحار , أجابه أنها تعني لهم الوطن . القائد السابق هو من صمم آلة التعديب وهي متكاملة . القائد الدي كان قائدا وقاضيا وميكانيكيا وكيميائيا ورساما وكل شيء... آلة التعديب سوف تكتب بإبرها على جسد المحكوم قبل قتله عبارة : وقر رؤساءك . أما الدنب فلا ينبغي أن يكون إطلاقا موضع شك ... بعد موت القائد السابق الدي صممها أصبح الضابط هو الدي يدافع عن هده الآلة وأهميتها في حياة المستوطنة ... أصبحت الآلة تتداعى مع الوقت لأن القائد الجديد يعارض هده الطريقة . تداعت الآلة كليا ورفض المستكشف أيضا الإقرار بأن هده الطريقة الصحيحة لمعاملة الشعب , عندما عرف الضابط أن الآلة سوف تنتهي في مستوطنة العقاب انتحر , لكن تمة أسطورة تعيش بين الشعب وهي أن القائد القديم سيحيى من جديد لاسترداد المستعمرة .."

تلك خلاصة بسيطة لمستوطنة كافكا والتي تطابق على مستوى الرموز دولة المغرب تماما , إن لم تكن هي حقا . فتلك الآلة التي تقتل ببطء وليس دفعة واحدة حتى يتعدب الضحية أقصى وقت ممكن هي النظام المغربي حيث تصميمه السياسي والإقتصادي يطبق بقبضتيه على رقبة المواطن المغربي ويغرز في جسده إبره المسمومة ويتركه يتعدب طيلة حياته حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة , فباستتناء القائد ومعاونيه لا يمكن لأحد الإفلات من هدا القدر المأساوي ,ولا يمكنه التدمر أيضا , فإدا دهب المواطنون بجروحهم وندوبهم إلى المستشفيات لن يجدوا أدوية أو رعاية بل حصصا جديدة من التعديب, وإدا دهبوا إلى المدارس لن يتعلموا إلا الوصايا العشر التي من بينها وقر رؤساءك , وإدا سألوا عن حقوقهم أو تظلموا فهم مجرمون لأن الدنب لا ينبغي أن يكون أبدا موضع شك وكل ما يحكم به القائد هو العدالة عينها , والعدالة لا معنى لها ومساطر المحاكم لانها ليس سوى لسان القائد . وما يقوله النظام وما يفعله هو في مصلحة الشعب ولا يجوز مناقشته لأنه هو الملهم فهو القائد والمحامي والقاضي والمهندس والميكانيكي والرسام الدي يضع أدق التفاصيل . إن براعة النظام المغربي هي براعة قائد مستوطنة العقاب حتى لا يمكنك أن تميز بينهما .. كما أن كل أموال المغرب المصروفة تدهب لصيانة وتطوير الآلة فهيبة مستوطنة العقاب قائمة بالأساس على هيبة الآلة , ولدلك لن نتفاجأ عندما نرى الأموال الكثيرة المصروفة ليس في مصلحة المواطن بل ضده , فالأجور الخيالية التي يتقاضاها معاوني النظام وتعويضاتهم التي قد يحدث في الشهر أحيانا أن يتقاضى الفرد من هؤلاء أكثر ما تتقاضاه ألف عائلة ودلك ليس من جيب المحسنين طبعا بل من جيوب هدا الشعب الدي يعيش فقط ليتعدب , كما لن نتفاجأ أن نرى أنها تصرف في الحفلات البادخة والبروتوكولات والإمتيازات في الوقت الدي يموت فيه المواطن لأنه لا يجد علبة دواء , والأطفال يغادرون المدرسة لأن ليس لهم ثمن دفتر مدرسي . أما البرامج والمخططات والسياسات التي يضعونها فما هي في آخر المطاف إلا أشكالا مختلفة من التعديب اليومي للمواطن . فالسياسات والبرامج مهما تغيرت وجوهها وتعددت أسماءها فجوهرها واحد هو مستوطنة العقاب . الآلة هي هيبة الوطن , الوطن الدي لا يعني لهم أكثر من لباس رسمي . الشعب الدي يقف في السلاسل ببلاهة حتى أنه لا يعرف تهمته هو نفسه مواطن مستوطنة العقاب . ربما يعرفون تهمة واحدة ثابتة عليهم هي أنهم ولدوا في المغرب أي في الدي سترافقهم تعديباته من الولادة إلى الموت . المواطن الدي جعله القائد يقف ككلب بتصريح كافكا هو نفسه الدباب بتصريح أحد أفراد العائلة الملكية . إنهم ما يبرعون فيه هو التعديب والسادية ويبدلون قصارى جهودهم لدلك حتى تستمر مستوطنة العقاب كبلد مزدهر , إنه أجمل بلد في العالم , إنه المغرب حيث الشمس والبحر والجبال والصحراء, حيث الفقر والجوع والأمية والصمت , حيث أعظم آلة للتعديب البشري , حيث المحكوم يقرأ الوشم بجراحه ولا يمكنه أن يقول شيئا . لا يمكنك أن تحتج أو تصرخ لأن الآلة تعمل بدقة متناهية , يدفعونك أن تعيش الألم كاملا وكلما طالت فترة حياتك كلما كانت الآلة متقنة .
أما المستكشف في رواية كافكا فهم الأحرار وجمعيات حقوق الإنسان والمؤسسات الدولية والمناضلون الحقيقيون التي تدافع عن الكرامة والحرية والتي لا تنقاد للضغوطات ولا تقبل بالرشاوى ولا مكان في عقلها للخوف من همجية الآلة . فمهما تفنن الضابط في الكدب وتبرير جرائمه والدفاع عن أساليبه الوحشية وعن حبه للعدالة , فالتقارير الحرة النزيهة التي تصدر ضد المغرب وضد ممارسات عائلات الآلة فهي تفضح هده الإدعاءات وسوف تساهم يوما في انهيار مستوطنة العقاب وظهور مغرب جديد يحترم الإنسان وكرامته .

ولمن أراد أن يكتشف المغرب الحقيقي أكثر فإنني أدعوه إلى قراءة مستوطنة العقاب لكافكا .
كما أدعو وزارة السياحة المغربية أن تعمم هده الرواية على مندوبيات السياحة وعلى وكالات الأسفار في الخارج كي توزعه مع صور المغرب الجميلة مضيفة كلمة المغرب إلى عنوان الرواية حتى تتمكن من تشجيع السائحين إلى استكشاف الآلة المدهشة , وبدلك سوف تتمكن من تحصيل مداخيل إضافية تمكنها من صيانة الآلة وتطويرها إلى أقصى فترة ممكنة لأنها بدأت تتداعى وسوف تسقط قريبا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: إجلاء مئات المهاجرين و-ترحيلهم إلى الحدود الجزائرية- و


.. ما آخر التطورات بملف التفاوض على صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلا




.. أبرز 3 مسارات لحل أزمة اللاجئين السوريين في لبنان هل تنجح؟


.. جامعة فيرمونت تعلن إلغاء خطاب للسفيرة الأميركية بالأمم المتح




.. مسيرة إسرائيلية توثق عمليات اعتقال وتنكيل بفلسطينيين في مدين