الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة/ الشحاذ الغني

نجاح العلي

2008 / 11 / 28
الادب والفن


مازلت بإنتظار الساندويش البسيط الذي أتناوله يومياً في هذا المطعم البائس بكل شيء، أكثر من يتواجد هنا هم والمعدمون، ها هو أحدهم يطالب النادل برأس بصل حار مع الساندويش فيسخر من طلبه زميله.. فيصيح بان عمله كحمال هو ما يدفعه الى تناول الكثير من البصل، أنا لا أحتاج البصل اذن، لكن تعجبني الفكرة فأطلب بصلاً ايضاً، واتخيل بأنني سأتمكن من حمل مزيد من الأشياء وأنا اغادر السوق، آواني المطعم قديمة، كأنها جلبت من المزبلة مثل ملابس الشحاذ التي ارتديها وهي تشبه ملابس الشحاذ الذي يجلس بقربي، نظراتي الفاحصة له دفعته الى ان ينطلق في ثرثرة طويلة عن قدمه التي قطعت نتيجة إصابة بسيطة اثناء لعبة كرة القدم لتلتهب بعد ذلك التهاباً شديداً فأضطر الأطباء الى قطعها، وفهمت من كلامه أن يحمل والديه المسؤولية.
رغم انني أتردد على هذا المطعم منذ مدة إلا اني اختلط برواده كثيراً، ولكني هنا انا اتورط هذه المرة مع هذا الشحاذ الذي راح يسرف في الحديث عن نفسه، قال بأنه يحلم بالسكن في بيت كبير فيه شرفات ونافورات وحديقة واسعة وفيه خادمة جميلة تنزع عنه ثيابه وتدلك له رجليه ليتدفق الدم فيهما بعد ان ادمن الجلوس وراء مكتبه عابثاً بالإنترنيت او مشغولاً بمعاملاته التجارية، ثم يظهر بعد ذلك طباخه السمين الذي يملأ المائدة بشتى أصناف الطعام، وراح يصف لي بدقة وجه ذلك الطباخ كما وصف من قبل وجه وجسد الخادمة الجميلة كأنهما موجودان فعلاً، واسترسل في الحديث حتى قاطعه صاحب المطعم، قائلاً:
ـ لقد أنهيت طعامك منذ وقت طويل ولم تطلب شيئاً آخر وها أنت تزعج الزبائن بصوتك العالي وصخبك المجنون، اما ان تسكت وتطلب طعاماً مرة اخرى او تدفع الحساب وتغادر.
اصفر وجه الشحاذ، وصار يتعلثم وهو يحاول الاعتذار ولكنه اعترف ايضاً بأنه لا يملك مالاً يدفعه بدل الطعام، هنا انهال عليه صاحب المطعم بالشتائم والضرب ونادى على مساعديه وعماله، واشتركوا جميعاً في ضرب الشحاذ، فأسرعت بالفرار لا أعرف لماذا؟.
عندما اقتربت من منزلي أذهلني مقدار شبهه بالقصر الذي كان الشحاذ يصفه، تخيلت ان هناك خطأ ما لكن البواب سارع بفتح الباب وكأنه ينحني أمامي، قلت في نفسي اذن هذا منزلي او قصري ان اردت الصدق، وبعد ان اجتزت الحديقة الواسعة التي تشبه حديقة أحلام الشحاذ فإذا بي بممر من الحجر الملون الثمين، وصلت الى مدخل المنزل حيث استقبلتني خادمة جميلة بمثل مواصفات الخادمة التي يحلم بها الشحاذ، واخذت تخلع عني ملابسي الرثة والقذرة واستسلم لها جسدي دون حرج، خلعت تقريباً كل ثيابي، وقادتني الى مقعد وثير حيث راحت تدلك قدمي، ثم تقدم مني رجل سمين متورد الخدين حاملاً بعض الثياب الخفيفة والمريحة التي ألبستني اياها الخادمة بسرعة، ثم سرت وراء الرجل السمين الذي عرفت انه الطباخ ، حيث أشار الى المائدة المليئة بشتى أصناف الطعام وأدهشني مقدار شبهه بطباخ الشحاذ الحالم، اثناء الطعام كنت أنقل بصري في أرجاء المكان مندهشاً بالثراء الذي يتمتع به أصحاب القصر، لكن صوت الخادمة قطع تلك الدهشة وهي تقول، أخوك سيدي على الهاتف، فصرخت بها:

ـ من؟

أجابت مرتعبة من صوتي:

ـ شقيقك الذي في اوربا.

أخذت منها الهاتف الذي تدفق منه صوت لاهث مستعجل:

ـ الله في عونك، القتلى يزدادون يومياً، لا أعرف لماذا أنت مصر على البقاء في هذه المعركة يبدو ان حليتك ناجحة فثياب الشحاذ ساعدتك على البقاء حياً ودون ان تتعرض للخطف، ولكن من يدري ما سيحدث غداً؟ أتمنى أن لا تعجبك اللعبة وتندمج في الدور تذكر دائماً، او على الأقل بين فترة واخرى انك ملياردير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي