الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العنف الموجه ضد المرأة

معتز حيسو

2008 / 11 / 28
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة


يشكل العنف الموجه ضد المرأة أحد مستويات وأشكال تجليات العنف الاجتماعي القائم على جملة مفاهيمية وقيمية وعادات وأعراف موروثة تشكل إطاراً عاماً لنمط ثقافي اجتماعي ثقافي ذكوري / بطريركي ، يُخضع المرأة لسلطة الرجل لكونها وفق المنظومة المعيارية الذكورية يجب أن تكون تحت سلطة ووصاية الرجل الذي يعمل وفق منظومته الثقافية على تقويم اعوجاج المرأة لكونها الطرف الأدنى .
تتحدد سيرورة علاقة / النوع الاجتماعي _ الجندر/ من خلال الموقع الأنوي / الذكوري المتربع على جملة القيم والتقاليد والعادات الاجتماعية المشكّلة لنمط ثقافي يقوم على تكريس مفاهيم الخضوع ، الطاعة ، التبعية و الوصاية ، المرأة ناقصة عقل ودين وهي سبباً للغواية وإثارة الفتن والنزوات الجنسية والعار وانتهاك شرف الرجل المرتبط بجسد المرأة ... وقد تحولت هذه المفاهيم إلى أعراف اجتماعية تحكم وتحدد أشكال تجليات علاقة النوع الاجتماعي. إن مكمن الخطورة كان وما يزال يتجلى بالترابط بين القوانين الوضعية المعبِّرة عن مصالح السُلط السياسية وجملة الأعراف والقيم الناظمة للعلاقة التي تحكم النوع الاجتماعي ،والتي تستمد شرعيتها ومبررات وجودها من النصوص الدينية التي تُعتبر مصدراً تشريعياً مهماً . أي إن تجليات علاقة النوع الاجتماعي يحكمها جملة من القيم والمفاهيم والعادات المرتكزة على قاعدة العقل الديني المترابط مع السلطة السياسية ، هذا الترابط شكّل نمطاً ثقافياً سائداً ومهيمناً ينوب في بعض اللحظات عن بعض القوانين الوضعية التي تؤكد على المساواة وتكافئ الفرص والعدالة وحرية المرأة . ويؤكد عرضنا تمسك الحكومة بالتحفظات الواردة في المرسوم رقم 330 تاريخ 25/ 9/2002/ على إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة ( سيداو ) وشملت هذه التحفظات : المادة الثانية المتصلة بالمساواة التامة في الدستور والقوانين كافة في السياسات العامة ، والفقرة الثانية من المادة التاسعة المتعلقة بالمساواة بين الرجل والمرأة في منح الجنسية لأفراد العائلة ، والبند الرابع من المادة الخامسة عشر المتعلقة بحرية التنقل ، والفقرات ( ج _ د ،ز، و ) من البند الأول من المادة السادسة عشرة المتعلقة بالمساواة بين الزوج والزوجة في الحقوق والواجبات أثناء الزواج . والبند الثاني من المادة السادسة عشرة المتعلقة بأثر خطوبة الطفل . إن هذه التحفظات تخالف الدستور السوري الذي ينص في البند الثالث من المادة /25/ على : المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات . وينص البند الرابع من المادة ذاتها على : / تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين / . كما ينص في مادته الخامسة والأربعين على : / تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفاعلة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي/.إن هذا التباين والتناقض بين التوجهات الحكومية المعلنة التي تؤكد على ضرورة تمكين المرأة من الحصول على حقوقها الكاملة في سياق إصلاحات تشريعية تخص قضايا النوع الاجتماعي والمرأة و تحديث وتطوير القوانين والتشريعات الوطنية والتحفظات الواردة على اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة يؤدي إلى ارتكاس ليس المرأة فقط بل المجتمع بكامله إلى واقعاً اجتماعياً أكثر تخلفا.ً
إن نقاش قضية اضطهاد المرأة يفترض التحديد المباشر لأشكال وآليات الممارسة السياسة التي تقوم على تكريس نمط ثقافي يقوم على التمييز والاضطهاد المنظم والمقونن الذي يطال كافة المستويات الاجتماعية،إضافة لكونها تساهم بشكل مباشر وغير مباشر بتكريس ثقافة العنف القائمة على الأعراف الاجتماعية ( جرائم الشرف ) التي تجرّم المرأة وتحرّر الرجل .. في سياق تغييب المنظمات المدنية والسياسية المستقلة عن قاعها وجذرها الاجتماعي .
إن التمييز والاضطهاد الذي تعاني منه المرأة في المجتمعات المتخلفة إضافة لكونه تأسس على منظومة ثقافية شرقية / ذكورية، فإنه يستمر بفعل التقاطع والترابط بين التخلف الشرقي ونفايات الحضارة الغربية في سياق تنامي ظاهرة العنف و تحويل الإنسان عموماً والمرأة بشكل خاص إلى سلعة يكون فيه الجسد مقياس الرواج،في سياق الترويج لثقافة استهلاكية مبتذلة يغيب فيها العقل أمام استشراء ثقافة الجنس الرخيص والمبتذل .
إن أشكال الاضطهاد والعنف الموجه ضد المرأة لا يقف أو ينتهي عند حد معين ، فعلاقتها مع العنف والتمييز والاضطهاد تبدأ من العلاقات الأسرية التي تكرس مفاهيم الطاعة والتبعية والعبودية والدونية الإذلال وتضخم الأنا الذكورية ، ويتم تأهيلها تربوياً وثقافياً على أن تكون المرأة المطيعة والملبية لرغبات زوجها ونزواته بعيداً عن شعورها الإنساني، ويتم التعامل معها وفق جملة من المصطلحات اللفظية المعبّرة عن ثقافة العنف السائدة اجتماعياً،ومن الطبيعي في ظل تردي المستوى الثقافي وهيمنة الثقافة الذكورية أن تخضع المرأة في ظل العلاقات الأسرية إلى العنف الجسدي والجنسي من المحارم وذوي القربى ، ويتم التستر على الانتهاكات الجنسية التي تتعرض لها المرأة من منطق التقاليد الدينية والعادات والأعراف حفاظاً على شرف الأسرة وسمعتها لتبقى الضحية الوحيدة . فالمرأة معرضة دائماً لأشكال مختلفة من الاضطهاد بدءاً بالتحرش الجنسي بأشكاله المختلفة ،والزواج بالإكراه ، وزواج الأطفال ، إضافة إلى الختان والخفاض الذي يحولها لأداة إمتاعية للرجل (مصر والسودان والسعودية ..) ، تقسيم العمل الوظيفي المنزلي غير المأجور والذي يضاهي عملها خارج المنزل الذي لم يساعدها في الوصول لمكانتها الإنسانية التي تستحق لتبقي ملكية حصرية للرجل وتابعة له اقتصادياً أي مهددة بشكل دائم باستمرار وجودها البيولوجي ، فالمرأة في عملها الوظيفي خارج المنزل تبقى رهينة لمزاجية رب العمل وما تتقاضاه مقابل عملها أقل من الرجل إضافة إلى ما تعانيه من عنف لفظي و جسدي ومن ازدراء وتحقير وتحرش الجنسي ونظرة الدونية وتوظيفها لخدمة رب العمل خارج أوقات الدوام ... رغم مساواتها أو تفوقها في تحصيلها العلمي على الرجل، مما يؤثر سلباً على حالتها النفسية والاجتماعية والأسرية،تغييبها عن الاهتمام بالشأن،خضوعها على أساس الجنس لمختلف أشكال التمييز السياسي والثقافي والاقتصادي،التمييز بين الرجل والمرأة في جرائم الشرف / 548 ، 192 / . إن ما أوردناه يوضح خضوع المرأة في كافة الظروف والمستويات والأشكال لسلطة الرجل الذكوري الوصائي الذي يكرس مفهوم التبعية والخضوع بغطاء قيمي أخلاقي وثقافي واجتماعي تحميها وتحملها تشريعات قانونية مصدرها التشريع الإسلامي والتقاليد السائدة / ترث نصف ما يرثه الرجل ، شهادة امرأتين مقابل شهادة رجل حتى لو كان الرجل أمياً والمرأة حاصلة على أعلى المراتب العلمي، قوامة الرجل ،لا يحق لها في بعض الدول الإسلامية قيادة السيارة،لا يحق لها تبوء المناصب القيادية ، لا يحق لها أن تؤم المسلمين في الصلاة ، لا يحق لها منح جنسيتها لأبنائها ، تمنع من السفر من دون إذن ولي أمرها ... / ويتم الترويج لهذه المفاهيم في المنابر الدينية وبعض المسلسلات والأفلام .من خلال ما ذكرناه نرى بأن التحفظات على المعاهدات الدولية الخاصة بحقوق المرأة / سيداو / مصدرها الإدعاء بالحفاظ على التقاليد الدينية والخصوصية الاجتماعية ، لنرى وبوضوح تزامن إطلاق الفتاوى المحطة من القيمة الإنسانية للمرأة مع ظواهر المد الإسلامي السلفي التي تنشأ وتترسخ في ظل أشكال سياسية شمولية وأحادية ( صوت المرأة عورة ، صوت حذاء المرأة ورائحة عطرها مثير لرغبات الرجل الجنسية .. مما يعني التعامل مع المرأة من زاوية الجسد /الجنس فقط ، وبنفس الوقت التقليل من إمكانية الرجل العقلية وقيمته الإنسانية ). ويجب أن نذّكر بما تتعرض له المرأة من انتهاك لإنسانيتها وكرامتها في السجون والمعتقلات وتحديداً المرأة العاملة في الشأن العام إضافة إلى ما تعانيه في زمن الحروب من تشرد وإذلال واضطهاد واستغلال جنسي وجسدي وتحويلها إلى سلعة في أسواق الدعارة وتجارة الرقيق الأبيض .. ولهذا فإننا في مواجهتنا لمختلف أشكال الاضطهاد والتمييز التي تخضع لها المرأة بشكل محدّد نتطلّع إلى الأشكال الدستورية التي من خلالها يتم قوننة الاضطهاد والعنف الموجه إلى المرأة ونرى بضرورة العمل على أن تكون هذه القوانين معبّرة عن حقوق المرأة ومكانتها الاجتماعية اللائقة ، لأن التطور والارتقاء الاجتماعي يفترض مشاركة كافة الفعاليات والقوى الاجتماعية السياسية والمدنية من منظور المساواة في الحقوق والواجبات وعلى قاعدة حرية المشاركة والديمقراطية التي يجب أن تكون الفيصل في أشكال العلاقات الاجتماعية بدءاً من مفهوم الأسرة ودور المرأة وصولاً إلى نمط العلاقات الاجتماعية الكلية والعامة . وهذا يفترض العمل الجمعي على بناء ثقافة اجتماعية عمادها التواصل والتحرر الذهني والعقلي من التابوات الجامدة وصولاً لبناء وتكريس مفاهيم المشاركة الديمقراطية والمساواة التي تعزز دور المرأة في التطور الاجتماعي في سياق تجاوز الأشكال الثقافية الذكورية السائدة،ويمكننا أن نخلص في نهاية النص بأن وجود المرأة الحرة والمتحررة يستوجب وجود الرجل الحر والمتحرر من الثقافة الذكورية السائدة، وهذه يلزمه تكثيف الجهود الثقافية والتربوية على المستوى الاجتماعي والمؤسساتي لتكريس وعي علماني ومدني يقوم على المشاركة والمساواة وتكافئ الفرص لكافة أبناء المجتمع.لأن عملية البناء والتطور الاجتماعي بحاجة لجهود كافة الفئات الاجتماعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاج لسيدات برازيليات أمام الكونغرس ضد مشروع قانون يقيّد ح


.. الدكتور دلندة الشلي أخصائية بأمراض النساء والتوليد والرضع




.. الدكتورة سميرة كربول أخصائية في أمراض النساء


.. إحالة طارق رمضان حفيد مؤسس تنظيم الإخوان للمحاكمة فى دعاوى ا




.. المغرب: مطالبات بقانون يضمن الحق باللجوء إلى الإجهاض الآمن!