الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا وديك الحبش وعتمة قطاع غزة ..!

نافزعلوان

2008 / 11 / 29
كتابات ساخرة


بسم الله الرحمن الرحيم

نحتفل هنا في الولايات المتحدة بعيد الشكر. يتناول الشعب الأمريكي فيه ما يزيد عن المائتين وخمسين مليون طن من لحم طير الحبش ومثلها من فطائر ( القرع الحلو ) ومثلها من الخبز و .. و .. و ..

هذه السنة تضامناً مع قطاع غزة قررت أن لا يكون هناك إحتفال بديك الحبش في بيتنا. وقررت أيضاً أن لا يموت طير الحبش والذي نقوم بذبحه في كل عام حيث نفضله طازجاً ولا نحبه مجمداً.

وبما أن أطفالي لا ذنب لهم في قراراتي التعسفية هذه قمت بإرسالهم إلي بيت جدتهم لأمهم لمشاركة بقية الشعب الأمريكي في هذه المناسبة والوليمة التي تقام في كل بيت هنا في الولايات المتحدة الأمريكية. بقيت أنا وديك الحبش الأبيض الكبير وحدنا في المنزل. أخذت أمشي أنا وديك الحبش في حديقة المنزل أنظر إليه أحياناً وأتجنب نظراته إلي أحياناً أخري حتي ثاقبت أن جلست علي مقعد .. كانت الشمس قد إختفي ضوئها تماماً والمنزل في عتمة كاملة وذلك أيضاً تضامناً مع قطاع غزة إلا من ضوء بسيط كان يتسلل إلي حيث نجلس أنا وديك الحبش في حديقة المنزل وكأنه ضوء شمعة من شموع غزة بالكاد تضيئ شيئاً علي الإطلاق.

وجدت نفسي أقول لديك الحبش .. هل تعلم بأنك مدين لي بحياتك اليوم? كان من الممكن أن تكون الآن محشواً ومحمراً تتوسط مائدة عليها كل ما تتمني العين وتشتهي النفس. هل تعلم أنك مدين بحياتك إلي مدينة غزة? هل تعلم أين مدينة غزة? هل تعلم كم جائع يود أن يطال رقبتك في مدينة غزة? هل تعلم أن هناك مليون ونصف مليون إنسان يعيشون في عتمة كهذه في غزة? وهل تعلم أن هناك أكثر من مائتين مليون عربي لم يرحموا قطاع غزة كما رحمتك ولم يتضامنوا معها كما نتضامن أنا وأنت اليوم مع قطاع غزة?

قلت لديك الحبش .. والمشكلة ليست هنا. المشكلة هي أن الإحساس أصبح معدوماً عند البشر. في الضفة في الرياض في عمان في القاهرة في دمشق في الدوحة .. هنا في واشنطن ، المشكلة هي إنعدام الإحساس عند البشر تجاه ما يعانيه البشر في غزة. وها أنا أشعر بك وأصدر عفواً عام أن لا تموت ، أما هم فلا يشعرون بوجوب إصدار مثل هذا العفو عن مليون ونصف المليون من أطفال ونساء وشيوخ ورجال ونساء في قطاع غزة أن لا يموتوا جوعاً ومرضاً وحصاراً. يبدوا أنك تملك حظاً لا يملكه الشعب المطحون في قطاع غزة. نعم هذه الدنيا حظوظ حظك أقوي من حظ مليون ونصف إنسان في قطاع غزة.

قلت له هل تعلم أن لدينا ملوك وأمراء في دولنا العربية يشبهونك تماماً في الإمتلاء وفي المظهر وحتي في المشية? لدرجة أنك واحد من أمثالنا الشعبية حين يقولون ( يمشي كديك الحبش ) أو عندما يقال ( يزهو بنفسه كديك الحبش ) نعم يا شريك عتمتي الإختيارية هذه .. لدينا ملوك وحكام وأمراء يمشون مشيتك ويزهون زهوك بين شعوبهم المطحونة الهزيلة الجائعة ، أنت علي الأقل يمكن الإستفادة من لحمك أما هؤلاء الملوك والزعماء العرب فلا فائدة من عقولهم ولا لحومهم. أخذت أنظر إلي ريشه الشديد البياض وبنيته التي تدل علي حرص المزرعة التي أتي منها من إعتناء بصحته ورعايته حتي بلغ إلي هذه الدرجة من الصحة والعنفوان ثم قلت له .. هناك الملايين من أبناء بلادي عاشوا حياتهم بأكملها ولم يجدوا ربع العناية الصحية التي تم توفيرها لك منذ خرجت من البيضة وحتي يومنا هذا وهناك منهم من لا بريق لجلده ولم يعرف معني أن يتوفر له مجرد الماء النظيف ليشربه ناهيك عن تنظيف وتلميع ريشه .. عفواً أقصد جلده. وبحسبة صغيرة تجد أن تكاليف العناية بعشرة ديوك حبشية مثلك كافية لإعالة عائلة من خمسة أفراد لعام كامل في قطاع غزة .. عجيبة هذه المفارقات الإنسانية عندما تقارن بين عيشة ديك الحبش هنا في الولايات المتحدة وبين عيشة الإنسان في قطاع غزة.

رفعت رأسي ونظرت إلي ديك الحبش فوجدته وكأنه جاثياً علي الأرض قدميه من تحته وكأنه جالس علي بيضة فحسبته نائماً فإقتربت منه فلم ( يجفل ) لإقترابي منه فلكزته بقدمي فإذا به يسقط علي جنبه. أسرعت وأضأت الأضواء في المنزل المبرمج علي أحدث طراز فإذا بالبيت تشع به أضواء قد تكفي لإضائة ربع قطاع غزة وبظغطة زر أخري كنت أتحدث مع سنترال الطورئ ( الإسعاف ) وفي خلال ثواني كانت معدات الإسعاف تهرع إلي المنزل وكأن هناك في الشارع حدث جلل وتكوم المسعفون حول ديك الحبش ليعودوا إلي بخبر وفاة ديك الحبش الثمين وأسباب وفاته وأخذ أحد المسعفين يحدثني بحرارة وصوته يملأه الحزن والأسي ليخبرني أن هذا النوع من ديك الحبش تقوم الشركة التي تقوم بتربيته ( بعلفه ) بطريقة تضمن إكتمال إمتلائه وذلك لتناوله وهو في أقصي حالات إكتماله .. يؤسفني أن أخبركم أن الديك قد مات من شدة ( الشبع ).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي: -أكفان كروننبرغ- على البساط الأحمر


.. فنان أمريكي يُصدر أغنية بصوته من جديد بعد أن فقد صوته بسبب س




.. -الكل يحب تودا- فيلم لنبيل عيوش يعالج معاناة الشيخات في المغ


.. حصريا.. مراسل #صباح_العربية مع السعفة الذهبية قبل أن تقدم لل




.. الممثل والمخرج الأمريكي كيفن كوستنر يعرض فيلمه -الأفق: ملحمة