الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ما خصَّ... احتقار النظام للشعب السوري

وهيب أيوب

2008 / 11 / 28
حقوق الانسان


يعلم السوريون جميعاً، الكبير منهم والصغير، والمُقمّط بالسرير، أنه لا يمكن لابن امرأة في سوريا أن يقوم بإجراء حتى ولو حفلة "طهور" لرضيع لم تبلغ بعد أسنانه الحليبية، دون تصريح من أحد فروع الأمن الساهرة على أمن المواطن السوري في كل كبيرة وصغيرة!
لقد حرِصَ "الإعلاميون" السوريون المنتشرين بين المتظاهرين في دمشق احتجاجاً على العدوان الأميركي في البوكمال، على التنويه قبل إجراء أي مقابلة مع أحد المتظاهرين، بالتأكيد على عفوية خروجهم للشارع! وهم يرفعون صور الرئيس بشّار مُشيدين ببطولاته بالتصدي للعدوان الأميركي على طريقته الخاصة في الممانعة، مع عدم المنع طبعاً! هكذا بكل وقاحة، وعلى عينك يا تاجر! ثم تتكرّر التصريحات المنسوخة والممسوخة من المتحدّثين وكأنهم ابتلعوا شريط كاسيت يردّد ذات الكلمات. بحيث لن تجد في كل تلك "التظاهرة العفوية"! من يشذُّ عن الثلم أو يُنشِد لحناً مختلفاً، إنها نغمة القطيع الواحد الذي أُخرِج بالعصا والجزرة ويعود إلى قواعده بهما!
ثم ليلتفت المذيع بطريقة استعراضية إلى الجماهير الهائجة ليقول: هذا هو الشعب العظيم...
وكأني به يقول: هذا هو الشعب الذليل الحقير. هذه هي حقيقة نظرة أي نظام استبدادي لشعبه، مهما حاول إيهام الناس عبر شاشاته المُزيّفة بتمويه الحقائق.
وعلى سيرة العفوية والخروج العفوي، ماذا لو خرج ألفا مُتظاهر مثلاً بشكل عفوي ليست على غرار عفوية تلك التظاهرة! ليحتجوا على الأحكام التعسّفية الجائرة بحق مناضلي إعلان دمشق، فهل سيكون رد رجال الأمن عليهم إلاّ بالعصي العفوية والرصاص العفوي والاعتقالات العفوية...عفواً، هل هذا ما سيكون؟ أو هل هذا ما كان أثناء مظاهرة الكُرد احتجاجاً على المرسوم رقم 49 الذي ينال من حقوقهم كمواطنين سوريين.
وفي نفس الوقت الذي جرى فيه العدوان الأميركي على "البوكمال"، كانت محاكم النظام تطلق أحكامها بالسجن على مناضلي إعلان دمشق، سنتان ونصف لكل منهم عدّاً ونقداً.
وأذكُر أنه في الوقت الذي كان يُقتل فيه السجناء في سجن صيدنايا قبل عدّة أشهر، كانت الفضائية السورية تبث برنامجاً عن الانتهاكات الأميركية في سجن أبو غريب ومعتقلات غونتانامو، دون أن تذكُر ما يجري في سجون النظام داخل سوريا!
هل هناك احتقار للشعب، أكثر من أن يسمع مواطن البلد، أخبار ما يجري في وطنه من وسائل إعلام خارجية؟!
ثم يأتي دور احتقار بعض من يسموَّن بـ "النخبة" في سوريا والعالم العربي، من سياسيين وصحافيين ومثقفين، بحيث يتم استضافتهم ببرامج سياسية هزلية، هي عبارة عن حفلة عواء ونباح نظّمها النظام ضد ذئاب وأعداء القبيلة! وهؤلاء لا حاجة لترويضهم أو التحايل عليهم فهم يأتون بكامل الجهوزية في احتقار أنفسهم وذواتهم، كيف لا، وهم يعلمون مُسبقاً أنه لا مكان في هذا المكان للتفكير والتحليل والنقاش والاستنتاج... هنا في هذا المكان بالذات معروف مُسبقاً ما يجب قوله وما لا يجب، ولكن لا توصّي حريصا، هؤلاء متمرّسون بسحق ذاتهم بذاتهم، رقيبهم في داخلهم، وهم يحفظون عن ظهر قلب ما يودّون قوله وما يرغب سيّدهم بسماعه منهم.
ما أسوأ ذلّ الإنسان في احتقاره لنفسه وعقله بهذه الطريقة الكاريكاتورية المُهينة، هذا النفاق كما يصفه الراحل عبدالله القصيمي لهو أعلى درجات الاحتجاج على الاستبداد.... ولكن لا يعلمون!
إن أفظع ما في هذا العالم العربي وفي وطننا سوريا، أن المُطالبين بالحريّة والمقتنعين بها هُم قلائل جداً. والرافضون للدكتاتورية والظلم والاستبداد والهوان، والمستعدّون لمواجهته قلائل أيضاً.
وإن بعض الذين يدّعون – وهم ليسوا قلائل- النضال ضد الديكتاتورية والاستبداد لا ينفكوا يمارسون استبداداً وإقصاء بعضهم لبعض، وهم أحياناً كثيرة مزاجيون انفعاليون أكثر مما هم مبدئيون تغييريون. لا يمكن مواجهة الاستبداد والطغيان بصور أو أشكال مشابهة ومقابلة له ولكنها فقط تختلف معه. إن الادّعاء بالديمقراطية وقبول الآخر لا يجب أن يبقى مجرّد شعارات كالتي يطلقها النظام، وإنما إعطاء نموذج حي في تلك الممارسة على أرض الواقع.
أمام المعارضة في سوريا أو أي بلد عربي آخر، امتحان لا يقل صعوبة وخطورة عن مواجهة أنظمة الاستبداد، ألا وهو امتحان نفسها في هذا المجال – الديمقراطية وقبول الآخر- قبل حلمها في الوصول إلى السلطة وإرساء نظام ديمقراطي حقيقي يؤمن بحرية الرأي والحوار وحق الاختلاف، في ظل أسس الدولة المدنية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، التي تنادي بهم.
إن استطراد النظام السوري وإيغاله في احتقار الإنسان وعقله، وتهميشه أو مسخه وتطويعه واستدخاله في جبّته لخدمة وجوده وكينونته المتواترة بالاستخلاف والتوريث، يؤدي للمزيد من احتقاره للشعب واستخدامه فقط بأزماته الخاصة وخدمة لمصالحه وليس لمصلحة الوطن، أمر يجعل من الوطن نفسه مطيّة سهلة للنظام ليركبه متى شاء وليذهب به حيث أراد.
قبل المناداة بتغيير النظام وإسقاطه، أي نظام، يجب أولاً فضح وتعرية الذهنية الاستبدادية الاقصائية التي يستخدمها النظام، وإسقاط جميع الأدوات من بين يديه التي يستعملها في قمع المعارضة والشعب وإذلالهم واحتقارهم على هذا النحو الذي نسمعه ونراه. ولا يتم ذلك إلاّ من خلال تبني قيم وشعارات ومسلكيات من قِبِل المعارضين والمثقفين تنافي قيم النظام وأدواته وسلوكه، بحيث تستطيع إحراجه وجلاء حقيقته وكشفها أمام الشعب والعالم.
إن من أهم ما تستطيع المعارضة ونخبة المثقفين الحقيقيين أن تقدّمه للناس، هو إقناعهم بجدوى التغيير وليس مجرّد التبديل! التغيير الحقيقي، الذي سينقل البلد من مرحلة إلى أُخرى، من الطغيان للحرية، من الاستبداد للتعدّد والديمقراطية، من الفقر والجهل إلى الرخاء والتقدّم وحرية التعبير والتفكير، من احتقار السلطة للناس وعقولهم، إلى احترامهم وتقدير إبداعاتهم ومشاركتهم الحقيقية في بناء الدولة والمجتمع وخياراته.
إن التدجين المُمنهج للشعب السوري الذي اتبعه النظام عبر العقود الماضية بواسطة أدواته القمعية وأجهزته الأمنية ومؤسساته المصطنعة كـ "الجبهة التقدمية" و "مجلس الشعب" الصوري، ومنظمات الطلائع والشبيبة الـ "البعثية" وغيرها، جعل من الوطن مُجرّد كتلة بشرية مُهانة ومحتقرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -غوغل مابس- قد يكون خطرا عليك.. الأمم المتحدة تحذر: عطل إعدا


.. العربية ويكند | الأمم المتحدة تنشر نصائح للحماية من المتحرشي




.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو


.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع




.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة