الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مابين الجوع والقرصنة والعولمة

بدر الدين شنن

2008 / 11 / 28
العولمة وتطورات العالم المعاصر


في أجواء تداعيات فشل المشروع الأميركي ، الذي انطلق من احتلال العراق ، للسيطرة على الشرق الأوسط وإعادة تشكيله ، بما يؤمن ا ستخدامه جغرافياً وسياسياً وبترولياً ، لإحكام الهيمنة الأميركية على العالم ..
وفي أجواء فشل محاولة تحقيق تحولات في ميزان القوى في القوقاز ، توفر للإدارة الأميركية إمكانية السيطرة على تدفقات الغاز والبترول من روسيا إلى الخارج عبر بلدان آسيا الصغرى ، وتؤمن دعماً لإنهاض مشروعها الشرق أوسطي ..
وفي أجواء انفجار أزمة الرأسمال المالي ، التي أدت إلى خسائر باتت تحسب بالتريليونات وليس بالمليارات حسب مختلف العملات الدولية ذات الوزن المقابل في السوق ، ودخول البلدان الرأسمالية الأساسية في مرحلة ركود اقتصادي مشحونة باحتمالات الأسوأ من التوقعات في السنوات القادمة ..
في هذه الأجواء ، التي وضعت القطبية الدولية الأحادية الأميركية ، جدياً ، على مسار الانحسار ، وأفرزت مقومات اقتصادية وسياسية وعسكرية لنشوء القطبية الدولية التعددية ، ما فرض على الإدارة الأميركية إنقاذ ما يمكن انقاذه من مكونات امبراطوريتها القصيرة العمر ، حتى يتمكن سادتها في قمة الهرم الاقتصادي الإمبريالي من الحصول على أعلى معلات الفائدة ، في لعبة إعادة اقتسام النفوذ والمصالح في العالم ..
في هذه الأجواء المركبة التعقيد والصعوبات التي برزت فيها موضوعياً الحاجة إلى آليات بديلة تحقق ذات الأهداف التي تنطوي عليها مخططات الهيمنة الأميركية في المنطقة .. برزت في الآن عينه ظاهرة " القرصنة الصومالية ، المثيرة للسؤال حول تزامنها مع الأجواء الدولية الجديدة وحول خلفياتها وأهدافها ، التي انتشرت على نطاق واسع وبكثافة غير مسبوقة في عملياتها ، في المحيط الهندي ، على مقربة من مضيق هرمز ، الذي يربط الخليج ( المنطقة الأغنى بترولياً في العالم ) ببلدان الشرق ، وخاصة الهند والصين واليابان المرتهنة لنفط الخليج ، والمرشحة لامتلاك مراكز أساسية في عالم التعددية القطبية الدولية الجاري تكوينه الآن ، وعلى مقربة من باب المندب ، الذي تمر عبره المواصلات الدولية التجارية والبترولية وغيرها مابين شرق وجنوب أفريقيا والخليج والشرق الآسيوي وأوربا .

وفضلاً عن أن بروز ظاهرة القرصنة قد تزامن مع اشتداد المصاعب الكبيرة ، التي تكابدها الإمبريالية الأميركية في سعيها المحموم لإحكام قبضتها ( العولمية ) على العالم ، لايدفع بالضرورة إلى التجسير مابين الضفتين ، وإلى تجاوز التزامن إلى المصالح ، فإن العمليات القرصنية ، التي تبعد أحياناً مئات الأميال البحرية عن الشاطيء الصومالي البالغ طوله ( 3025 ) كم ، وتتطلب خبرات ملاحية عالية ، كما تتطلب زوارق كبيرة متطور وعالية الثمن ، هي فوق طاقة المجموعات الصومالية المسلحة ، التي تعجز ، لفقرها للمال والسلاح الكافيين ، عن حسم صراعاتها وتأمين استقرار حدود نفوذها على الأرض ، ما يعني عجزها بإمكانياتها لوحدها عن أن تقوم بعمليات عسكرية في أعالي البحار ، وعجزها عن توفير المكان الآمن لحجز ما تسيطر عليه من سفن على الشاطيء الصومالي ، ريثما تعقد صفقات الفدية والسماح لتلك السفن بالمغادرة إلى سبيلها ، فإنها ( أي عمليات القرصنة ) تثير السؤال المشار إليه آنفاً ، حول خلفية أو خلفيات هذه الظاهرة ، التي تمارس أنشطتها تحت عدسات الأقمار الصناعية وعلى مسرح عمليات يقع تحت مراقبة وسيطرة البحرية الأميركية والدول الحليفة لها ، التي تحشد في الخليج وفي المنطقة أضخم تجمع من الأساطيل الحربية لم يشهد العالم مثيلاً له حتى في الحرب العالمي الثانية . كما تثير السؤال ، لماذا لم تقم البحرية الأميركية طوال الأشهر الماضية ، التي شهدت عشرات العمليات القرصنية ، لم تقم بالتصدي لأية عملية من تلك العمليات . ولماذا تركت ناقلة البترول السعودية العملاقة قيد الاختطاف ، دون أية مبادرة عسكرية لاستردادها من " القراصنة " .

من هنا ، فإن من الرجاحة التوقف عند وجهة النظر ، التي مفادها ، أن العالم الآن أمام مواجهة القراصنة الأميركيين ، الذين من أجل خطف ثروات الشعوب ومصائرها ، يعملون على إحكام السيطرة على الممرات الحساسة للتجارة الدولية ، وخاصة البترولية ، عبر البحار ، من خلال غض الطرف التواطؤي عن عمليات القراصنة الصوماليين ومن خلال دعمهم غير المباشر ، تمهيداً لاستخدام هذه العمليات ذريعة لتدويل الممرات البحرية وطرق الملاحة التجارية عبر البحار ، والسيطرة على المياه الإقليمية والقدرات والمصالح البحرية لدول المنطقة بالدرجة الأولى ، باسم الحرب على القرصنة ، كما استخدمت أحداث 11 أيلول 2001 ذريعة لشن الحرب التي سميت ، نفاقاً ، بالحرب على الإرهاب .

وبذا ، فإن مسارات التدخل الدولي سوف تجري متوازية ومتزامنة في الصومال كمصدر ومستودع ل " الإرهاب القرصني " وفي البلدان المطلة على البحر الأحمر والمحيط الهندي وبحر العرب ، حتى تتوفر الضمانات العسكرية والسياسية لاستقرار المصالح الأميركية وتوفير سبل تنفيذ أوسع مايمكن من مخططات العولمة الأميركية إياها .

ومن أسف شديد ، فإن أكثر حكومات الدول العربية لاتزال موضوعاً للاستغباء أو للإستخدام الأميركي ، فهي تهرول الآن تلبية لاستدعاء الإدارة الأميركية لها للمساهمة أيضاً في التعاطي مع ظاهرة القرصنة القادمة ، مخادعة ، من الصومال ، كما ساهمت وتساهم في الحرب الأميركية على الإرهاب ، وقد تداعت الحكومات العربية المطلة على البحر الأحمر ، وربما تلبي غداً حكومات الخليج ، لإقرار خطة تدويل مكافحة " القرصنة " الصومالية الصغرى لتغطية القرصنة الأميركية الكبرى ، لأن قادة هذه الحكومات المحكومون بالعجز أمام المخاطر الخارجية ، نتيجة تفريغ بلدانهم من مصادر الطاقات الشعبية الوطنية بالإرهاب والتفويت السياسي ، يجدون أنفسهم عاجزين عن القيام بجدارة بمكافحة القراصنة ، أو أنهم يدركون حقيقة اللعبة الأميركية الجديدة ، وماعليهم سوى أداء أدوارهم التعيسة كما هو مطلوب منهم .

مع الأخذ جدياً بوجهة النظر القائلة ، أن القرصنة الأميركية هي الحاضنة للقرصنة الصومالية ، فإن من الجدير ذكره في هذا الصدد ، هو أن الصومال الذي إبتلي عقوداً طويلة بالإحتلال الاستعماري الثلاثي ، الانكليزي والفرنسي والإيطالي ، ومن ثم كابد الصراع مع ا ستبداد سياد بري ، ثم دفع ثمن الحرب الدموية البشعة مع أثيوبيا حول إقليم أوغادين ، وهو مستباح منذ ربع قرن لمختلف التدخلات الخارجية ولطموحات أمراء الحرب الأهلية ذوي الخلفيات الخارجية والقبلية المتخلفة ، أصبح في وضع شديد الخطورة والصعوبة والمأساوية . لقد سقط من الصوماليين نتيجة تلك الصيرورة الجهنمية من الاحتلالات الاستعمارية ، والأميركية ، والأثيوبية ، ومن الاستبداد والحروب الأهلية ، ومن الجفاف شبه المستدام ، سقط نحو مليوني إنسان موتاً وجوعاً ، بفعل الحروب الاستعمارية والأهلية ، وبفعل الاستبداد والتخلف معظمهم من الأطفال .

الأمر الشاذ اللافت في المسألة الصومالية ، هو في تعاطي الجامعة العربية ودولها والأمم المتحدة والمنظمات الدولية مع الصومال .. الفاقد لمقومات الدولة وللحياة السياسية قرابة ثلاثة عقود .. وفاقد للحد الأدنى من الخدمات الصحية والتعليمية ، الذي يتجلى في عدم تقديم المساعدات الجدية المسؤولة لإنقاذه من حالة التمزق الكياني والحرمان من الأمان ومن مقومات البقاء الإنساني . وكأن هناك موقف مسبق أن يترك الصومال للعبة الكبار إقليمياً ودولياً .

المشهد الصومالي الآن ، الذي ينتشر على مساحة سبعماية ألف كيلو متر مربع ، أي أكبر من مساحة العراق ، معظمها موبوءة بتشقق الجفاف القاتل ، يضم عشرة بل ثمانية ملايين إنسان بعد إسقاط مليوني ضحية من الحساب ، وتتحكم به سلطات وجهات محلية وخارجية عديدة ، تتمنع عمداً عن التلاقي ، وتحول قصداً دون قيام وحدة وطنية إنقاذية ، تعيد بناء الدولة ، التي هي الخطوة الأولى لإنجاح أي مسعى للخلاص من التخلف والأزمات البيئية والمجاعات .. سلطات فتحت المجال لمناخات رديئة ، كانت ظاهرة القرصنة إحدى ثمارها المرة ، التي اندفع البعض فيها ولاشك تحت ضغط الجوع لركوب البحر بحثاً عن مصادر للبقاء والطعام .

مأساة الصومال وإفرازاتها بما فيها ظاهرة القرصنة ، التي تستغلها أميركا لأهدافها الخاصة ، هي وصمة على المستوى العربي والأفريقي والدولي .

لقد جاء في تقرير للأمم المتحدة عن الصومال بتاريخ 8 / 4 / 2008 حرفياً مايلي " الرجال الغاضبون الذين يعانون من الجوع ويحملون الأسلحة الآلية بحثاً عن الطعام في مكان ما سيتسببون في مزيد من الصرا ع " ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ثلاثة قتلى إثر أعمال شغب في جنوب موريتانيا • فرانس 24


.. الجزائر: مرشحون للرئاسة يشكون من عراقيل لجمع التوقيعات




.. إيطاليا تصادر طائرتين مسيرتين صنعتهما الصين في الطريق إلى لي


.. تعازي الرئيس تبون لملك المغرب: هل تعيد الدفء إلى العلاقات بي




.. إيران .. العين على إسرائيل من جبهة لبنان.|#غرفة_الأخبار