الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرؤيا الجدلية في لوحة الفنان التشكيلي حسين السلوان

إبتهال بليبل

2008 / 11 / 29
الادب والفن


(أبصرت أرضاً جديدة ، لان الأرض الأولى مضت والبحر لا يوجد فيما بعد )
يوحنا الرائي
من رائحة الأحجار الرطبة تحت قبة الحروب التي أغرقت المدافن لتستريح جثمان أبناءها ، الذين أبوا أن يدخلوها وفضلوا الرقود على جذوع النخيل المبعثرة فوق سيل الدماء ليخرجوا من حطام الطبيعة المعفرة بالدنس المثقلة بالأوجاع المشبعة حد النخاع بالطغيان ، لتستنزف السماء ما في الأوطان ...
ومن معتقلات الزمان تسجن أجسادنا بأسماء النهاية ، يخرجون من فوهات الأحجار ملفعة جثمانهم بالدماء وأفواههم مضمخة بحكايا العطش ، مكفنة بالسعف العراقي ، وتفوح من ثناياهم رائحة العنبر التي نسجتها حضارة وادي الرافدين ..
ومن بين تلك الأحجار تورق الأرض نحو العطاء ، ويصرخ جرح الأرض بلهفة عارمة نحو السماء ، كفاكِ يا سماء وامنعي هطول مطركِ الأحمر فقد صبغتِ وجهي بعشب زاني ، واتركيني اطرح ما في رحمي ليتشكل من طينة البداية في الوجود ..
لن يستطع المارين في دروب البقاء على تخطيء الأعشاب التي طرحها رحمي يوم اغتصبوني في ليالي سوداء ...
وقفت أمام هذه اللوحة وأنا في طريقي إلى الأحجار التي فوق الأرض . . كانت مصفوفة في الممشى الكبير الذي يقود إليها . .
الأرض . . . التقط الحصيلة , التفت حولي بحذر ثم أهمس بداخلي : شكرا . . . .
ففي هذه المدينة الواسعة المتخمة بالغرباء , يصبح التفاهم مع إنسان ما معجزة غير عادية , وتصبح الاستجابة لرغبة ما في غاية الصعوبة , لحظة حلوة تذكر بالأنس والألفة ولكن بطريقة مريضة شرسة . . .
في البداية يتولد لدى من يرى لوحة الفنان حسين السلوان ، أحساس بان الأرض مذلولة ! لا أدري بالضبط لماذا , لكن إن حشرت نفسك داخلها , ستقذف في أمعاء المدينة المظلمة القذرة , تحس بالكراهية المشلولة لصوت الوجع الرهيب الذي نفث سما اصفر في العيون المتعبة المحيطة بك , والعدائية .
ولذا كن دوما وأنت في طريقك إليها بين الدروب ,محاولا أن تذل اكبر عدد ممكن من الأحجار الصغيرة المرشوشة حول الأعشاب التي أثمرتها ينابيع الحروب والقسوة والعداوة ..
حاول حسين أن ينشأ بين المتلقي وبين تلك الأجواء في لوحته صداقة من نوع مذهل إنها دوما تستجيب لرغبتك . . وأحيانا ترفض بصدق وترمي بوجهك جذع نخلة قطع بدون جذورها، بكبرياء صامت وبلا مبرر يقدمه ! . . لتشكرها , وأحيانا تساورك رغبة موجعة في التحدث إليها . . لترى في ريشتهُ الصغيرة عيونا تغمز بوجع مرير
يهبط إلى الدرجات الأخيرة وينحرف في الممشى الطويل الأخير الذي يقود إلى مدافن جثمانها وأنت ما تزال غارق في أفكار (الوجودية ) هذه , وتأملاتك (الذاتية ) حينما تفهمها , ,
الفنان حسين السلوان يجسد ذلك الجذع الجالس دوما في هذا الممشى معانقا ( لسيمفونية ) تعزف من وقت إلى آخر ألحانا تتدفق فجأة في شرايين الممرات والدهاليز وتفجر في شرايين العابرين الراكضين ذكريات بعيدة كان يظن انه اغتالها تماما . . وتبدأ خطواتك تتقلص وأنت تحاول أن تتذكر أين سمعت هذا اللحن من قبل . . .تتذكر , فاستحليت جثة مجروحة . .
ليؤكد لك حسين انك ستظل تسير نحو النهاية وأن تتذكر صورة ذلك الجذع التي أثار جنون دواخلك و أثار فضولك . . .
اللوحة تتحدث عن ( السلام ) الذي يعيشون في بلادهم . . عن آلاف الأشجار التي زرعوها , وعن الذين يحرمونهم من المياه اللازمة لرعايتها ! !
لا تحاول أن تنطلق في دهليز الحياة المعتمة الضيقة وفوق العشب الراكض فتعود الأحداث لتنتظم أمام عيونكم . . لم يعد هنالك مفر من ذلك . . لم يعد بوسعنا أن نغرف في أفكارنا (الذاتية) أو (الوجودية) , إننا فعلا بحالة حرب مع عدو يمتاز بالتخطيط الواعي العصري . .
ولم يعد الحديث عما يدور هنا , مجرد مناسبة سنوية يستعرض فيها الفنان (عضلات قوميته) , وإنما صار واجبا حقيقيا . .وكما قيل يوماً عن مقولة أعجبتني ( كواجب صفارة الإنذارات قبل الغارات . . وربما لا يشنف الأذان بموال مخدر مطرب , لكنه ينقل الحقيقية بحرارة صهيل الخيول الوحشية التي تصهل قبل الزلازل , وتتنبأ بالعواصف)
أقول , خرج الأمر عن نطاق الكواليس السياسية , وبدأ السم يتسرب إلى الأرض والعشب والشجر ...

وهنا رابط اللوحة التشكيلية

http://1.bp.blogspot.com/_pe8gWdy_rhw/SSQ4gDjKjbI/AAAAAAAABHg/dZmMo1xBrEc/s1600-h/photo+10.JPG
إبتهال بليبل
إعلامية ومحررة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي